حل جماعة الإخوان المسلمين.. وتكرار الفشل

الرئيسية » بصائر الفكر » حل جماعة الإخوان المسلمين.. وتكرار الفشل
الإخوان المسلمون1

لم يكن مفاجئاً لأي من المراقبين، ذلك القرار الذي اتخذته إحدى المحاكم المصرية، بحل جماعة الإخوان وإبطال كل ما تفرع عنها من مؤسسات وغيرها.

فجماعة الإخوان المسلمين عاشت معظم سنواتها منذ تأسيسها عام 1928 تحت الحظر والمنع والتضييق، وتعرضت للكثير من عمليات مصادرة الحقوق والحريات، من اعتقال ومصادرة أموال، وقتل وتعذيب وإبعاد وغير ذلك.

ويمكننا القول أن الجماعة قد أتقنت –خلال عقود طويلة- التعامل مع مشهد الحظر والمنع، وأصبح ديها خبرة طويلة في التعايش معه، وهو ما يؤكده خروج الجماعة قوية حصينة بعد كل أزمة تمر بها.

 

"
بحسب رأي خبراء القانون، فقرار الحل الذي تعرضت له الجماعة قبل بضعة أيام، هو غير قانوني، وغلبت عليه الصبغة السياسية.
"
حكم سياسي
بحسب رأي خبراء القانون، فقرار الحل الذي تعرضت له الجماعة قبل بضعة أيام، هو غير قانوني، وغلبت عليه الصبغة السياسية. فالمحكمة التي أصدرت قرار الحل غير مختصة بهذا الشأن، وقرارها كان متماشياً مع الحملة السياسية والأمنية ضد الجماعة، بل كان القرار أعلى سقفاً من مطالب الذين رفعوا الدعوى، ناهيك عن وضوح الضعف فيما استند إليه قرار المحكمة.

 

وليس هذا أول قرار سياسي يخالف الأسس والقواعد القانونية، فالقضاء المصري حالياً هو ذراع قضائي لسلطة الانقلاب، يلفق التهم المختلفة، ويبرر قتل المدنيين واعتقالهم، وإغلاق المنشآت المختلفة، بل ويدعم الانقلاب على نتائج إرادة الشعوب التي أشرف عليها القضاء نفسه، المتمثلة بالدستور والرئيس ومجلس الشورى. في حين يقوم بتبرئة القتلة الذين ثبت عليهم القتل ثبوتاً لا شبهة فيه.

 

تكرار الفشل
يهدف الانقلابيون من قرار حل الجماعة، إلى إسكات صوت الجماعة وإضعافها، والتأثير على الحراك الثوري الرافض للانقلاب الذي تقوده الجماعة. بل يصرح البعض بأن الهدف هو إنهاء الجماعة نفسها، مما يمثل تلك الاسطوانة المشروخة التي كان يرددها كل من يحاول محاربة الجماعة وإنهاء تواجدها وإلغاء دورها.

 

فجماعة الإخوان المسلمين منذ أن تعرضت للحل على يد النقراشي، مروراً بعبد الناصر ومن بعده، قد تعرضت لحملات أمنية شرسة، لكن ذلك لم يفت في عضدها. صحيح أنها أثرت في بعض الوقت على الأداء السياسي للجماعة، بحيث أخفت تواجدها عن المشهد السياسي، إلا أنها لم تنه تواجدها طيلة عقود، لأسباب كثيرة منها:
"
يعتبر البعد الشعبي والتأييد الواسع من عوامل قوة جماعة الإخوان المسلمين، حيث تتميز بانتشارها في جميع المحافظات المصرية، وبين أطياف المجتمع المختلفة.
"
1-    الفكرة التي تحملها الجماعة، وهي فكرة إسلامية وسطية تتوافق مع العقل والفطرة السلمية، خصوصاً أنها تتواجد في بيئة مسلمة، وهذا يعني سهولة نشرها بين الناس، والتفافهم حول أفكارها.

2-    البعد الشعبي الواسع للجماعة، حيث تتميز جماعة الإخوان المسلمين في مصر بانتشارها في جميع المحافظات المصرية، وبين أطياف المجتمع المختلفة، وعدم تركيزها على فئة دون أخرى، مما كان له دور في زيادة شعبية الجماعة، حيث فازت في جميع الاختبارات الانتخابية منذ ثورة يناير مما يؤكد أنها رقم صعب في المعادلة المصرية.

3-    الهيكل التنظيمي الذي تتكون منه الجماعة، فالجماعة تتكون من هيكل تنظيمي واسع، لا يتضرر باعتقال فرد أو قيادي، وهو ما يعطي مرونة للجماعة للتعامل مع كافة المحن والظروف المختلفة.

4-    التنويع في الوسائل، فالجماعة لم تحصر عملها في الجانب السياسي فحسب. بل لها إسهامات في العمل الاجتماعي الخيري،  والعمل النقابي، والعمل الجامعي والطلابي، وغير ذلك من الأمور، التي تجعل الجماعة حاضرة بكل قوة في الشارع.

5-    الثبات على المبادئ، فقد أثبت قيادات الجماعة طيلة فترات المحن أنهم لا يتنازلون عن المبادئ التي يحملونها، والغايات التي يريدون الوصول لها، مما أكسبهم احتراماً لدى الشعب، وجعلهم قدوة للكثير منهم في التضحية والثبات.

6-    الجانب التربوي والإيماني الذي تحلى به أفراد الجماعة، حيث إن البنية التربوية المتينة التي حرصت الجماعة على ترسيخها في أفرادها، منحتهم القوة في مواجهة بطش السلطة، وحصنت صفوفهم من الردة والتراجع عن الاستمرار في الدعوة، مما حافظ على الصف الداخلي وتماسكه.

