اعتقال المرشد.. بين الحرب النفسية والإصرار

الرئيسية » بصائر الفكر » اعتقال المرشد.. بين الحرب النفسية والإصرار
alt

"قوات الأمن المصرية تعتقل مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع"، بهذا الخبر استقبل العالم أخبار مصر صباح اليوم، وكأن دعوة الإخوان المسلمين تقف على شخص المرشد أو على مكتب الإرشاد أو غير ذلك.

خطوة تسعى فيها سلطة الانقلاب في مصر لإسكات صوت الحق، وضرب الثوار المصريين في مقتل، ونشر روح اليأس والإحباط في نفوسهم، بحيث تستقر الأمور لهم، وينساق الشعب المصري لهم كما أرادوا، في مخططهم الرامي للانقلاب على كل ما حصل عليه المصريون من مكاسب بعد ثورة يناير.

مشهد يضاف إلى مجموعة من المشاهد التي تندرج تحت الحرب النفسية الضروس التي تستهدف الثوار في مصر، لقتل روح الإصرار والتحدي لديهم، ولوأد ثورة صمدت أمام أزيز الرصاص، وجنون العسكر والأمن، وإرهاب البلطجية.

"
مفردات تاريخ جماعة الإخوان في مصر وغيرها، مليئة بصور المحن، والابتلاءات، التي تعرض لها القادة والأفراد على السواء، فمفردات القتل، والاغتيال، والسجن، والإبعاد، والتعذيب، ومصادرة الأموال والممتلكات، عايشتها الجماعة منذ نشأتها، ومع ذلك ازداد انتشارها، واتسع نطاق تأييدها، وزادت رسوخاً في نفوس أبنائها.
"
مشهد مألوف..

ليس اعتقال فضيلة المرشد بأمر جديد على القاموس التاريخي للإخوان المسلمين، فمفردات تاريخ جماعة الإخوان في مصر وغيرها، مليئة بصور المحن، والابتلاءات، التي تعرض لها القادة والأفراد على السواء، فمفردات القتل، والاغتيال، والسجن، والإبعاد، والتعذيب، ومصادرة الأموال والممتلكات، عايشتها الجماعة منذ نشأتها، ومع ذلك ازداد انتشارها، واتسع نطاق تأييدها، وزادت رسوخاً في نفوس أبنائها.

وهذا بدوره أفشل الكثير من مخططات الأعداء والمستبدين في محو الجماعة وإبادتها، فظلت مستمرة لأكثر من ثمانية عقود، مستلهمة من تضحيات قادتها العزيمة والدافعية لتحقيق غاياتها ونشر مبادئها.

ففي شباط عام 1949 راهن الكثير على انتهاء دعوة الإخوان، بعد عملية الاغتيال الجبانة، التي أزهقت روح الإمام الشهيد حسن البنا، حيث كانت بالإضافة إلى حظر الجماعة داخل المصر، ضربة قوية وجهت للجماعة. إلا أنها سرعان ما أعادت تنظيم صفوفها، لتعود من جديد بقوة وعزيمة، وتساهم بشكل مباشر في تغيير الأوضاع السياسية عام 1952، إلا أن الجماعة سرعان ما تعرضت لأقصى حملة عنف وإرهاب في التاريخ، حيث قدمت آلاف الشهداء، على رأسهم سيد قطب، وعبد القادر عودة، وغيرهم. بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المعتقلين الذين تعرضوا لأبشع أنواع التنكيل والإهانة والتعذيب، وكان منهم المرشد العام للإخوان أ. د. محمد بديع، وعدد كبير من قيادات الجماعة في مصر.

وبقيت الجماعة تتعرض للتضييق والحظر، وقياداتها تتعرض للاعتقال والمضايقات، حتى لا تجد أحداً من قيادات الإخوان المسلمين في مصر، إلا واعتقل لأكثر من مرة، وأمضى في السجون سنوات عديدة.

وليس المشهد محصوراً بمصر وحدها، فها هي فلسطين قدمت نموذجاً رائعاً في الثبات، والإصرار على الحرية، رغم اعتقال القادة واغتيالهم، فقوات الاحتلال الصهيوني لم تترك أحداً من قادة حماس إلا واعتقلته لسنوات عديدة، حتى شيخ حماس ومؤسسها، الشيخ أحمد ياسين، قضى سنوات كثيرة داخل السجن، إلا أن إرادة الحركة ما زالت كما هي، ثابتة صابرة، تشق طريقها نحو تحرير فلسطين، مهما كانت التكلفة.

حتى أن قوات الاحتلال، وحينما رأت ذاك الإصرار من تلك الحركة التي لم يمر على تأسيسها أعوام قليلة، أرادت أن تقضي على الحركة وتنهي مسيرتها، فأبعدت المئات من قاداتها، لتتفاجأ باستمرار العمل التنظيمي، وصمود الحركة رغم ما تعرضت له من ضربات قوية. حتى لم يبق للاحتلال إلا أسلوب الاغتيال، فاغتالت قواته، كثيراً من قيادات الحركة، على رأسهم الشيخ الإمام أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهما الكثير، لتختم مسيرة القتل باغتيال قائد القسام، الشهيد أحمد الجعبري، في تشرين الثاني من العام الماضي.

سر الصمود..

يظن كل من يحارب جماعة الإخوان المسلمين، أنها تعتمد على شخص واحد أو بضعة أفراد، حسب الحياة الديكتاتورية التي يعيشها، فالكثير من الديكتاتوريين يظنون أن في الجماعة رجل هو صاحب القرار والسلطة، دون أدنى تأمل إلى أن الجماعة هي مؤسسة شورية أصلا، وأن لا مجال فيها للاستبداد.

وهذا ما شاهدناه في مصر واضحاً جلياً، بين اتهام للمرشد تارة، أو لنائبه الأستاذ خيرت الشاطر تارة أخرى، أو لبعض أعضاء مكتب الإرشاد بأنهم يخطفون قرار الجماعة، أو يحكمون مصر ويفرضون القرارات على رئيسها المنتخب.
"
قيادات الجماعة دائماً ما يكونون محل استهداف من قبل أعداءها ، لإثارة الفوضى و التخبط داخل مفاصل الجماعة، وللتأثير على عزيمة أفرادها، بحيث تنشر الهلع والخوف بينهم.
"
ومما يؤكد على هذه الفكرة، تعرض قيادات الصف الأول في جماعة الإخوان للاعتقال، أو المطاردة وتفتيش البيوت ومصادر الأموال.

لذا فإن القيادات دائماً ما تكون محل استهداف من قبلهم، لإثارة الفوضى و التخبط داخل مفاصل الجماعة، وللتأثير على عزيمة أفرادها، بحيث تنشر الهلع والخوف بينهم.

صحيح أن قيادات الجماعة في مصر و خارجها، محل احترام وقدوة من قبل أفرادهم، إلا أن تغييب أحدهم لا يعني البتة انتهاء التنظيم، أو وفاة الفكرة.

فجماعة الإخوان تقوم على مبادئ الإسلام، التي تؤمن بأن الإسلام لا يقتصر على شخص واحد، فلا ينتهي بوفاته أو استشهاده، وهذا ما أكد عليه الله عز وجل في كتابه العزيز، حيث قال تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين، وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ( 148 ) [آل عمران:144-148]

ولذاك فحينما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المبعوث من الله، والقائد والمشرع لأمته، لم تتوقف مسيرة الإسلام، فانتشرت فتوحات الإسلام في الشام والعراق وبلاد فارس، وأصبحت دولة الإسلام عظيمة مهيبة، وظهرت في الأمة على مر الزمن، قيادات كثيرة، صححت مسيرة أمتها، وأحيت فيها روح الإسلام، وأعادت لها عزها ومجدها.

لذا فالإخوان المسلمون، لا يرهنون طريقهم، بقائد هنا، أو بتواجد لآخر هناك، فالدعوة أكبر من أن تحصر بشخص مهما كانت درجته وقيمته، ولهذا لا يمكن أن يكون لاعتقال مرشدها وما صاحبه من تهليل من قبل بعض الموتورين، أي تأثير سلبي، سوى زيادة الإصرار، ورباطة الجأش، والصبر على تحقيق النصر، وإرجاع الشرعية، ونيل الحرية وكل المكاسب التي نالوها بثورتهم ثورة يناير العظيمة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

الثائر والمعارض بين تشابه الجلباب واختلاف اللباب (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى - في الجزء الأول من هذا الموضوع عن مقدمة تبيِّن …