"إنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يتكلّم عن أنّه إذا كنتم جميعًا على رجل، جميعًا وليس جماعة، وهذا الذي حدث في ثورة 30 يونيو، خرج الشعب وخرج الجيش معه، فالجميع على رجل، فإذا ما جاء من يريد أن يفرقكم فاقتلوه كائنًا من كان، مع حرمة الدم وعظمه، يبيح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتل هذا الخارجي"...
بهذه الكلمات وغيرها وصف علي جمعة المفتي السابق جماهير الشعب المصري المؤيّدة لشرعية الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي والمعارضة للانقلاب العسكري بأنهم خوارج ويستحقون القتل، في إشارة واضحة وصريحة لأفراد الجيش وعناصر الأمن على وجوب قتلهم؛ وهو الأمر الذي حدث فعلاً، حيث نفذ الجيش والشرطة والأمن مجازر مروّعة ضد المعتصمين السلميين في ميداني رابعة والنهضة.
وقد أثارت هذه الفتوى ردود فعل قوية وجريئة من علماء أجلاء لما تحويه من مغالطات كبيرة من خلال وضع نص الحديث في غير موضعه وقلب الحقائق لصالح طرف سياسي يستغل الفتوى الدينية لمآرب مخططاته في ترسيخ الانقلاب العسكري.
"
الأحاديث التي اعتمدها تنطبق على الانقلابيين والعسكر، وأنّه لا يصح لإنسان أن يحكم على أحد من خصومه بإخراجه عن الملة، وأنَّ هذه الفتوى لا يؤيّدها الكتاب ولا السنة ولا الواقع المشاهد، وأنَّ صاحبها قد أسقط خلقه وعلمه وعدالته
"
إنَّ وصف شريحة من النّاس بأنهم خوارج يجب قتلهم تعدّ فتوى خطيرة تضرب عقيدة النّاس وإيمانهم وتستحل دماءهم التي صانتها الشرائع السماوية كافة، فمن هم الخوارج؟ وكيف تصدّى العلماء لهذه الفتوى غير المؤسسّة على هدى أو علم؟
من هم الخوارج؟
قال الشهرستاني في كتابه ((الملل والنحل)): (كلّ من خرج على الإمام الحقّ الذي اتّفقت الجماعة عليه يُسَمّى خارجيّاً سواء كان الخروج في أيّام الصحابة على الأئمة الراشدين أو من كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كلّ زمان). وقال ابن حزم في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) مضيفاً إلى التعريف الذي ذكره الإمام الشهرستاني: (ويلحق بهم مَن شايعهم على أفكارهم أو شاركهم في آرائهم في أيّ زمان).
وفيما يلي نعرض لأبرز ردود العلماء والمفكرين على فتوى "علي جمعة" والتي تركزّت على أنَّ الأحاديث التي اعتمدها تنطبق على الانقلابيين والعسكر، وأنّه لا يصح لإنسان أن يحكم على أحد من خصومه بإخراجه عن الملة، وأنَّ هذه الفتوى لا يؤيّدها الكتاب ولا السنة ولا الواقع المشاهد، وأنَّ صاحبها قد أسقط خلقه وعلمه وعدالته.
العلاّمة القرضاوي: أحاديث الخروج على الحاكم تنطبق على الانقلابيين
قال فضيلة الشيخ العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي: إنَّ الانقلابيين على الرئيس محمَّد مرسي هم الخوارج، وأحاديث الخروج على الحاكم تنطبق على الانقلابيين، وهم الخوارج الحقيقيون وليس أنصار مرسي".
"
إنَّ الانقلابيين على الرئيس محمَّد مرسي هم الخوارج، وأحاديث الخروج على الحاكم تنطبق على الانقلابيين، وهم الخوارج الحقيقيون وليس أنصار مرسي
"
وأضاف في لقاء على قناة الجزيرة مباشر مصر أنَّ الحاكم الشرعي لمصر هو الدكتور محمد مرسي، المنتخب بأغلبية من الشعب، ومعه الدستور المستفتى عليه. ولفت إلى أن معتصمي رابعة العدوية والنهضة كانوا مسالمين، ولم يحملوا أسلحة أو سكاكين، وسلاحهم كان السلمية والتكبير، ونبّه إلى أنَّ ملايين المصريين خرجوا في تظاهرات سلمية ضد الانقلابيين.
