''ابنتي الحبيبة وأستاذتي الجليلة .. الشهيدة أسماء البلتاجي لا أقول وداعاً بل أقول غداً نلتقي ..عشت مرفوعة الرّأس متمردة على الطغيان ورافضه لكل القيود وعاشقة للحرية بلا حدود وباحثة في صمت عن آفاق جديدة لإعادة بناء وبعث هذه الأمَّة من جديد لتتبوأ مكانتها الحضارية''. بهذه الكلمات المعبّرة التي تختزل حياة فتاة مؤمنة عاشت لفكرة واستشهدت لأجله .. إنها الشهيدة أسماء محمّد البلتاجي .. وإنها كلمات والدها الدكتور محمد البلتاجي ..
الشهيدة أسماء البلتاجي ذات سبعة عشر ربيعاً هي البنت الثالثة من أولاد الدكتور محمد البلتاجي بالإضافة إلى عمّار وأنس وخالد وحسام الدين، طالبة في الصف الثالث الثانوي القسم العلمي.
تحمل في عقلها فكراً ثورياً واعياً، حيث اعتادت المشاركة الإيجابية في كافة المظاهرات منذ ثورة يناير 2011، بالإضافة إلى الفعاليات والمؤتمرات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
إيثار يوسف، رفيقة عمر أسماء، تحكي لوكالة أنباء الأناضول عن أسماء كما تقول عنها وتتذكر: (أسماء كانت تشجعني على النزول دائما في المظاهرات حتى ولو لم تشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين لأنها كانت تدرك أنَّ الخطر الحقيقي هو عودة حكم العسكري).
وأضافت في تصريحات لوكالة الأناضول أنَّ (أسماء شاركت في مظاهرات محمد محمود (بالقاهرة) في ديسمبر 2011، وكانت تقوم بعلاج الجرحى والمصابين).
"
(لم تنشغلي بشيء ممَّا ينشغل به من هم في مثل سنك ورغم أنك كنت دائما الأولى في دراستك فما كانت الدراسة التقليدية تشبع تطلعاتك واهتماماتك)
"
يقول عنها والدها الدكتور محمد البلتاجي: (لم تنشغلي بشيء ممَّا ينشغل به من هم في مثل سنك ورغم أنك كنت دائما الأولى في دراستك فما كانت الدراسة التقليدية تشبع تطلعاتك واهتماماتك). ويقول في رثائها: (ارتقت روحك وأنت مرفوعة الرأس (مقبلة غير مدبرة) صامدة مقاومة للطغاة المجرمين أصابتك رصاصات الغدر والنذالة في صدرك، ما أروعها من همة وما أزكاها من نفس، أثق أنك صدقتي الله فصدقك واختارك دوننا لشرف الشهادة).
وحدّث أنه رآها في المنام قبل يومين من استشهادها (رأيتك قبل استشهادك بيومين في المنام في ثياب زفاف وفي صورة من الجمال والبهاء لا مثيل لها في الدنيا حين رقدت الى جواري سألتك في صمت هل هذه الليلة موعد زفافك فأجبتيني: "في الظهر وليس في المساء سيكون الموعد".).
شهيدة رابعة ..
نزلت الشهيدة أسماء البلتاجي إلى ميدان رابعة العدوية فور إعلان الفريق عبد الفتاح السيسي بيانه يوم 3 يوليو؛ حيث اتضحت معالم الانقلاب العسكري وبدء حكم العسكر، ولم تترك الميدان يوماً واحداً، وكانت طيلة الوقت لا تترك المصحف من يديها.
أسماء وقفت بجوار أمها تسعف مصابي ميدان "رابعة العدوية" في مدينة نصر بالقاهرة، في أثناء فض الاعتصام بالقوَّة، كانت مرتبطة بأمها نظرا لصغر سنها لكنها كانت كبيرة بتصرفاتها وأحلامها، فظلت تواصل إسعاف المصابين والجرحى، حتى فاجأتها رصاصات غادرة أصابتها في مقتل، ففي حدود الساعة 10.30 بتوقيت القاهرة من صباح يوم الأربعاء الدامي، سقطت أسماء بجوار "منصة رابعة" بعدما استهدفها أحد القناصة بطلقات رصاص حيّ، استقرت في الصدر والظهر ممَّا أدّى إلى وفاتها في دقائق معدودة.
آخر ما كتبته الشهيدة ..
"
أتعلم حقيقة أنَّ الشهادة لا تكفّ يد الظلم عن أرواح الناس وأموالهم، لكنها تسلب سيطرة الظلم على أرواح الناس فتسيطر عليها ذكرى الشهداء
"
"أتعلم حقيقة أنَّ الشهادة لا تكفّ يد الظلم عن أرواح الناس وأموالهم، لكنها تسلب سيطرة الظلم على أرواح الناس فتسيطر عليها ذكرى الشهداء، وهذا هو نفسه حمل الأمانة، يستسلم الناس لسلطة الظلم لكنهم لا يسلمون أرواحهم، هذا هو تراث الإنسانية وما تتوارثه الأجيال خارج كتب التاريخ، هذا هو فحسب".
والدها يرثيها ..
''ارتقت روحك وأنت مرفوعة الرأس (مقبلة غير مدبرة) صامدة مقاومة للطغاة المجرمين أصابتك رصاصات الغدر والندالة في صدرك، ما أروعها من همة وما أزكاها من نفس، أثق أنك صدقتي الله فصدقك واختارك دوننا لشرف الشهادة''. ''أخيرا ابنتي الحبيبة وأستاذتي الجليلة .. لا أقول وداعا بل أقول الى اللقاء.. لقاء قريب على الحوض مع النبي الحبيب وأصحابه .. لقاء قريب في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. لقاء تتحقق فيه أمنيتنا في أن نرتوي من بعضنا ومن أحبابنا ريا لا ظمأ بعده.
عمّار الأخ يرثي أخته الشهيدة ..
يا عشق القلب وصفوة الفؤاد وتوأم الروح وقرة العين وسلام النفس وجمال الطفولة ودلال الأنوثة ولطف السماء وحنان الأمومة .. هبيني بعض آثاركِ النديّة .. أمهليني ألثّمُ ذكرياتكِ رضيعة فطفلة فصبية ففتاة .. يا زهرة في الترب بين المقابر ، سأرويكِ بأدمعي وأحوطك بأنفاسي وأرتمي أطهر روحي بطهر ترابكِ العبق بالشهادة وأحمل نعشكِ بروحي ، وأرمق بلا دمع بقية الحلم الجميل قد تكحّل بالتراب وتخضب بالدم.. إلى حين يأذن الله ..طبي نفساً .. فالموت فاتحة الخلود .. ومتى مات حزني ووجدي؛ فالله حيٌّ لايموتْ .. لكِ الروح، وخفقان القلب المكلوم .. وبقية ما أملك من التجلّد والصَّبر .. يا ويلهم .. أتوسل إلى الله بحبكِ يا شهيدة .. نوّر لي في قبري يارب .. من ضياء قبرها الضحوك الوضّاء .. أستودعكِ الرحمن الكريم .. يا حبيبتي .."