من كلِّ فجّ عميق: (لبَّيك اللَّهم لبَّيك)

الرئيسية » بصائر تربوية » من كلِّ فجّ عميق: (لبَّيك اللَّهم لبَّيك)
الحج2

ليس أحدٌ من المسلمين من سائر الأقطار والجهات إلاّ ويحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف والقصد إلى بيت الله الحرام حجاً أو عمرة أو زيارة، فقد أخبر المولى سبحانه عن إبراهيم عليه السَّلام في دعائه: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم}.

قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: (الأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، عبَّر به عن جميع البدن، لأنه أشرف عضو فيه، وقيل هو وفد والأصل أوفدة فقدمت الفاء، وقلبت الواو ياء، فكأنه قال: واجعل وفوداً من الناس تهوي إليهم).

وأذّن في النّاس..

قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. (الحج:27). يقول الإمام القرطبي في تفسيره: (لمَّا فرغ إبراهيم عليه السَّلام من بناء البيت، وقيل له: أذّن في الناس بالحج، قال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليَّ الإبلاغ؛ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس، إنَّ الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار، فحجوا؛ فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك).
"
ليس أحدٌ من المسلمين من سائر الأقطار والجهات إلاّ ويحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف والقصد إلى بيت الله الحرام حجاً أو عمرة أو زيارة
"
أصل التلبية

رُوي عن أبي الطفيل قال: قال لي ابن عباس: أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت: لا، قال: لما أمر إبراهيم عليه السَّلام أن يؤذن في الناس بالحج خفضت الجبال رؤوسها ورفعت له القرى؛ فنادى في الناس بالحج فأجابه كل شيء: لبيك اللهم لبيك.

وقيل: إنَّ الخطاب لإبراهيم عليه السَّلام تمَّ عند قوله: {السجود}، ثم خاطب الله عزَّ وجل محمَّداً عليه الصَّلاة والسَّلام – فقال: {وأذن في الناس بالحج} أي: أعلمهم أن عليهم الحج.

وقول ثالث: إنَّ الخطاب من قوله: ألاّ تشرك مخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلم. وهذا قول أهل النظر؛ لأنَّ القرآن أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلم، فكل ما فيه من المخاطبة فهي له إلا أن يدل دليل قاطع على غير ذلك.

وهاهنا دليل آخر يدل على أن المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو ألا تشرك بي بالتاء، وهذا مخاطبة لمشاهد، وإبراهيم عليه السَّلام غائب، فالمعنى على هذا: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فجعلنا لك الدلائل على توحيد الله تعالى وعلى أنَّ إبراهيم كان يعبد الله وحده.

لبيك اللهمَّ لبيك
"
فالمعنى على هذا: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فجعلنا لك الدلائل على توحيد الله تعالى وعلى أنَّ إبراهيم كان يعبد الله وحده
"
يقول الإمام ابن رجب: (قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لبيك اللهم لبيك)).[أحمد والحاكم] معناه إجابة لدعائك مرة بعد مرّة، وليس المراد به حقيقة التثنية، بل المراد التكرير والتكثير والتوكيد، كقوله تعالى: {فارجع البصر مرتين} يعني مرّة بعد مرّة.

وأصله من لبَّ بالمكان إذا لزمه وأقام فيه، فكأنَّ الملبّي يجيب دعوة الله ويلزم ذلك. ويقتضي أيضاً سرعة الإجابة مع الدوام عليها.

ولا شكّ أنَّ الله يدعو عباده إلى طاعته، وإلى ما فيه رضاه عنهم وما يوجب لهم به سعادة الآخرة، فمن أجاب دعاه واستجاب له فقد أفلح وأنجح، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. (يونس:25)، ولهذا يقول الملبّي في الحج: لبيك اللهم لبيك. يعني: إجابة لدعائك وطاعة لك، حيث دعوتنا إلى حجّ بيتك).

منافع لهم
"
للحج كسائر العبادات مقاصد شرعية حفلت آيات القرآن الكريم بالتذكير بها وبحِكَم تشريعها، ذلك أنَّ الإنسان معرّض للنسيان والغفلة، قال الله تعالى في الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
"

للحج كسائر العبادات مقاصد شرعية حفلت آيات القرآن الكريم بالتذكير بها وبحِكَم تشريعها، ذلك أنَّ الإنسان معرّض للنسيان والغفلة، قال الله تعالى في الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
والمنافع تشمل الأجر في الآخرة، كما ذكره قومٌ من المفسرين، والتجارة في الدنيا كما ذكره آخرون، والمصالح وراء ذلك كما ذكره الطبري عن مجاهد قال: التجارة، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة.

قال الإمام الطبري في تفسيره: (عنى بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله، والتجارة، وذلك أن الله عم لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم، ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل).

وقال الإمام ابن كثير في تفسيره: (قال ابن عباس {ليشهدوا منافع لهم}، قال: منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللّه تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، وكذا قال مجاهد وغير واحد: إنها منافع الدنيا والآخرة).

 

 

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الحج
  • العبادة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …