قال الدكتور طارق سويدان المفكر والقيادي الإسلامي المعروف، أن الانقلاب في مصر لا يمكن أن يصمد أمام إرادة الشعوب، وثبات الناس على مطالبهم، واستمرار حراكهم الرافض للانقلاب.
ودلل الدكتور سويدان على كلامه خلال حواره على قناة الجزيرة مباشر مصر، بالتجارب التاريخية التي أثبتت أن الانقلابات العسكرية التي وقعت في عديد من الدول كفنزويلا، والأرجنتين، وتايلاند وغيرها، قد فشلت وأحبطت بسبب ثبات الشعوب على مواقفها، المتمثلة بعودة الشرعية ورفض الانقلاب.
مصر بين الثورة والانقلاب..
وفي معرض حديثه عن مصر، أشار د. سويدان، إلى أن مصر هي رائدة للأمة، ومرتكز رئيسي لنهضتها وحضارتها ومستقبلها، مبيناً أن تراجع مصر عن دورها المنشود، يؤدي إلى تراجع الأمة بكاملها، والحيلولة دون نهوضها؛ لأنها رائدة وقائدة للأمة في جميع المجالات.
وقال سويدان، إن ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت نقلة نوعية للأمة، حيث أشاعت في الأمة مناخ الحرية والتخلص من الاستبداد، مستغرباً من موافقة البعض على الانقلاب على منجزات الثورة، والتي تعيد مصر أربعين عاماً إلى الوراء، بسبب عودة العسكر إلى الحكم.
"
ما جرى في 25 يناير كان انقلاباً عسكرياً لوقوف الجيش مع مطالب الشعب، إلا أنه كان على حاكم مستبد، زور الانتخابات وإرادة الأمة على مدى عقود. في حين إن ما يجري حالياً انقلابٌ على حاكم شرعي، جاء بإرادة شعبية حقيقية، و له جمهور واسع من المؤيدين، ولم يكن حاكماً مستبداً كسابقه.
"
وفرق د. سويدان، بين ثورة 25 يناير، وما حدث في مصر يوم الثالث من يوليو تموز الماضي، حيث قال إن ما جرى في 25 يناير كان انقلاباً عسكرياً من الناحية القانونية، لوقوف الجيش مع مطالب الشعب، إلا أنه كان انقلاباً على حاكم مستبد، زور الانتخابات وإرادة الأمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
في حين إن ما جرى في الثالث من يوليو كان انقلاباً على حاكم شرعي، جاء بإرادة شعبية حقيقية، وكان له جمهور واسع من المؤيدين، ولم يكن حاكماً مستبداً كسابقه، محذراً من خطورة وصول العسكر إلى الحكم، حيث اعتبرها مصيبة على الأمة، واصفاً ما جرى بمصر بأنه انقلاب عسكري دموي فاشي.
وأشار د. طارق سويدان، إلى أن الانقلابات العسكرية، ومنها ما يجري في مصر، لا يقتصر على تغيير الحاكم فقط، بل له مراحل خمسة هي:
الأولى: تغيير الحكم المدني بقوة الدبابات.
الثانية: تعيين رئيس مدني صوري.
الثالثة: قيامها بالقمع والقتل وتكميم الإعلام، خلافاً للثورات التي تدعو إلى الحرية والغاء الاستبداد واستيعاب الاخر.
الرابعة: ترشيح عسكري بلباس مدني.
الخامسة: توارث العسكر للحكم بلباس مدني، لأنهم لن يكتفوا برئيس واحد منهم، بل يسعون لإبقاء الحكم داخل المؤسسة العسكرية.
شتاء الثورات العربية وسنة التدافع
وفي تقييمه للثورات التي جرت في بعض الدول العربية، والتي أطلق عليها "الربيع العربي" قال سويدان، إن الوصف الأنسب لما جرى بأنه خريف عربي، تساقطت فيه الكثير من الأوراق، حيث تساقط في تلك الفترة الطغاة وأعوانهم وأبناءهم، وتساقط بعض الدعاة والعلماء والإعلاميين، ودعاة ليبرالية وحرية وغيرهم.
"
الشعوب العربية تمر في مرحلة الشتاء، والتي تتميز بوجود التدافع والعواصف التي قد تؤذي الإسلاميين والأحرار، ويمكن انهاء هذا الشتاء عبر إصرار الشعوب وثباتها، مما يعني بداية الربيع الحقيقي الذي تبدأ فيه التنمية والنهضة والتحول.
"
مشيراً إلى أن هذه الدول قد أنهت مرحلة الربيع ودخلت مرحلة الشتاء، كما حصل في مصر، حيث تتميز بوجود العواصف والتدافع الذي يؤذي الأحرار والمصلحين، مبيناً أنها قد تمتد لسنوات عديدة، وأنه يمكن اختصارها إذا أحسن الإسلاميون إدارتها. مؤكداً على أن انتهاء هذا الشتاء، بسبب إصرار الشعوب وثباتها، يعني بداية الربيع الحقيقي الذي تبدأ فيه التنمية والنهضة والتحول.
وقسم د. سويدان الثورات إلى ثلاثة أنواع من حيث النتيجة، تتمثل بما يأتي:
ثورة كاملة: وتتمثل بالتخلص من النظام البائد بكل ما فيه، من إعلام وعسكر وقضاء، وهذا ما حصل في ليبيا، وهو ما سيتم في سوريا.
نصف ثورة: وتتمثل بتغيير للحاكم وبعض من حوله، كما حصل في مصر.
ربع ثورة: وحقيقتها تغيير شخصية الحاكم والتعايش مع الباقين، كما حدث في اليمن.
وعزى السويدان الاختلاف في أنواع الثورات، إلى طبيعة الوضع الداخلي للبد وتعقيدات المشهد السياسي فيه، وغير ذلك.
الإسلاميون لن ينجروا للعنف.. والعسكر فاشيون
من جانبه أكد د. سويدان على أن الإسلاميين وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، لا يتبنون منهج العنف، بل يرفضونه ولا يدخلونه ضمن مناهجهم وبرامجهم. مشيراً إلى أن منهجهم مقتبس من قوله تعالى : { لئن بسط إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني اخاف الله رب العالمين}. وقال إن الإسلاميين لن ينجروا للعنف، رغم استخدام سلطة الانقلاب صور القتل وحرق الجثث والاعتداء على المتظاهرين السلميين.
وأشار إلى أن حسن البنا، والذي يعتبر فخراً لمصر، ويشكل فكره نهضة للأمة الإسلامية، لم يتكلم في كتاباته – التي تعتبر مرجعاً فكرياً للإخوان- عن استخدام العنف والقتل، وهو ما دأب عليه مرشدو الإخوان من بعده، حتى أن المرشد الهضيبي، قد أصدر كتابه "دعاة لا قضاة" رداً على البعض الذي انحرف فكرهم عن منهج البنا ورؤيته. وأكد السويدان، على أن الإخوان من دعاة الانفتاح وبناء العلاقات مع الدنيا كلها، ولا يكفرون حاكماً أو شعباً، وهم ينادون للمشاركة مع الآخرين، على اختلاف افكارهم. "
العسكر في مصر فاشيون لأنهم قد توفرت فيهم عناصر الفاشية الثلاثة، وهي الحكم العسكري الدموي الطاغي، الذي يسفك الدماء، وينتهك الحقوق. واستعمال التأييد الشعبي والتحريض الإعلام وتكميم كل الأفواه الأخرى. بالإضافة إلى شيطنة فرد أو جهة حتى يوقعهم بما يريد ليكون مبرراً لممارسة القتل ضدهم.
"
ووصف السويدان العسكر في مصر بأنهم فاشيون، لأنهم قد توفرت فيهم عناصر الفاشية الثلاثة، وهي الحكم العسكري الدموي الطاغي، الذي يسفك الدماء، وينتهك الحقوق. واستعمال التأييد الشعبي والتحريض الإعلامي وتكميم كل الأفواه الأخرى. بالإضافة إلى شيطنة فرد أو جهة حتى يوقعهم بما يريد ليكون مبرراً لممارسة القتل ضدهم.
مؤكداً على أن التاريخ أكد على أن وصول العسكر إلى الحكم يشكل مصيبة على الأمة، وتأخراً في تقدمها ونهضتها، معتمداً على التقارير الدولية والإحصائيات، التي أكدت أن الدول تتراجع حضاريا تحت حكم العسكر ولا تتقدم. وعزى ذلك إلى أن العسكر لا يفكرون بعقلية التنمية بقدر ما يفكرون بعقلية عسكرية تعتمد على السلاح والرصاص.
لا قيمة للدين إذا لم يدع للحرية
وحول الفتاوى التي صدرت تأييداً لسلطة الانقلاب في مصر قال د. طارق سويدان، إن بعض الدعاة والعلماء، قد استخدموا الدين استخداماً سيئاً في تثبيت الطغيان والاستبداد، فلا قيمة للدين إذا لم يدع للحرية ومحاربة الاستبداد.
مبيناً إلى أن الذين وقفوا مع الطغاة هم علماء السلطان، وليسوا كل العلماء، فالكثير من العلماء وقفوا موقفاً مشرفاً في رفض ما جرى، والوقوف مع حرية الشعوب وإرادتها.
وحول اتهام الإخوان بأنهم خوارج، قال السويدان، بأن الذي خرج على الشرعية والرئيس المنتخب هم الخوارج، وليس الذين يدافعون عنه ويطالبون بعودته.
وأكد على أن ولاية المتغلب التي تحدث عنها الفقهاء، كانت في زمن معين، ولا يجوز إسقاط فقه سياسي يناسب زمناً معيناً على زمانناً، فالانقلاب في مصر، لا يتمثل بعزل الرئيس ووضع آخر مكانه، بل هو انقلاب وخروج على العقد الاجتماعي مع الأمة، عبر إلغاء الدستور، ومنع الحريات، وغير ذلك من الممارسات.
واستغرب السويدان من مواقف الذين كانوا يطالبون بالحريات ويدافعون عنها، وقوفهم مع سلطات الانقلاب، مبيناً أنهم يقفون مع الحريات التي تخدمهم، وليسوا مع الحريات التي تخدم الإسلاميين، واصفاً إياهم بدعاة الإقصائية وقتل المخالفين، والمدافعين عن مصلحتهم فقط.
الإخوان والحكم.. استعجال أم ضرورة
وحول تقييمه لفترة حكم رئيس مصر، د. محمد مرسي، قال السويدان إنه لا يمكن تقييم هذه المرحلة كما هو حال الرؤساء الآخرين، وذلك نظراً للأوضاع المتردية التي تركها النظام البائد، ووقوف كثير من مفاصل الدولة ضده وضد توجهاته.
وكشف د. سويدان، إلى أنه لم يكن يتمنى أن يمسك الإخوان بزمام السلطة، لعدم وجود الخبرة السياسية، التي حرمهم إياها الاستبداد، ناهيك عن حجم الفساد الذي انعكس على جميع الجوانب، ومحاربة المجتمع الدولي لهم. إلا أنه أشار إلى أن الظروف أجبرتهم على ذلك، متسائلاً ماذا سيحصل لو وصل أحمد شفيق إلى سدة الحكم وهو من المؤسسة العسكرية؟
"
حذر د. سويدان من السكوت على الانقلاب العسكري في مصر، مؤكداً على أن السكوت على الانقلاب، واستقراره، يعني أنه أصبح من السهل تكراره في مكان آخر مما يفتح باب فساد جديد، له عواقب وخيمة على حرية الإعلام وحقوق الإنسان وغير ذلك.
"
وعارض السويدان التدخل الدولي في شؤون مصر، مبيناً أن هذا شأن داخلي، لكنه يؤيد الوقوف مع حقوق الإنسان سواء كان الحق مع الإسلاميين، أم مع غيرهم.
واستنكر السويدان موقف حكومة الكويت من دعم الانقلاب في مصر، قائلاً: أبرأ إلى الله من تبرع الحكومة الكويتية بأموالنا إلى الانقلابيين، لأن شعوبنا غير راضية. وعزى ذلك، إلى أن الحكومات الخليجية، قد صور لهم الإخوان بأنهم شياطين وتم تخويفهم منهم.
وختم السويدان كلامه، بالتحذير من السكوت على الانقلاب العسكري في مصر، مؤكداً على أن السكوت على الانقلاب، واستقراره، يعني أنه أصبح من السهل تكراره في مكان آخر مما يفتح باب فساد جديد، له عواقب وخيمة على حرية الإعلام وحقوق الإنسان وغير ذلك.
[yt id="kYcidLXWPhU"]