لا يخفى على أي متابع حجم ما تتعرض له الحركة الإسلامية في مختلف بقاع العالم من تحديات وعراقيل، وحرب مستعرة تستهدف كل ما يمت لها بصلة، بطرق وصور مختلفة.
وتتنوع هذه الحرب بين العسكرية والتصفية الجسدية التي تستهدف أبناء وقيادات الحركة الإسلامية في مصر على سبيل المثال، وأخرى اقتصادية بالإضافة إلى العسكرية كما يجري مع أهل غزة، ناهيك عن التضييق والاعتقال لكل من يثبت انتماؤه لها في أكثر من دولة، إلى غيرها من الصور والأمثلة.
وليس الصراع بين الحركة الإسلامية ومن يؤيدها من جهة، وبين الحكومات والأنظمة الاستبدادية ومن يدور في فلكها من جهة أخرى وليد اللحظة، أو قريب العهد، بل هو استمرار لذاك الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر.
فالحركة الإسلامية، متمثلة بدعوة الإخوان المسلمين –على اختلاف فروعها- وغيرها من الحركات الإسلامية، تستهدف في برامجها تغيير المجتمع بصورة شمولية -وإن اعتمدت على التدرج في بعض الأحيان- بحيث يتم التغيير على جميع المناحي والجوانب، انطلاقاً من التصور الإسلامي، الذي عالج كافة الجوانب، ورتب صوراً تشريعية في كافة المجالات والنواحي الحياتية.
تريد الحكومات الاستبداية من الحركات الإسلامية أن تكون غطاء دينياً يجمل صورة الاستبداد والظلم الذي تقوم به تماماً كحال الكنيسة البابوية في ظل حكم الإقطاع وأصحاب الملكيات في أوروبا
وهذا بدوره أدى إلى حدوث الصدام بين الحركات الإسلامية عموماً، والإخوان المسلمين خصوصاً مع الأنظمة الاستبدادية، التي تريد منها أن تكون غطاء دينياً يجمل صورة الاستبداد والظلم الذي تقوم به تماماً كحال الكنيسة البابوية في ظل حكم الإقطاع وأصحاب الملكيات في أوروبا، الأمر الذي أدى إلى استخدام هذه الحكومات لكافة الأسلحة التي تملكها، وأبرزها السلاح الإعلامي، المتمثل بالتشويه ونشر الإشاعات وتسليط الضوء على الأخطاء ومكامن الضعف.
خطورة السلاح الإعلامي
تعتبر الحرب الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها الحركة الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من الحرب النفسية، والتي تستهدف أنواعاً كثيرة من الأفراد، فمن هذه الأصناف صنف المؤيدين أو المنتمين للحركة الإسلامية، حيث تستهدف شخصياتهم عبر تحطيم معنوياتهم وإرادتهم، لتغيير سلوكهم وقناعتاهم، وذلك باستخدام لغة الشائعات، وتسليط الضوء على بعض الأخطاء الصادرة عن بعض القيادات، ناهيك عن التقليل من فعاليتهم وشعبيتهم في الشارع، مما يعني تحجيم دورهم أو تهميشه.
ومن ناحية أخرى، تستهدف الحرب الإعلامية صنفاً آخر، وهم أولئك الأفراد المترددين بين الصفين، أو أولئك الذين لا ينتمون للحركة وينشغلون بأمور حياتهم، حيث تقوم بنشر الشائعات المتعددة، وجعل الحركات الإسلامية بمثابة الفزاعة الحقيقية لأمن المجتمع واستقراره، عبر زرع الخوف في نفوس المستهدفين، كون انفعال الخوف نفسياً يتعلق بغريزة حب الحياة وكراهية الموت. مما يترتب عليه الوقوف في جانب الإعلام وترديد شائعاته، أو على الأقل تحييد دورهم في الوقوف مع الإسلاميين في هذه المعركة.
ومن الأصناف المستهدفة في الحرب الإعلامية، صنف المجتمع الدولي، وغير المطلعين على حقيقة ما يجري داخل الدولة، عبر تحسين صورة النظام المستبد القائم، بإظهاره في موقع المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وذلك في سبيل تضليل الرأي العام، والمؤسسات الحقوقية والدولية. في حين تسعى إلى إظهار المعارضين لها بأنهم أصحاب أجندات خارجية، تتنافى مع ما أبسط حقوق الإنسان، وتسعى إلى سفك الدماء وإثارة الفتنة داخل الدولة، وضرب مصالحها وعلاقاتها بالدول الأخرى.
لماذا تفضل الحكومات سلاح الإعلام؟
تفضل الحكومات سلاح الإعلام لكبر الشريحة التي يستهدفها، مما يعطي الحكومات أن تقوم بمجموعة من الأمور التي تخدم صالحها، كتحطيم إيمان الخصم بعقيدته السياسية، أو استغلال بعض الانتصارات والمكاسب التي حصلت عليها، في زيادة شعبيتها وإضعاف الثقة لدى الطرف الثاني، إلى غير ذلك من الأمور.
هناك الكثير من الأسباب التي تدعوا الحكومات لاستخدام هذا السلاح، لكن يكفي أن أبرز هذه الأسباب هي كبر الشريحة التي يستهدفها الإعلام بجميع مجالاته، (المرئي، والمسموع، والمقروء، والإلكتروني)، مما يعني وجود مستهدفين كثر، خصوصاً في ظل دخول وسائل الإعلام لكل بيت، مما يعطي الحكومات أن تقوم بمجموعة من الأمور التي تخدم صالحها، كتحطيم إيمان الخصم بعقيدته السياسية، أو استغلال بعض الانتصارات والمكاسب التي حصلت عليها، في زيادة شعبيتها وإضعاف الثقة لدى الطرف الثاني، إلى غير ذلك من الأمور.
ومن الأسباب التي تشجع الحكومات على استخدام سلاح الإعلام، قلة الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها، سواء من حيث الأفراد، أو من حيث السمعة والقبول الشعبي.
فاستخدام الحلول الأمنية، يوقع في المجتمع الكثير من الخسائر، ويولد لدى الناس الكره والبغض لتصرفات السلطة، مما يعني تنامي معارضتها، وزيادة تعاطف الناس مع المستهدفين من الحملات الأمنية والعسكرية، ناهيك عن الصوت العالمي –وإن كان غير مؤثر كثيراً- الذي يزعج أصحاب تلك الحكومات على الأقل في تقارير مؤسسات الحقوقية وغيرها.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن سلاح الإعلام يسمح للمنافقين والاستغلاليين والمداهنين بمساعدة الحكومات – بشكل مجاني- في حربها ضد الإسلاميين، كحال أصحاب الأقلام المأجورة، وأولئك الذين ينشرون الإشاعات، أو يبثوا الأكاذيب ويدوروا في فلك السلطة، كونها صاحبة القوة والنفوذ، علهم يحظون بمكافأة مالية، أو منصب معين، أو غير ذلك.
بين القديم والحديث
ينبغي الإشارة إلى أن الوسائل الإعلامية تتغير بتغير الزمان، وأحوال المجتمع، وثقافته وتطوره، لكن مما يجدر التأكيد عليه أن مضامين الحرب الإعلامية التي تستخدمها السلطة قديماً وحديثاً هي واحدة لا شك فيها.
وفي التاريخ الإسلامي، نجد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قد تعرض وصحابته – رضي الله عنهم- لصور كثيرة من هذه الحرب، تتمثل بما يأتي:
- أسلوب السخرية والاستهزاء والشتم لإسقاط هيبة خصمهم من نفوس الناس، وتمييع الحقائق وإبعاد الناس عن احترام الدعوة والأشخاص. حيث كانت قريش إذا مر بهم الرسول صلى الله عليه و سلم أو رأوه يصلى عند الكعبة يتغامزون ويتضاحكون ويسخرون منه.
- أسلوب التعتيم والتشويش، كما في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت26]. فكانوا يكثرون من الكلام، ويرفعون أصواتهم، ليتشوش القارئ فلا تتضح له الرسالة.
- التيئيس والتعجيز: كما في قوله تعالى: {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنا عاملون} [فصلت 5]. بحيث يصيبوا من يقوم بالدعوة بالإحباط واليأس من نجاح أساليبه ودعوته.
- نشر الإشاعات والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لإضعاف مصداقيته عند الناس، كوصفه بالجنون، والسحر، والكذب، وغيرها من الأوصاف: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر : 6].
- تنفير الناس من الدعوة، عبر نشر الإشاعات المغرضة عنها، ووصفها بأوصاف عدة، تؤكد أنها من صنيعة البشر، وتقلل من قيمتها وأهميتها، كما في قوله تعالى : {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} [الفرقان : 4].
- إحباط معنويات الأفراد، والمنتمين إلى الدعوة، حيث كانوا يضحكون من المؤمنين، ويسخرون منهم، ويغمز بعضهم بعضًا عند مرور المسلمين بين أيديهم، قال تعالى: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون، وما أرسلوا عليهم حافظين} [المطففين : 2933].