ووصف القرضاوي مفتي مصر السَّابق بأنَّه عبد للسلطة وعالم الشرطة، مشيرًا إلى أن دوره انتهى، وهيئة كبار العلماء يعرضون عنه، لا يعتبرونه أزهريًا، وليس عالمًا أصيلًا، بل صوفي. واستمر القرضاوي في الهجوم بضراوة على جمعة، وقال: "إنه رجل مستأجر للسلطة، فهذا الرجل حرم الخروج على مبارك في ثورة يناير"، داعيًا الأمة إلى العودة لعلمائها الحقيقيين.
د.عمارة: لا يصح لإنسان أن يحكم على أحد من خصومه بإخراجه عن الملّة
قال المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة: إنَّ حكم "الخوارج" يكون لـ "الخروج المسلح" على "الحاكم الشرعي" وينطبق على "الانقلاب العسكري" وليس المتظاهرين السلميين الذين خرجوا للدفاع عن دستورهم وحقوقهم".
وأضاف "حتى الخروج المسلح الذي تمَّ ضد الرئيس المصري الدكتور محمَّد مرسي ليس كفراً ولكنَّه "بغي" لا يخرج أصحابه من الملة، ولا يصح لإنسان أن يحكم على أحد من خصومه بإخراجه عن الملة".
"
إنَّ حكم "الخوارج" يكون لـ "الخروج المسلح" على "الحاكم الشرعي" وينطبق على "الانقلاب العسكري" وليس المتظاهرين السلميين الذين خرجوا للدفاع عن دستورهم وحقوقهم"
"
وأوضح أنَّ من يتعرَّض من المتظاهرين السلميين المعارضين للانقلاب للقتل يكون شهيداً، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى الجندي والضابط ألاّ يستجيب لأوامر قتل المتظاهرين، ولو قتل لرفضه أوامر القتل يكون شهيداً.
د. البر: الخوارج هم من انقلبوا على الإرادة الشعبية
قال الدكتور عبد الرَّحمن البر، في مقال له نقله الموقع الرَّسمي لحزب "الحرية والعدالة" : إنَّ الخوارج هم "من انقلبوا على الإرادة الشعبية والرئيس المنتخب وليس الثوار الذين يطالبون بعودة الشرعية وولي الأمر،" متهما من وصفهم بـ"مديري الفتنة" بأنهم يعمدون إلى "استخدام بعض أهل العلم الشرعي."
وتوجّه البر إلى جمعة بالقول: "نحب أن نذكّر الشيخ بأنه سبق أن اعتبر الثورة على المستبد المخلوع (حسني) مبارك حرام، ودعا المتظاهرين حينها للرجوع إلى منازلهم في الوقت الذي كان المخلوع يتحدث فيه عن حق التظاهر ويعترف بمطالب الثوار، حتى تنحى المخلوع عن السلطة بشكل قانوني ونزل على إرادة الثوار الأحرار."
وأضاف البر أنَّ الرئيس محمد مرسي "انعقدت له بيعة الأمة، وصارت طاعته واجبة.. ولم يسقطه الشعب في انتخابات حرة، إنما خانه وزير دفاعه مستغلاً وجود قسم من الشعب معارض له ولسياساته، فنازعه في حكمه وخرج عليه بالسلاح، واختطفه واختطف معه إرادة الأمة التي انتخبته" على حد تعبيره.
وتابع بالقول: "ومن ثم فالحقيق بوصف الخوارج هم الانقلابيون ومن رضي بخيانتهم.. ولهذا كانت فتاوى سائر العلماء والروابط العلمية والهيئات والاتحادات العلمائية في كل أنحاء الدنيا واضحة في التأكيد على أن الحاكم الشرعي لمصر هو الدكتور محمد مرسي، وأن ما جرى من انقلاب هو خروج غير مشروع".
"
الحاكم الشرعي والقانوني هو الرئيس الدكتور محمد مرسي، والذي أخذ البيعة القانونية والشرعية من الناس، ويؤيده غالبية جماهير الشعب المصري، ولذا فالذين خرجوا عليه وسجنوه هم الخوارج
"
د. حلاوة: حديث "علي جمعة" لا يؤيده الكتاب ولا السنة ولا الواقع المشاهد
قال الدكتور حسين حلاوة؛ الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء وأحد علماء الأزهر: (إنَّ حديث د. علي جمعة بهذا لا يؤيّده الكتاب ولا السنة ولا الواقع المشاهد، وإذا كان الدكتور جمعة قد اعتبر جماعة الإخوان التي هي فصيل مهماً من الشعب المصري من الخوارج، فإنّي أدعوه إلى أن يقرأ ويدرس من جديد؛ ليعلم من هم الخوارج، فمن المعلوم أنهم فصيل قد خرج على الخليفة الأصلي الشرعي، وهو الإمام علي بن أبي طالب، أما ما نراه من واقع في مصر فالحاكم الشرعي والقانوني هو الرئيس الدكتور محمد مرسي، والذي أخذ البيعة القانونية والشرعية من الناس، ويؤيده غالبية جماهير الشعب المصري، ولذا فالذين خرجوا عليه وسجنوه هم الخوارج".
وأضاف الدكتور حلاوة في حديث على قناة الحوار اللندنية: (كنت أتمنى من الدكتور جمعة ومن على شاكلته من الذين أيدوا الانقلاب أن يستغفروا الله سبحانه وتعالي، وأن يعودا إلى رشدهم؛ ليجمعوا الأمة خلف الحاكم الذي اختارته، وفي هذا الإطار لا أريد أن يكون حديثنا عن جماعة الإخوان، فالحقيقة أن القضية قضية الشعب بأكمله الذي اختار من يحكمه، ثم بوغت بمن يخرجون على النظام والشرعية، ويصادرون حق الشعب في الاختيار).
وأكّد د. حسين على أنّه إذا صح ما سمعناه من إفتاء الدكتور علي جمعة للضباط والجنود بقتل الإخوان والمعتصمين، فإنه وأمثاله يتحملون في رقابهم تلك الدماء التي أريقت؛ لأنهم بذلك يكونون قد أعانوا على قتل نفس بغير حق.
د. الريسوني: علي جمعة أسقط بفتواه خلقه وعلمه وعدالته
اعتبر الدكتور أحمد الريسوني، الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي أنَّ علي جمعة مفتي مصر السابق، أصبح يقفز من الموقع إلى ضده، مما أسقط علمه وخلقه وفقهه. وقال الريسوني، في مداخلة هاتفية مع برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة: إنَّ من حق وواجب الأمة أن تتظاهر وتعتصم ضد الحاكم الجائر.
"
علي جمعة أصبح يقفز من الموقع إلى ضده، مما أسقط علمه وخلقه وعدالته
"
وأضاف الرّيسوني "أنَّ علي جمعة أصبح يقفز من الموقع إلى ضده، مما أسقط علمه وخلقه وعدالته، وأخذوا يأخذونه إلى مواقع الجيش ليحدثهم دون أن يفقهو أو يعلموا أبعاد حديثه، ويأخذونه إلى قنوات بأسئلة موجهة وملغومة حيث الصحفي من يوجه ويعرف وجهة الجواب".
وعدَّ الريسوني أنَّ ما قاله علي جمعة بشأن إباحة قتل المحتجين السلميين لا يعدو أن يكون مجرّد تجارة فقهية، محذراً أنه يجب على الفقيه أن يحتاط غاية الاحتياط في الفتوى لأنه يمكن أن تستعمل في غير محلها، ضاربا المثل في ذلك في تفويض السيسي المزعوم ضد الإرهاب الذي كان واضحا هو تفويض لقتل المواطنين واضطهادهم.