 

"
بحسب مراقبين للمشهد المصري، فإن قرار حل الجماعة لن يضيف أي جديد، ولن يؤثر على الثورة الشعبية الرافضة للانقلاب، بل قد يزيد الثورة اشتعالاً وقوة، ويعطي قادة وشباب الإخوان الإصرار على مواصلة مشوارهم في رفض الانقلاب.
"
نتائج قرار حل الجماعة
يخطئ من يظن أن قرار حل الجماعة سيضعف الحراك الثوري الرافض للانقلاب، فبحسب المراقبين للمشهد المصري، فإن الحكم لن يضيف أي جديد، ولن يؤثر على الحركة الشعبية الرافضة للانقلاب. بل قد يزيد الثورة الشعبية اشتعالاً وقوة، مما قد يدفع بأناس جدد للمشاركة في الثورة ضد الانقلاب. ناهيك عن إصرار قادة وشباب الإخوان على الاستمرار في ثورتهم.

ويمثل الإخوان جزءاً مهماً في الثورة الحالية، لكن في المقابل فإن الثورة الشعبية لا تنحصر بالإخوان وحدهم، بل هي تتكون من جميع أطياف الشعب المصري، مما يدل بشكل واضح على تخبط سلطة الانقلاب، وحرصها على إسكات صوت الشعب الرافض لها بأي طريقة، حتى لو كان بتلفيق التهم، أو استخدام نصوص القانون – بطريقة غير قانونية- لخدمة أهدافها، وهو ما تمثل بالحكم السياسي الذي أصدره قضاء الانقلاب.

عموماً يمكننا القول بأن قرار الحل سيعطي جماعة الإخوان شعبية أكبر، وسيجعل الالتفاف حول الجماعة أكثر وأوسع. فقرار حل الجماعة الأخير، سيكون الأضعف من حيث التأثير على الجماعة، والتقليل من شعبيتها، للأمور التالية:

1-    الحالة الثورة التي تعيشها مصر، حيث غيرت ثورة يناير الماضية من طريقة تفكير الكثير من المصريين، وخصوصاً نظرتهم لجماعة الإخوان، التي شكلت مكوناً رئيسياً في تلك الثورة، وعاملاً مهماً من عوامل نجاحها. وهذا يعني أن العقلية المصرية اليوم هي أكثر انفتاحاً ونضجاً من تلك التي كانت في السابق، وهو ما يؤكده بقاء الحراك الرافض للانقلاب في الشوارع لما يزيد عن الشهرين، رغم كل محاولات القمع والقتل.

2-    الانفتاح الإعلامي، حيث تميزت الفترات السابقة بإعلام منغلق، هدفه خدمة السلطة، وكان يمارس الحرب الإعلامية على الجماعة بكل شراسة وقوة، ويلفق لها التهم المختلفة، دون وجود صوت معارض يظهر بطلان ادعائه وكذبه. في حين أن الفترة الحالية شهدت ثورة على الإعلام السلطوي المنغلق، حيث ظهرت القنوات التي تنقل وجهة نظر المعارضين للانقلاب، والحالة الثورية للشعب المصري، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكسرها لحالة التعتيم الإعلامي التي سعت سلطة الانقلاب لفرضها."
يعتبر تخبط سلطة الانقلاب السياسي والقانوني والإعلامي، ومحاربة كل ما هو إسلامي، سواء بإغلاق المساجد ومنع الأئمة والخطباء، أو السعي إلى علمنة الدستور ونزع الصفة الإسلامية منه، من عوامل عدم جدوى قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، لأنه سيؤدي إلى التفاف المصريين حول فكرة رفض الانقلاب وما نتج عنه.
"

3-    التركيبة السياسية للمشهد المصري، فجماعة الإخوان المسلمين، لا تمثل اليوم جماعة دعوية، أو مؤسسة خيرية، بل لها سند قانوني وشعبي عريض، فهي تمثل الحزب الحاكم، الذي كان يحكم جميع المصريين، ويسعى للنهضة بمصر بعد عصور من التراجع والتخلف. ورئيسها كان أول رئيس منتخب بانتخابات نزيهة، وأول من حافظ على حرية الرأي، وسعى لحماية الحريات المختلفة، والحفاظ على إنسانية الإنسان، والوقوف مع قضايا الأمة المختلفة، والنهوض بمصر في جميع الجوانب. خلافاً لوضع سلطة الانقلاب الحالية، والتي هدمت كل منجزات الثورة، ونسفت بكل طموحات الشعب المصري، مما يعني بقاء حالة الرفض حتى عودة الشرعية.
4-    الطبيعة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، فأفراد الجماعة سيكونون أكثر حصانة على الاختلاف والانشقاق، نتيجة إيمانهم بفكرتهم، وتركيز الجماعة على الجانب التربوي رغم أنها وصلت إلى سدة الحكم، بالإضافة إلى الحرب الضروس التي تعرضت لها الجماعة منذ وصولها للحكم، وثبات القيادات على المبادئ رغم كل ما يتعرضون له.

5-    تخبط سلطة الانقلاب، السياسي والإعلامي والقانوني، ومحاربتها لكل ما هو إسلامي، سواء بإغلاق المساجد ومنع الأئمة والخطباء، أو السعي إلى علمنة الدستور ونزع الصفة الإسلامية منه، مما يعني التفاف المصريين -الذين يشكل المسلمون الغالبية الساحقة منهم- حول فكرة رفض الانقلاب وما نتج عنه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …