هناك من يجادلون فى وجود هوية إسلامية للدولة، ومن ثم يعترضون على النص الدستوري: «دين الدولة هو الإسلام». وهو النص الذى أجمعت عليه الأمة ـ بدياناتها المختلفة ــ منذ دستور سنة 1923م.
وكثيرون من هؤلاء المعترضين يجهلون أن هذا النص ليس «بدعة إسلامية» وإنما هو أمر معروف ومشهور لدى العديد من الدول المسيحية، رغم أن مسيحيتها تدع ما لقيصر لقيصر، وتكتفى بما لله، وتؤمن بأن مملكة المسيح ـ عليه السلام ـ ليست فى هذا العالم الذى نعيش فيه.
وذلك على عكس الاسلام، الذى هو دين ودولة. وبعبارة الإمام محمد عبده: «فالإسلام: كمال للشخص، وألفة فى البيت، ونظام للملك، تميز به الذين دخلوا فيه عن غيرهم ممن لم يدخل فيه».
ولعله من المفيد، فى الحوار مع المعترضين على النص فى الدستور على الهوية الاسلامية للدولة، أن يذكر لهم أن أكثر من عشر دول مسيحية ــ كاثوليكية وإنجيلية وأرثوذكسية تنص دساتيرها على الهوية المسيحية للدولة، بل وعلى المذهب المسيحى لهذه الدولة. وعلى سبيل المثال ـ لا الحصر:
1 ــ ينص دستور الدنمارك ــ فى القسم الرابع ــ على «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هى الكنيسة المعترف بها من قبل دولة الدنمارك، وعليه ستتولى الدولة دعمها».
2 ــ وفى المادة الثانية من دستور النرويج نص على «ان الانجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمى للدولة ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها».
3 ــ وفى أيسلندا، تنص المادة 26 من الدستور على «أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هى كنيسة الدولة، بموجب هذه ستظل هذه الكنيسة مدعومة ومحمية من قبل الدولة»
4 ــ وفى إنجلترا أقر البرلمان مختلف النظم الأساسية التى تعد القانون الأعلى والمصدر النهائى للتشريع (أى الدستور القانوني)، وجاء فيه: «إن كنيسة انجلترا هى الكنيسة المعترف بها، وإن العاهل الانجليزى بحكم منصبه ــ هو الحاكم الأعلى لكنيسة انجلترا. وهو متطلب مقرر فى قانون التسوية لعام 1701م، بأن ينضم كنسيا لمجتمع كنيسة «إنجلترا» وكجزء من مراسم التتويج يطالب العاهل بأن يؤدى القسم «بالحفاظ على التسوية المبرمة مع كنيسة إنجلترا، وأن يحفظها بدون خروقات، كما يحفظ العقيدة والشعائر والنظام وطرق إدارتها وحكمها، وذلك بموجب القانون الذى تم إقراره فى إنجلترا». وذلك قبل التتويج بواسطة الاسقف الأعلى للكنيسة رئيس أساقفة كانتربري.
5 ــ وفى اسكتلنده ــ حيث الكنيسة المشيخية ــ المعترف بها رسميا ـ يؤدى العاهل الجديد القسم فى مجلس اعتلاء العرش، ويقسم جميع رجال الدين فى الكنيسة يمين الولاء للعاهل قبل توليه منصبه.
6 ــ وفى الارجنتين ــ الكاثوليكية ــ ينص الدستور ــ فى القسم الثانى على «أن الحكومة الاتحادية تدعم الديانة الرومانية الكاثوليكية الرسولية»
7 ــ وفى إسبانيا الكاثوليكية ــ ينص الدستور ــ فى المادة 16 ــ على «أنه على السلطات العامة أن تأخذ فى الاعتبار المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني، والحفاظ على علاقات التعاون المناسبة مع الكنيسة».
8 ــ وفى السلفادور ــ الكاثوليكية تنص المادة 26 من الدستور على «أن الشخصية القضائية القانونية للكنيسة الكاثوليكية موضع اعتراف.
9 ــ وفى كوستاريكا «الكاثوليكية ــ تنص المادة 75 من الدستور على «إن الكاثوليكية الرومانية الرسولية هى دين الدولة، وهى تساهم فى الحفاظ على الدولة».
10 ــ أما اليونان ــ الأرثوذكسية ــ فإن الدستور يفصل فى ذلك كثيرا، وذلك عندما ينص ــ فى المادة الثانية من القسم الثانى علي:
أ ــ «أن الديانة السائدة فى اليونان هى ديانة كنيسة المسيح الارثوذكسية الشرقية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، والتى تقرر. وتتخذ من يسوع المسيح رأسا لها، تتحد بلا انفصام فى عقيدتها مع كنيسة المسيح العظمى فى القسطنطينية، كما تتحد مع كل كنيسة تدين بنفس العقيدة بقدر التزامهم فى المقابل ودون أى شك أو مماراة بالشرائع والتقاليد الرسولية والمجامع المقدسة، وهى كنيسة مستقلة يديرها المجمع المقدس للأساقفة العاملين والمجمع المقدس الدائم المنبثق عنه، والمشكل على النحو المحدد فى الإجراءات القانونية لملتزمه بالاعلان البطريركى الصادر فى 29 يونيو سنة 1850م، والقانون الخاص بالمجلس الكنسى الصادر فى سبتمبر سنة 1928.
ب ــ ولن يعتبر النظام الكنسى الموجود فى مناطق معينة من اليونان مناقضا للأحكام الواردة فى الفقرة السابقة.
ج ــ ويجب الحفاظ على نص الكتاب المقدس دون تحريف. وتحظر الترجمة الرسمية للنص لآية صيغة لغوية لغوية أخرى دون موافقة مسبقة من الكنيسة المستقلة لليونان، وكنيسة المسيح العظمى فى القسطنطينية.
هكذا نصت كثير من دساتير الدول الغربية المسيحية ــ التى تدعى العلمانية والفصل بين الدين والدولة. والتى تدعو مسيحيتها إلى ترك ما لقيصر لقيصر نصت دساتيرها ــ رغم كل ذلك ــ على أن المسيحية هى دين الدولة. بل ونصت على المذهب المسيحى للدولة.
ولم تقف عند ذلك، بل نصت بعض هذه الدساتير على أن ترجمة الكتاب المقدس ممنوعة دون موافقة مسبقة من الكنيسة. وعلى أن من مهام الدولة حفظ هذا الكتاب المقدس من التحريف.
ومع كل هذا، تتعرض الدولة الإسلامية ـ التى نصت دساتيرها على أن دين الدولة هو الاسلام ــ الإسلام الذى هو دين ودولة باعتراف كل المستشرقين ــ تتعرض للنقد والابتزاز، وتطالبها مؤسسات كنسية غربية، ومنظمات حقوقية غربية، بحذف هذا النص من الدستور!. وهكذا تتعدى المكاييل المزدوجة. حدود السياسة الى الدين.