الركون إلى الظالمين.. خسران في الدنيا والآخرة

الرئيسية » بصائر الفكر » الركون إلى الظالمين.. خسران في الدنيا والآخرة
alt

حينما يعم البلاء، وينتشر الظلم، ويتجبر الطغاة والمستبدون، تتمايز الصفوف، وتختلف المواقف. فتجد بعض الناس يثبتون على المبادئ التي يدعون إليها، غير آبهين بما يلحقهم من ضرر، أو يصيبهم من أذى، يحتسبون أجر تحملهم عند الله. وكأن لسان حالهم كأولئك الذين توكلوا على ربهم، فصبروا على أذى قومهم، كما في قوله تعالى: {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون} [إبراهيم:12]. وهؤلاء هم المنصورون في الدنيا والآخرة؛ لأنهم نصروا الله في أنفسهم، ومواقفهم، وثبتوا على مبادئهم، فاستحقوا النصر والتأييد.

وفي المقابل، نجد فئة أخرى، تخالط الظالم، وتبرر له مواقفه، وتسعى لإقناع الشعب بقبوله والرضا بوجوده، رغم ظلمه المتكرر، ومعاصيه الظاهرة. مخالفة مبادئها التي كانت تتغنى بها، إما خوفاً من الظالم، أو طمعاً في ما عنده من مال أو منصب أو جاه.

التحذير من الركون إلى الظالمين

يقول الله تعالى : {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} [هود:113].

فهذه آية عظيمة، تبين إحدى معالم الشخصية المؤمنة، التي لا تحيد عن مبادئها. وترسم لها خط سيرها، بحيث تظل معالمها واضحة، تسير على خطى الحق وتثبت عليه. لذا فهي تحذر المؤمنين من الركون إلى الظالمين، لما ينتج عنه من عذاب أليم، وضياع للشخصية الإسلامية، التي يحرص الشرع على وجودها وديمومتها.

يقصد بالركون: الرضا بما عليه الظلمة من الظلم، وتحسين طريقتهم للناس، وتزيينها لهم، ومشاركة الظالمين في شيء من الأمور التي يديرونها

يرى المفسرون، أن المقصود بالركون هو السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة. ويقصد به في الآية الكريمة، الرضا بما عليه الظلمة من الظلم، وتحسين طريقتهم للناس، وتزيينها لهم، ومشاركة الظالمين في شيء من الأمور التي يديرونها.

وقد يراد بها، المداهنة لهم في القول والعمل، وموافقتهم في السر، وعدم الإنكار عليهم في الجهر.

والركون ليس له حد معين، فقد يتحقق بالقليل والكثير، ويعتبر الظالم ظالماً، إن أوقع الظلم مرة، ويعتبر أشد حرمة إن تكرر منه، وأصبح ديدناً يعيش عليه، ويستمر على فعله.

يقول الإمام الألوسي رحمه الله: "وإذا كان الركون إلى من صدر منهم ظلم مرة في الإفضاء إلى مساس النار هكذا، فما ظنك بالركون إلى من صدر منهم الظلم مراراً ورسخوا فيه، ثم بالميل كل الميل لهم".

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: " لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا، إلى الجبارين الطغاة الظالمين، أصحاب القوة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوتهم، ويعبدونهم لغير الله من العبيد".

المطلوب من المؤمنين الوقوف مع المظلوم، ونصرته والدفاع عنه، و مقاومة الظالم، ورفض ظلمه ومنكره، لا الموافقة عليه، والدعاء له بالبقاء والنجاح والتوفيق، وتخذيل الناس عن معارضته والإنكار عليه

وقد جاء التحذير من الركون إلى الظالمين مطلقاً، بمعنى يحرم الميل للظالمين والركون إليهم ولو بالشيء اليسير؛ وذلك لأن المطلوب الوقوف مع المظلوم، ونصرته والدفاع عنه، و مقاومة الظالم، ورفض ظلمه ومنكره، لا الموافقة عليه، والدعاء له بالبقاء والنجاح والتوفيق، وتخذيل الناس عن معارضته والإنكار عليه.

والركون إلى الظالمين، تكسبهم قوة، وتخذل الناس عن نصرة الحق، و تخلخل الصفوف، وتنشر الفتنة بين الناس، وتشجع الظالم على زيادة ظلمه وطغيانه.

يقول الإمام الألوسي رحمه الله : " لولا القضاة السوء والعلماء السوء، لقل فساد الملوك. بل لو اتفق العلماء في كل عصر على الحق ودفع الظلم مجتهدين في ذلك، مستفرغين جهودهم، لما اجترأ الملوك على الفساد، ولاضمحل الظلم من بينهم".

عاقبة الركون إلى الظالمين

نظراً لما يمثله الركون إلى الظالمين من خطورة على الدين والأمة، ومخالفة صريحة لأوامر الله تعالى، ولمعالم الشخصية المؤمنة، فإن الله قد رتب عليه العذاب؛ لمخالفة من يقوم به لأوامر الله، التي تدعو إلى محاربة الظلم، وعدم السكوت على المنكر، ولأن في ذلك مشاركة وعوناً لهم فعلى الظلم. فكان إثماً كبيراً، وذنباً عظيماًَ.

ويرى بعض المفسرين، أن من عواقب الركون إلى الظالمين، تعدي ظلم الظالمين إليهم، كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها. وهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية، فأولئك الذين يداهنون للظلمة، وينافقون لهم طمعاً في مكسب من الدنيا، لا قيمة لهم عند الظالمين، وسرعان ما يتخلص منهم الظالمون، حينما تنتهي مهمتهم وما وجدوا لأجله.

إذا كان الميل إلى الظالمين والرضا بوجودهم سبباً في عذاب الله يوم القيامة، فكيف الحال إن تعدى الأمر إلى الدفاع عن الظالم في سفكه لدماء الموحدين، ومحاربته لدين الله وشرعه، ومشاركته في ظلمه ضد المستضعفين والمظلومين !!.

فكم من طاغية استغل عمالة وخيانة وسذاجة من يناصروه، فجعل منهم أبواقاً تدعوا له، وتقنع الناس به، ثم سرعان ما تخلص منهم، إما بالقتل، أو بالسجن، أو القمع والنفي، بحجج الخيانة والعمالة للآخرين، وتهديد أمن البلد، وغيرها من الأمور.

لذا هي رسالة ربانية للمؤمنين، أن لا يقفوا مع الظالمين ضد الحق وأهله، فنصرة الظالمين ودعم شرعية وجودهم، تمثل جريمة خطيرة. وإذا كان الميل إليهم والرضا بوجودهم سبباً في عذاب الله يوم القيامة، فكيف الحال إن تعدى الأمر إلى الدفاع عن الظالم في سفكه لدماء الموحدين، ومحاربته لدين الله وشرعه، ومشاركته في ظلمه ضد المستضعفين والمظلومين !!.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …