تحدثنا في المقال السابق، عن معالم الواقع الجديد الذي تعيشه الضفة الغربية بعد الانتخابات التشريعية عام 2006م، والحسم العسكري عام 2007م، والذي تم استغلاله من قبل سلطة رام الله للقضاء والحد من نفوذ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية المحتلة، مما أثر بشكل كبير على طبيعة الدور المقاوم للضفة الغربية، وكان له نتائج سلبية على الكثير من المجالات ومناحي الحياة المختلفة فيها.
وسنخصص هذا المقال وما يليه من مقالات للحديث بشيء من التفصيل عن الواقع الصعب، الذي يعانيه أهل الضفة الغربية، في أكثر من مجال.
الواقع الأمني:
بلا شك أن الحسم العسكري في غزة، شكل صفعة قوية للاحتلال ولكل من يتقاطع معه في مشروعه، حيث خرجت غزة من تحت عباءة الاحتلال وسيطرته عليها، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً لدولة الاحتلال الصهيوني، وهو ما جعل دولة الاحتلال تصب جام غضبها على القطاع المحاصر لتركيعه، لكن دون جدوى أو أثر.
وكجزء من الحرب المسعورة، التي يستهدف فيها الاحتلال حركة حماس بشكل مباشر، كانت محاولات السعي لمحو حماس من الضفة الغربية، وإنهاء تواجدها، وإيقاف مقاومتها، بحيث يحقق الأمن لجنوده ومغتصبيه، الذين لا يفصل بينهم وبين سكان بعض المدن والقرى في الضفة إلا شارع هنا، أو جدار هناك.
دولة وهمية
سعى الاحتلال إلى إيجاد كيان فلسطيني وهمي، لا يحده حد معين، ولا حرمة له، فعلى الرغم من بقاء تقسيم المناطق إلى ما يعرف بمناطق "أ، ب، ج"، إلا أنه سعى لعدم وجود أي مظهر من مظاهر الاستقلالية فيها. وبمعنى آخر، فلا غرابة أن تجد قوات الأمن الفلسطينية، قد اختبأت في مقراتها؛ لأن قوات الاحتلال تريد الدخول إلى وسط المدينة ذات المنطقة "أ" –والتي تتبع أمنياً للسلطة بموجب اتفاقيات أوسلو- لاعتقال شخص ما، أو حتى اغتياله.
ومن ناحية أخرى، فإن رجال السلطة، لا يستطيعون أن يقوموا باعتقال شخص في منطقة "ج" – التي تتبع أمنياً للاحتلال وإدارياً للسلطة- دون أن يحصلوا على الإذن المسبق من قبل قوات الاحتلال على دخولهم إليها.
ولم يكتف الاحتلال بالسيطرة الفعلية على كافة مناطق السلطة في الضفة، بل نجد أنه سعى إلى تقسيم الضفة إلى أقسام عديدة، وذلك عبر نشر الحواجز، والبوابات، وما يعرف بحواجز "الكونتينر".
فإن أردت مثلاً الانتقال من رام الله، إلى طولكرم أو جنين شمالاً، أو الخليل وبيت لحم جنوباً، فإنك ستمر بالعديد من حواجز الاحتلال، والتي إن أغلقها الاحتلال، فمعنى ذلك أن كل مدينة أصبحت منعزلة عن الأخرى. بالإضافة إلى ما سبق، فإنه لا توجد طريق كاملة تخضع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية تصل بين المدن الرئيسية في الضفة، بل لابد وأن تمر من الحواجز، وطرق المستوطنات الخاضعة لسلطة الاحتلال لكي تتحكم بآلية الانتقال وحركة السكان، وتقوم بإذلال الفلسطينيين متى أرادت.
وليس غريباً، أن تمر بسيارتك في منتصف الليل، وتجد المستوطنين، في مجدال عوز، أو يتسهار، أو غيرها من المستوطنات المنتشرة في جميع أجزاء الضفة، يقفون على الشوارع، دون خوف على أنفسهم، من اعتداء، أو قتل، وهذا حصيلة لإجراءات كثيرة قام بها الاحتلال بالتنسيق الأمني مع السلطة، والمتمثلة بالأمور التالية:
1- الاعتقال السياسي، وتبادل الأدوار بين اليهود والسلطة في تصفية كل من يسعى لمقاومة المحتل، أو من ينتمي لحركة حماس، وغيرها من الحركات المقاومة. وقد شكل الحسم العسكري في غزة عام 2007م، ذريعة للسلطة الفلسطينية للانتقام من حماس، حيث سجلت عشرات الآلاف من حالات الاعتقال السياسي، خلال الفترة بين 2007م، ويومنا هذا، مع ما تخلله من تعذيب، وإعاقات، والفصل من الوظيفة، حتى وصل الأمر إلى استشهاد البعض في سجون السلطة (مجد البرغوثي، محمد الحاج، هيثم عمرو، كمال أبو طعيمة، فادي حمادنة) دون أي تحقيق جاد لما يحصل في السجون من انتهاكات. ولم يقتصر الأمر على الاعتقال السياسي في سجون السلطة، بل سرعان ما يخرج المعتقل من سجون السلطة الفلسطينية، ليجد نفسه معتقلاً في سجون الاحتلال، أو بالعكس، بحيث يستكمل معه التحقيق، والمحاسبة على ما قام به أو ما يحمله من فكر ومنهج، ويحصل على أحكام عالية، لمجرد تفكيره في مقاومة الاحتلال، أو سعيه لإعادة تنظيم صفوف الحركة داخل الضفة.
مما لا شك فيه، أن السلطة الفلسطينية في الضفة تسعى من خلال الاعتقالات السياسية إلى أهداف شخصية أخرى، تتمثل بمعاقبة كل من شارك مع حماس في الانتخابات، أو أيدها في الاستحقاقات الانتخابية
ومما لا شك فيه، أن السلطة الفلسطينية تسعى من خلال الاعتقالات السياسية إلى أهداف شخصية أخرى، تتمثل بمعاقبة كل من شارك مع حماس في الانتخابات، أو أيدها في الاستحقاقات الانتخابية، ولذلك نجد السلطة قد استهدفت جميع الفئات، ابتداء من طلاب الجامعات الذين نالوا الحظ الأكبر من سخط السلطة، مروراً بالنساء وكبار السن وغيرهم. الأمر الذي جعل بعض الشباب ينتفضون في وجه الاعتقال السياسي، إما برفض المراجعة والاستدعاءات، أو الإضراب عن الطعام، وغير ذلك.
2- التنسيق مع الاحتلال في ضرب خلايا المقاومة في الضفة وهو ما يعرف بالتنسيق الأمني، عبر ملاحقة المجاهدين، وكشف مخططاتهم لضرب الاحتلال، ومراقبة تحركاتهم، وتقديم المعلومات للاحتلال، إما من خلال التبادل الأمني، أو حتى الاعتقال والتعذيب حتى الاعتراف. وتجلى ذلك، في تصفية مجاهدين تابعين لكتائب القسام في قلقيلية، في مايو-أيار عام 2009م، واعتقال العديد من أبناء الخليل ومراقبة أبنائها عقب عملية "سيل النار" في مغتصبة كريات أربع، والتي نفذها أبناء القسام في الخليل، حيث أدت إلى قتل 4 مستوطنين، وجرح خمسة آخرين، في 31-8-2010م، حيث ساهمت السلطة بشكل مباشر في محاصرة واغتيال المقاومين الذين قاموا بالعملية وهم الشهيدين: نشأت الكرمي، ومأمون النتشة.
ناهيك عن كشفها للعديد من المخططات التي تسعى المقاومة من خلالها لضرب الاحتلال والرد على جرائمه، كان آخرها ما أعلنته السلطة الفلسطينية الشهر الماضي، من كشفها لطائرة مفخخة جهزتها خلية تابعة لحماس في الخليل.
3- التضييق على بعض الأفراد والقيادات المحسوبين على الحركة، عبر الفصل الوظيفي، والمنع من السفر، وتحذير الناس من الاقتراب منهم، وكثرة الاستدعاءات إلى كل من مخابرات الاحتلال، والسلطة، والاعتقال المتكرر، والتضييق على أهلهم، مما يؤدي بهم إلى التنسيق مع بعض المؤسسات الحقوقية في دولة الاحتلال، لإيقاف قرار المنع من السفر، والسماح لهم بالسفر مع عدم العودة مدة معينة من الزمن، وهو ما يعرف بالإبعاد القسري.
4- التحقيق مع الفلسطينيين القادمين من الخارج، والذين غابوا عن الأراضي الفلسطينية لفترة من الزمن، وتعريضهم لصور من الحرب النفسية، بحيث يخوفونهم من ممارسة أي عمل ضدهم. ناهيك عن اعتقال بعضهم، بحيث يضمن الاحتلال عدم وجود عناصر جديدة قد تشكل خطراً عليه.