القوّة في حماية الحق

الرئيسية » بصائر تربوية » القوّة في حماية الحق
المؤمن القوي

الصراع بين الحق والباطل سجال إلى يوم الدين، ولكل منهما جنودٌ وقوّة وعتاد تختلف حسب طبيعة المرحلة والزمان والمكان، لكنّ  الفئة المؤمنة المدافعة عن الحق لا بد لها من صفات تميّزها وخصال تتوافر في جنودها وصفوفها، ومن بين هذه الصفات والخصال (القوّة) .. نعم القوّة بكل ما تعنيه هذه المفردة من معان سامية، فقد تكون قوّة الإيمان والعزيمة، وقد تكون قوّة الأبدان والأجسام، وقد تكون قوّة العبادة والطاعة، وقد تكون قوّة في العلم والفكر، وقد تكون قوّة السلاح والعتاد، وقد تكون غير ذلك..،  ذلك أنَّ عكس القوّة هو الضعف الذي يقود إلى العجز والهزيمة والاستسلام.

ومن التوجيهات النبوية التي تحدّثت عن صفات الفئة المؤمنة المناصرة والمنضوية تحت لواء الحق ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) .
"
سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع
"

قال ابن قيم الجوزية في كتابه (شفاء العليل): (تضمَّن هذا الحديث الشريف أصولاً عظيمة من أصول الإيمان منها: أنَّ سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص: كان حرصه محموداً، وكماله كله في مجموع هذين الأمرين: أن يكون حريصا، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به؛ فإنَّ حرص على مالا ينفعه، أو فعل ما ينفعه بغير حرص: فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك؛ فالخير كله في الحرص على ما ينفع. ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه: أمره أن يستعين به، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.

إعداد القوّة ..

ولا بد للفئة المؤمنة من إعداد للقوّة، لأنها لا تأتي من فراغ، فهي تحتاج إلى تخطيط وسعي في كافة المجالات التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعسكرية، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...}؛ فهي حدود الطاقة إلى أقصاها. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها.

يقول الشهيد سيّد قطب في تفسير هذه الآية: (إنَّه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان.. وأوّل ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة: أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها؛ فلا يصدوا عنها، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها. والأمر الثاني: إن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة. والأمر الثالث: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي، وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض: كلها.. والأمر الرابع: أن تحطم هذه القوّة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها؛ ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده؛ ومن ثمَّ فالحاكمية له وحده سبحانه).
"
أن تحطم هذه القوّة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها؛ ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده؛ ومن ثمَّ فالحاكمية له وحده سبحانه
"

معاني القوّة

قال الإمام النووي في شرحه صحيح مسلم: (المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداماً على العدو في الجهاد، وأسرع خروجاً إليه وذهاباً في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك.). وقال غيره: إنَّ المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله، لأنَّ المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية، وبقوته العلمية ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيرًا من المؤمن الضعيف.

في كلّ خير ..

فالإيمان كله خير، المؤمن الضعيف فيه خير، ولكن المؤمن القوي أكثر خيرًا منه لنفسه ولدينه ولأهله ولإخوانه ولأمته
قال الإمام النووي: (وأمَّا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((وفي كل خير))، فمعناه في كل من القوي والضعيف خير لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات).
"
العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله؛ فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز
"

العجز مهلكة وضياع !

((ولا تعجز))... قال الإمام ابن قيم: ((فإنَّ العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله؛ فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أَزِمَّة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه.
فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له : فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى (لو) ؛ ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ؛ فنهاه صلى الله عليه و سلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قُدر له لم يفُت ولم يغلبه عليه أحد ، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده ؛ فلهذا قال: فإن غلبك أمر فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته؛ فلهذا كان هذا الحديث ممَّا لا يستغني عنه العبد أبداً، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمَّن إثبات القدر، والكسب والاختيار، والقيام والعبودية ظاهراً وباطناً، في حالتي حصول المطلوب وعدمه، وبالله التوفيق)).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …