إنّ مِن لطائف لله عزّ وجل بِعباده أن أوجَد لنآ سِعة في حياتنا " عبادتنا ومعاملاتنا" ووضَعها داخلَ دائرة الحلالْ الفضفاضة . وحذّرنا من دائرة أوسعْ ألا وهي "دائرة الحرام".
فحَديثي, ليس عَنْ أحكامٍ شرعيّة تتعلّقُ بالحلالِ والحرامْ! بل عن دائرة الحلالْ !
والسؤال الذي يَطرَحُ نفسة, أينَ موقع الداعيّة في دائرة الحلالْ؟! هل يُعقَل أن يكونَ الداعيّة، مِثله كَمثِلِ العامة، يصول ويَجولُ في دائرة الحلالْ. بل قد يطرق أبواب دائرةِ الحرامِ احيانا!
لا بدّ من وجودِ دائرة، في دائرة الحلالْ ، تربَع عليها من سَبقونا من الدُعاة! إنّها "دائرةُ السقوف العليا" فهي بوسَطٍ وأعلى دائرة الحلالْ , وهي بمثَابه الفِردوسِ للجنّة ~
محاطةٌ بأسوارٍ من الثوابتِ والمبادئ، تحافظُ علينا من الانجرار نحوَ ما يفعله العّامة، فما يحقّ للعامة من ترفٍ وسِعة لا يحق للدعاة، وإلا كيفَ أصبح لدينا مئاتٌ من الصحابة، كالأعلام والنجوم بالسماء، من بين عشراتِ الآلاف من الصحابة! لم نسمع لهم ذِكرا؟!
تجدّهمْ نماذِجَ مرتفعة كقمم الجبال في العباداتِ والمعاملة، فهذا أحدهم يقول: كنّا نَترك تسعة أعشار الحلال خشيّة الوقوع في الحرامْ, كانوا يزهدونَ بمتاعِ الدنيا وبترفها وبكمالياتها، في مَشربهم ومَطعَمِهم ومَلبسِهم . لذلِكَ خضَعتْ لهم الدنيا بما فيها، وحطّموا الجبابرة والأكاسرة. ولمْ يَكنْ ذلكْ عَن طريق اللهو والترفِ في أكناف الحلالْ! بلْ مما عاشوهُ. داخل " دائرةالسقوف العليآ" ولا مجال لذكر الأمثلة فهي كثيرة جداً.
إنّ ما يمزّقُ قلبي في الآونة الأخيرة، ذلكَ الانفلاتُ والميوعَةُ التي أصبَحتْ علية حالةُ كثيرٍ من الدعاة، ينافسونَ بها العامةِ على ذلكَ الفتاتِ الجميلِ ظاهرياً، بعيداً عن طريقِ أهلِ الدعواتِ ومسَلَكِ من يَبحَثونَ عن سُبُلِ التَمكينِ والعزّة لدينهمْ!
وَمن بابِ المِثالٍ لا الحَصر ، الموسيقى الصاخِبة، والتّي أصبَحتْ تتوارى خَلفها الكلماتُ الخَجولَة. والاختلاط المّبطَنُ تحتِ سِتار العَملْ. والغَرقٌ بالكمالياتِ العَصرية، كالموضَةُ وأخواتِها. ولا أريدُ أن أذكُرَ النماذِج التي أصبَحت في دائرة الحرامِ، فكلّ ما ذَكرته يدورُ في دائرةِ الحلالْ أو بدائرةِ الشُبهاتْ! وأصبَح البَعضُ يدعّي بأنها وجهة نَظر!
لا يا أخي. لا يا حبيبي.. أنتَ داعية، انتَ أمَلُ الأمة بالرفعَةِ، أنتَ المثالٌ العصريُ للصحابة رضوان الله عَليهم، فإذا هدَمتَ ما بينَك وبينَ الناس من جدر السقوفِ العليا، فقد انتَهى عطاؤك المأمول لأمتِكَ، وأصبَحتَ كالعامةِ بأفعالهم، والتّي لا تقدّم ولا تؤخرّ بمصير الأمة!
أريدُكَ أن تَكونَ منافساً للنماذجِ الرفيعة التّي مرّت عبرَ التاريخْ والتّي سطّرت بتضحياتها فرقاً لأمّتها!
كُنْ كالنوّاه بالخليّة، تدورُ حولها الالكترونات ! تحاوِلَ أن ترقى لها.
كلَ ما ذكرته، ضعه في ميزانِ التغذيّة الراجعة، لتربيتكْ ولدعوتكْ وما حققتْ على أرضِ الواقعْ من أثرٍ!!
فَذاكَ الإمامُ البنّا يَبكي خلَفَ البابْ،خشيةَ أن لا يكونَ على الطَريقِ الصَحيح، عندما استَقبَلته إحدى القرى استقبالاً عارماً. فَطريقُ النجوم اللامِعة مليئٌ بالمتاعب ومحاربةِ هوى النَفسِ وشهواتِها.
ولا أريدُ أن يُفهَم كلامي بأنني أدعو إلى أن نعودَ الى قَالبِ العَصرِِ الذي عاشَ به الصحابة رضوانَ الله عليهمْ، فكّل عصرٍ له قالبه الخاص، البس أحسَنَ الثيابْ، وتناولْ أفضلَ الطعام، وتملّك أحدَثَ الأجهزة، وضعها داخل دائرة ثوابِتكْ، في ضوءِ سَقفِكَ َالأعلى من العباداتِ والمعاملات، فالفرقُ بَينَ الداعية والعامة، طَريقةُ استخدامهلتلك الوسائل في سبيل تحقيق المَقاصد المَطلوبَةَ.
أحدّثكمْ من قَلبي وأنا أحاولُ الدخولَ إلى "دائرة السقوف العليا" لعلّكي أدخلها برفقتِكمْ وبِعونِكمْ ~ ولَن نَدخلها إلا إذا ملكنا نفساً توّاقة للعلا والرفعةِ والتَمكين.
أسمعْ ماذا يقول عمرُ بن عبد العزيزْ ، رضي الله عَنه: إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تَاقت لِما هو أعلى منه، تَاقت نَفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها.
فهيا نصنع لأنفسنآ ثوابتَ دولتنا’ " دولَة السقوفِ العليا"