شمولية التربية الدعوية .. علامة نجاح

الرئيسية » بصائر تربوية » شمولية التربية الدعوية .. علامة نجاح
التربية1

لا شك أن للعملية التربوية دور هام في العمل الدعوي، من حيث تسهيل الوصول إلى النتائج والغايات، وتحقيق التغيير المنشود في جميع المستويات.

فالتربية الصحيحة توجد أفراداً أقوياء، قادرين على تحمل مشاق العمل الدعوي ودفع تكاليفه، والصمود في وجه كافة المشاكل وتجاوز العراقيل المتنوعة التي تعترض العمل الدعوي. وتكمن أهمية ذلك في كون العملية الدعوية تواجه عراقيل كثيرة، بدءاً من العراقيل الداخلية المتعلقة بالنفس، مروراً بالمشاكل الاجتماعية وتحديات الظروف، وانتهاء بسعي السلطة المستبدة لإيقافها والقضاء عليها وإفشال مشاريعها.

يقول د. مجدي الهلالي: " إن توصيل رسالة الله عز وجل للبشر، تحتاج إلى بذل حقيقي للجهد، وتضحية عظيمة بالغالي والنفيس، وصبر وثبات على المحن والعقبات، التي تعترض طريق توصيل الرسالة، فلا راحة للمسلمين حتى يقوم الدين كله لله".

 

بين التربية والتعليم.."
تتمثل حقيقة التربية بإحداث تغيير في السلوك، وترك أثر دائم في تصرفات الأفراد، عبر التأثير على النفس والقيم والتصورات والمشاعر، بحيث تكون دافعاً للعمل الإيجابي الذي يساهم في تغيير المجتمع والنهوض به.
"

تتمثل حقيقة التربية بإحداث تغيير في السلوك، وترك أثر دائم في تصرفات الأفراد، عبر التأثير على النفس والقيم والتصورات والمشاعر، بحيث تكون دافعاً للعمل الإيجابي الذي يساهم في تغيير المجتمع والنهوض به.

وتختلف التربية عن التعليم، إذ يقتصر التعليم على إيصال المعلومة إلى المتعلم، واستيعابه لها، دون النظر إلى التطبيق، وأثره على السلوك.
في حين أن التربية تتعدى هذا الأمر، لتركز على الممارسة، بحيث تنشئ في الشخص آثاراً سلوكية جديدة، تؤكد على تحوله وتغيره.

وهذا التفريق بين التربية والتعليم، هو المعيار الحقيقي الذي نستطيع أن نقيّم به عمل مؤسساتنا وبرامجنا الدعوية، خصوصاً تلك التي تستهدف الأفراد في المحاضن التربوية، إذ لا يمكن إطلاق وصف التربية على عملية لم تتجاوز مرحلة التثقيف إلى مرحلة التطبيق.

وبسبب الخلل في بيان حقيقة التربية، ظهرت الكثير من المشاكل التربوية، التي يمكن تجاوزها من خلال المتابعة التربوية الصحيحة الفعالة، التي تقيّم العملية التربوية برمتها، وتستطيع إصلاح الخلل بشكل سريع حال وقوعه.

 

مخاطر تجاهل شمولية التربية

من الخطأ الذي يمارسه بعض التربويين، التركيز على جانب واحد دون آخر في العملية التربوية، وذلك لأن الإنسان كما يقول العلماء يتكون من جوانب مختلفة، تتمثل بالعقل، والنفس، والقلب، والجسد.

وإغفال واحد من الجوانب السابقة، ينتج عنه مشاكل متعددة داخل الصف الدعوي. فإغفال جانب العقل ينتج عنه فشو الجهل واضطراب المفاهيم والخلل في التصورات. أما إغفال جانب القلب فإنه يؤدي إلى جعل صاحبه أسيراً للهوى، لا يبالي بحلال أو حرام، بل يفقد وازع التقوى والإيمان، فلا يكون لأعماله أي عمق روحي أو تعبدي.

ومن ناحية أخرى، فإن إغفال الجانب النفسي يفتح الباب للفجور والعصيان، والغرور والتكبر، وحب السلطة والنفس. مما ينتج عنه الكثير من المشاكل التي تعصف بالصف الدعوي الداخلي. والحال كذلك ينطبق على الجانب الجسدي، إذ ينتج عنه الضعف، وعدم الاهتمام بالجسد، والإصابة بالأمراض المختلفة.

 

نحو تحقيق شمولية التربية

يتبين مما سبق، أن التربية الدعوية لابد وأن لا يقتصر استهدافها على جانب من الجوانب، بل تسعى إلى استهداف جميع الجوانب بحيث تحول دون وقع المشاكل التربوية، أو الحد والتقليل من حدوثها.

ويتمثل تطبيق ذلك، بالأمور التالية:

 

التربية المعرفية"
تتمثل التربية المعرفية داخل الصف الدعوي، ببيان غايات الدعوة وأهدافها، وطبيعة أساليبها ومناهجها، والموقف من المستجدات الفكرية والمعرفية، بحيث توجد قواعد واضحة للتعامل معها، مع بيان آلية اتخاذ القرار والحكم على الأشياء، وغير ذلك.
"

إنّ ازدياد المعرفة العلمية بالأشياء، يؤدي إلى زيادة الثقافة، وارتقاء الفكر ونمط التفكير، مما ينعكس إيجاباً على التصرفات والسلوك.

والهدف من التربية المعرفية، توسيع المدارك، وتعويد الفرد على التفكر والتدبر. وهو منهج إسلامي أصيل، حيث حث القرآن على التفكير والتدبر لزيادة الإيمان واليقين، والشواهد على ذلك كثيرة جداً.

وتتمثل التربية المعرفية داخل الصف الدعوي، ببيان غايات الدعوة وأهدافها، وطبيعة أساليبها ومناهجها، والموقف من المستجدات الفكرية والمعرفية، بحيث توجد قواعد واضحة للتعامل معها، مع بيان آلية اتخاذ القرار والحكم على الأشياء، وغير ذلك.

 

التربية الإيمانية

مما لا شك فيه، أن الإيمان هو المشعل الذي يضيء حركة الفرد، ويثبته على الطريق المستقيم، ويعطيه القوة على مجابهة المحن والمصاعب. والإيمان محله القلب، وهو محور الصلاح والفساد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة ً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (متفق عليه).
"
لا بد من التفريق بين المعرفة العقلية في أمور العقيدة والإيمان، وبين الرضا والتطبيق والاطمئنان القلبي الذي يسهل على الفرد القيام بمختلف الأعمال، وتحقيق الدافعية، وغرس اليقظة والمحاسبة الذاتية للفرد
"

ويتناسب نجاح التربية الإيمانية طردياً مع قوة الإيمان وزيادته. ولا ضير أن نقول أن الخطاب التربوي الإيماني في القرآن كان الأكثر وروداً فيه، حتى الآيات التشريعية التي اهتمت بتقرير الأحكام في العهد النبوي، لم تخل من التذكير بالإيمان واليوم الآخر، وهذا كله يدل على أن الإيمان يصنع جيلاً قوياً قادراً على تحقيق العزة والانتصار والتمكين.

ولا بد لنا أن نفرّق بين المعرفة العقلية في أمور العقيدة والإيمان، وبين الرضا والتطبيق والاطمئنان القلبي الذي يسهل على الفرد القيام بمختلف الأعمال، وتحقيق الدافعية، وغرس اليقظة والمحاسبة الذاتية، بحيث يصبح قلبه سليماً، يستقبل كل حدث ومستجد برؤية المؤمن الواثق بالله، ويتجاوز حالات التقصير والخطأ حال وقوعها.

 

التربية النفسية

تعتبر النفس مجمعاً للشهوات والمطامع، مثل حب نيل الشهوات المختلفة، والعجب بالنفس وحب الظهور وتصدر المهام، أو أن يظن المرء أنه أكثر فهماً وعلماً من الآخرين، فيتعالى على الدعوة وعلى الصف الدعوي.
"
يكمن دور التربية النفسية في تعويد النفس على التواضع ونكران الذات، ونسبة الفضل كله إلى الله، ومحاربة التكبر والتعالي على الآخرين
"
وهنا يكمن دور التربية النفسية في تعويد النفس على التواضع ونكران الذات، ونسبة الفضل كله إلى الله، ومحاربة التكبر والتعالي على الآخرين.

ولا بد للمربي والذي يملس لدى المتربي حالة من الإعجاب بالنفس واتباع الهوى، أن يتخذ من الأساليب الكفيلة بعدم سيطرة النفس على الجوانب المختلفة؛ لأن هذه الأمور إن تركت تمادت وأصبح علاجها أكثر صعوبة.

 

التربية الحركية

لا تتوقف التربية على مجرد الوعظ والتذكير، وزيادة الحس الإيماني والمعرفة العقلية، بل لابد أن يصاحبها العمل والإنجاز، لتكتمل العملية التربوية، وتحقق علامة نجاحها.

فالإسلام لم يكن دعوة دون عمل، ولم يكن محصوراً بالآخرة دون الدنيا. ولهذا تقع على عاتق التربية الحركية عبء ضبط وتوجيه حركة الفرد المسلم، وأن يكون لحركته أثر طيب وفاعل على المجتمع، مما يساهم في بناء المشروع الإسلامي وتحقيق غاياته.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • التربية
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

    شاهد أيضاً

    الصيام بوابة المغفرة: كيف نجعله شفيعًا لنا يوم القيامة؟

    يتعامل الإنسان مع المهام الدنيوية بإحساس بالمسؤولية، فلا يجد راحة حقيقية حتى يؤديها على أكمل …