“الضفة الغربية”.. معاناة الواقع وصعوبة التحديات (1)

الرئيسية » بصائر من واقعنا » “الضفة الغربية”.. معاناة الواقع وصعوبة التحديات (1)
واقع-الضفة
واقع-الضفة

للضفة الغربية مكانة خاصة في الجسم الفلسطيني، وتاريخ عريق. فهي وقود الثورات الفلسطينية المتعددة، والزاد الحقيقي لها، حيث قدمت الكثير من شبابها شهداء في سبيل الله، ناهيك عن عشرات الآلاف من الأسرى المحررين أو القابعين خلف قضبان الاحتلال.

تحوي الضفة الغربية ما يزيد عن مليوني فلسطيني، يشكل اللاجئون ممن نزحوا في حرب النكبة جزءاً مهماً منهم، وتتميز بكبر مساحتها، وقربها من فلسطين المحتلة عام 1948، بل وتداخلها معها في بعض المناطق، حيث لا يفصل بينهما إلا شارع هنا، أو جدار هناك.
تميزت الضفة الغربية خلال عقود عديدة، ومنذ احتلال فلسطين عام 1948، بانطلاق الكثير من عمليات المقاومة من داخلها، الأمر الذي أعطاها مكانة هامة، وجعلها تشكل عمقاً كبيراً واستراتيجياً لصمود المقاومة وقوتها ونجاح ضرباتها.

لقد كان أبطال الضفةمسؤولين عن قتل الآلاف من اليهود وخصوصاً في العمليات الاستشهادية التي أحدثت تغيراً كبيراً في ميزان القوى والتأثير ولا يسمح لي المقام أن أتحدث عن عمليات المقاومة التي قام بها أبطال الضفة الغربية، فهي أكثر من أن تحصى، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن أبطال الضفة كانوا المسؤولين عن قتل الآلاف من اليهود وخصوصاً في العمليات الاستشهادية التي أحدثت تغيراً كبيراً في ميزان القوى والتأثير، الأمر الذي جعل قوات الاحتلال تصب جام غضبها على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، ناهيك عن سعي قوات الاحتلال لفرض واقع جديد يحرم الضفة من دورها المعهود ومكانتها العريقة.
وبالإضافة إلى دور الضفة في المقاومة، فإن دعم أهل الضفة لبرنامج حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الخامس والعشرين من يناير "كانون الثاني" من عام 2006، أوضح بشكل لا يخفى على أحد، التوجه العام لأهل الضفة المؤيد لبرنامج المقاومة ورفض القبول بالاحتلال. حيث اكتسحت الحركة الإسلامية جميع محافظات الضفة الغربية عدا محافظة قلقيلية التي اكتسحتها في الانتخابات البلدية السابقة، وهو بدوره شكل صفعة قوية للاحتلال ومن يسعى للتفاوض معه، حيث عبرت الجماهير الفلسطينية في الضفة بكافة قطاعاتها وتركيبها، عن رفضها لخيار المفاوضات العبثية التي لم تجلب إلا التيه والتنازل عن الأراضي والمقدسات.

واقع جديد

اعتبر الكيان الصهيوني فوز حماس العريض في الانتخابات التشريعية عام 2006، ومن قبلها الانتخابات البلدية عام 2005، تهديداً لأمنه ووجوده، خصوصاً بسبب موقع الضفة الغربية الاستراتيجي، وتاريخ الضفة المشرف في المقاومة والتضحية.

سعى الاحتلال منذ اليوم الأول لفوز حماس في الانتخابات التشريعية لفرض واقع جديد، يتشكل من سيناريوهين اثنين. الأول: إخضاع حماس للاتفاقيات والتفاهمات التي عقدها مع السلطة . في حين كان السيناريو الثاني يعتمد على تنفير الناس من الحركة، وتشويه صورتها، والتقليل من شعبيتها وتحجيم تأييدها في الشارع. لذا سعى الاحتلال منذ اليوم الأول لفوز حماس في الانتخابات التشريعية لفرض واقع جديد، يتشكل من سيناريوهين اثنين. الأول: إخضاع حماس للاتفاقيات والتفاهمات التي عقدها مع السلطة خلال أكثر من عقد. وهو ما فشل في تحقيقه، حيث أبدت حماس ثباتاً على المبادئ وتمسكاً بالبرنامج الذي لأجله اختارها الشعب الفلسطيني. في حين كان السيناريو الثاني يعتمد على تنفير الناس من الحركة، وتشويه صورتها، والتقليل من شعبيتها وتحجيم تأييدها في الشارع.
فكانت البداية بالحصار الاقتصادي الخانق، والحجز على أموال الجمارك التي تعتبر حقاً للحكومة الفلسطينية، واعتقال نواب الحركة الإسلامية لقطع صلاتهم بالناس، وإضعاف الثقة بهم.
ومن ناحية أخرى، سعى المناهضون والرافضون لبرنامج الحركة والذي اختاره الشعب بطريقة ديمقراطية حضارية، لافتعال الأزمات الداخلية، والمطالبة بانتخابات مبكرة، وإظهار الحركة للناس بأنها متمسكة بالمنصب أكثر من البرنامج، الأمر الذي أثبتت الحركة نفيه من خلال سعيها للشراكة السياسية مع كافة القوى والفصائل الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة الأطياف الفلسطينية، إلا أن رفض القوى السياسية المناوئة لحماس للشراكة السياسية، ووضع العراقيل في وجه عمل الحكومة، وافتعال النزاعات والمشاكل، وتهديد وحدة النسيج الإجتماعي الفلسطيني، أدى إلى الحسم العسكري في غزة في منتصف يونيو (حزيران) عام 2007م.

 

لقد استغل الاحتلال بالتنسيق مع السلطة في الضفة الغربية، الحسم العسكري كفرصة لتهميش دور الضفة، وفك ترابطها بقطاع غزة، المحاصر براً وجواً وبحراً، والذي تلقى العديد من الضربات العسكرية فيما بعد. لقد استغل الاحتلال بالتنسيق مع السلطة في الضفة الغربية، الحسم العسكري كفرصة لتهميش دور الضفة، وفك ترابطها بقطاع غزة، المحاصر براً وجواً وبحراً، والذي تلقى العديد من الضربات العسكرية فيما بعد.
لذا كانت السياسة الصهيونية بالتنسيق مع سلطة أوسلو، تهدف في الأساس إلى سلخ الضفة عن دورها الحقيقي في المقاومة، وجعلها أكثر أماناً بالنسبة له، وتنفير الناس من المقاومة وإطفاء شعلتها عبر الأمور التالية:
1- حظر عمل الحركة داخل الضفة الغربية، عبر إغلاق السلطة للمؤسسات والجمعيات ودور تحفيظ القرآن الكريم أو السيطرة عليها، مما يعني إيقاف العمل الاجتماعي للحركة، والذي تميزت به طيلة عقود عديدة.
2- اعتقال الآلاف من شباب الضفة، وتعذيبهم والتحقيق معهم بأساليب تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، مما أدى إلى إعدام البعض داخل السجون نتيجة للتعذيب الشديد، وإحداث الإعاقات للبعض الآخر منهم، وهذا كله بهدف ضرب البنية التنظيمية للحركة، وزرع الخوف في نفوس شباب الحركة الإسلامية، وإجبارهم على السكوت والتخلي عن العمل الميداني، أو الهجرة إلى خارج فلسطين.
3- اعتقال قوات الاحتلال للقيادات السياسية والشعبية للحركة، بحيث يؤثر ذلك على تماسك الصف الداخلي، بتغييب القيادات، وضرب شعبية الحركة عبر إلغاء صور تواصل الجماهير مع قادة الحركة ورموزها.
4- معاقبة أهل الضفة اقتصادياً، من حيث مراقبة الأموال الواردة إلى الضفة، والفصل الوظيفي لكل من يشك في انتمائه للحركة الإسلامية، حيث أنشأت السلطة جهازاً خاصا لهذا الأمر، سمي بـ"جهاز أمن المؤسسات" والذي يعنى بفصل الموظفين المنتمين للحركة، وإعطاء الموافقات الأمنية على تعيين الموظفين الجدد في الدوائر والقطاعات الحكومية المختلفة.
5- إفشال عمل البلديات الفلسطينية التي فازت بها حركة حماس، عبر التنسيق مع المؤسسات الأمريكية مثل USAID والمؤسسات الأوروبية الأخرى، بعدم تقديم الدعم الخاص بتنفيذ المشاريع داخل تلك البلديات، وتوجيه الدعم للبلديات التي ينتمي مسؤولوها إلى حركة فتح، ناهيك عن الضغط على أعضاء تلك البلديات لتقديم استقالاتهم وتعيين آخرين مكانهم، أو منعهم من دخول تلك البلديات وتعيين آخرين دون أي سند قانوني أو شعبي.
6- الحملة الإعلامية الواسعة التي استهدفت الحركة ورموزها، عبر الصحف والإعلام المحلي، وحتى منابر المساجد، في ظل استغلال غياب صوتها وإغلاق مؤسساتها الإعلامية في الضفة.

 

نتائج غير مرضية

 

لقد استمرت حالة الضيق الاقتصادي بشكل أسوأ مما كان في عهد الحكومتين اللتين ترأستهما حماس. وخير دليل على ذلك استمرار الإضرابات في كافة القطاعات الحكومية، والأزمات المالية الخانقة التي تمر بها السلطة في الضفة.

رغم كل ما قامت به قوات الاحتلال بالتنسيق مع السلطة في الضفة، من محاولات لتشويه صورة الحركة وتنفير الناس منها، إلا أن النتائج لم تكن كما كانوا يرجونها، وهو ما سنشير إليه في المقال التالي. لكن يكفي أن نقول أن حالة الضيق الاقتصادي استمرت وبشكل أسوأ مما كان في عهد الحكومتين اللتين ترأستهما حماس. وخير دليل على ذلك استمرار الإضرابات في كافة القطاعات الحكومية، والأزمات المالية الخانقة التي تمر بها السلطة في الضفة.
وفي المقابل شكلت الضربات العسكرية الصهيونية ضد قطاع غزة في حرب الفرقان، وصمود المقاومة الأسطوري، وغيرها من الأحداث إعلاماً مضاداً على كل حملات التشويه والتي ذهب أدراج الرياح.
لكن مما لا شك فيه، أن كلاً من قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية قد نجحت لحد ما في التقليل من جذوة المقاومة داخل الضفة، وإيقاف عمل الحركة الاجتماعي العلني بشكل كلي، إلا أنها لم تستطع أن تغيّب صوت الحركة السياسي، ولا من عملها الطلابي أو التطوعي.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية …