من غرائب القصص التي سمعتها، أن أباً ذهب للسوق مع أولاده، فرأى أحد أبنائه فتاة، فسلم عليها، وتحدث معها قليلا، فقال له والده، موجها ومربيا: يا ولدي لا تتحدث مع فتاة في مكان عام لا تعرفها، فرد عليه ولده قائلا: يا أبتِ، أنت توجهني ألا أتكلم مع فتاة واحدة في السوق، ولكن عندي فتيات كثيرات أتحدث معهن كل يوم.. ففي «تويتر» لدي أكثر من ألف فتاة، وعلى «فيسبوك» لدي أكثر من خمسمئة، وعلى «أنستغرام»عندي أكثر من مئة، فسكت الأب، وهو يفكر كيف يتعامل مع ولده!
مثل هذا الموقف يحدث كثيرا، ولكن علينا أن نفهم زماننا، ونستوعب ونعيش واقعنا، فالتواصل الاجتماعي، عبر التكنولوجيا، صار أمرا مشاعا في كل دول العالم.. ومع تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال دخلت علينا مفاهيم جديدة في فترة زمنية قصيرة، فإذا لم نحسن التعامل معها، فإن أبناءنا سيتولون تربيتنا وتوجيهنا.
وقد تأملت خمسة ظواهر اجتماعية تحدث لأول مرة في العالم، لابد أن نتأملها ونستوعبها، وهي على النحو التالي:
- أولا: لأول مرة يشهد العالم جيلا تكون معرفة الأبناء أكثر من الآباء، حتى أن أسئلة الأبناء للآباء صارت اختبارية، وليست معلوماتية، فصار الطفل اليوم يسأل والديه، ثم يفتح «النت»، ليتأكد من صحة جوابهما.
- ثانيا: لأول مرة يحصل في العالم أن الأسرة لا تجد وقتاً للتربية، وإنما هي مشغولة بالأعمال والأكل والنوم والترفيه ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعية، إدمانا عليها.
- ثالثا: لأول مرة تصبح العلاقة بين الجنسين في الخليج سهلة وطبيعية وعادية، وصار الوالدان لا يستطيعان منعها ومراقبتها، سوى القيام بردود أفعال سريعة وغير ناضجة. (سنناقش هذا الموضوع لاحقا بالتفصيل).
- رابعا: لأول مرة تعيش الأسرة في ديون كثيرة تقترضها وتصرف من دخلها على الأمور الاستهلاكية اليومية والترفيهية أكثر من الأمور الرأسمالية، التي تعود عليها بالنفع في المستقبل.
- خامسا: لأول مرة ينقسم الجيل الواحد في المجتمع إلى أجيال عدة،.. ففي السابق كان لدينا ثلاثة أجيال، واليوم في الجيل الواحد ثلاثة أجيال، وكل جيل له لغته ومفاهيمه، حتى لو كان بين الأخ وأخيه خمس سنوات، تشعر من خلال حديثهما كأنهما جيلان منفصلان.
كل هذه المفاهيم تدعمها وتروج لها المجتمعات الافتراضية على «النت»، ويتبناها أطفالنا من غير علمنا، ثم نكتشف بعد مدة أن أطفالنا ليسوا نتاج تربيتنا، وذلك لسهولة وصول المعلومة إليهم، وتنوع مصادر التلقي والمعرفة عندهم، وأعرف بعض الأسر حاولت جاهدة أن تشدد الرقابة ووضع القوانين المانعة في بيتها من
نكتشف بعد مدة أن أطفالنا ليسوا نتاج تربيتنا، وذلك لسهولة وصول المعلومة إليهم، وتنوع مصادر التلقي والمعرفة عندهم
لغزو التكنولوجي، ولكن القضية خرجت عن سيطرتها، وبدأت تضرب أخماسا بأسداس، ووقعت في حيرة، لا تعرف كيف تخرج منهاوكما ذكرت خمسة ظواهر اجتماعية لواقعنا الاجتماعي، سأذكر خمسة حلول عملية مقابلها، لنتجاوز هذه الفجوة الرقمية بيننا وبين أبنائنا، وهي:
- أولا: أن يعيش الوالدان عصرهما، من خلال متابعة الجديد، وقبول أن يتعلما من أبنائهما.
- ثانيا: أن تتبنى الأسرة دور التفاعل الواعي مع المجتمع وقضاياه الفكرية والاجتماعية المطروحة، ولا يعزلان أبناءهما عنه.
- ثالثا: الاهتمام بالتثقيف الديني، والتركيز على الإيمان وتزيينه في قلوب الأبناء، لأنه العاصم من القواصم، فالإيمان كان سببا في نجاة نوح من الطوفان، وحفظ إبراهيم من الحرق بالنار، وإنقاذ موسى من الغرق بالبحر، وحفظ يوسف من امرأة العزيز.
ونستطيع بالإيمان أن نحفظ أبناءنا من الانحراف التكنولوجي، فالإيمان كنز التربية.
- ورابع الحلول: الحوار ثم الحوار ثم الحوار مع أبنائنا، والاستماع لهم، ومناقشتهم وتفهم آرائهم. وخامسا: التركيز على مفهوم «القدوة الوالدية»، فإنها تختصر المسافات التربوية، وتعين على الصناعة النموذجية للمنهج النبوي.
فهذا قانون «5×5» لحفظ أبنائنا تكنولوجياً، فإذا عملنا به وطبقناه، ضمنا جيلا تربويا مميزا، بإيمانه وفهمه وتعامله مع واقعه، مستثمرا الاختراعات في توصيل القيم ونتاج الحضارات.
وختاما، أضيف نقطة مهمة لأهل الاختصاص وأصحاب القرار، وهي تأسيس مراكز بحثية في فقه المستقبليات الاجتماعية، حتى نحسن التخطيط للمستقبل العائلي، ونساهم بتحقيق الأمن التربوي على مستوى الأسرة والمجتمع.