يعتبر الالتفاف الشعبي حول فكرة ما أو برنامج معين، بمثابة شهادة ميلاد لها واستمرارية لحياتها وعطائها مهما كان حجم العراقيل والمعوقات. وعلى مر التاريخ، كان التأييد والالتفاف الشعبي عاملاً من عوامل الانتصار وحسم المعركة، وبداية لتطبيق كل ما يتعلق بتلك الأفكار من برامج ووسائل.
وسبب ذلك يعود إلى أن التأييد الشعبي الواسع أقوى من كل صور القمع والاستبداد. فمهما كان حجم القمع وقوة الظلم، إلا أنها تبقى كسحابة صيف، ما تلبث أن تذهب بعيداً، ويزول أثرها وتنتهي حقبتها.
ولأجل ذلك، تتنافس الحركات والأحزاب المختلفة، لكسب التأييد الشعبي والتفافه حولها، في سبيل تقوية وجودها وشرعيتها، وبالتالي فتح المجال لتطبيق أجندتها ورؤاها. وليس هذا الأمر بالمعيب، طالما أنه يدور في دائرة المنافسة الشريفة، بعيداً عن التخوين وإلغاء الآخر.
وضوح الأفكار ومدى توافقها مع اعتقادات الشعوب، وقيمها، وقضاياها الرئيسية، وتطلعاتها وأهدافها. سبب رئيسي من أسباب كسب التأييد الشعبي
ومما لا شك فيه أن هناك عوامل كثيرة تؤثر على كسب التأييد الشعبي، منها وضوح الأفكار ومدى توافقها مع اعتقادات الشعوب، وقيمها، وقضاياها الرئيسية، وتطلعاتها وأهدافها.
وبالإضافة إلى وضوح الأفكار، فإن طبيعة تسويق هذه الأفكار، سواء أكان عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو حتى عبر التواصل الشخصي والعمل الميداني، لها دور كبير في التأثير على اتجاهات الرأي لدى الشعوب. ناهيك عن غير ذلك من العوامل، كطبيعة الأفراد المنتمين لهذا الحزب، أو طبيعة الظروف الراهنة، وغيرها.
قوة الحركات الإسلامية
أثبتت الحركات الإسلامية خلال مشاركاتها في الانتخابات التي جرت في بعض الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، (مصر، فلسطين، تونس، تركيا، المغرب) أنها صاحبة التأييد الشعبي الأكبر، مما أضفى على وجودها شرعية لا تقبل الجدال والخلاف حولها، الأمر الذي أهّلها لإدارة حكم تلك البلاد، وإعطائها الفرصة لتطبيق البرنامج السياسي الذي طالما حرمت من تطبيقه وتحقيقه.
بل نجدها في دول أخرى كالأردن مثلاً، ذات تأييد شعبي كبير، إلا أنه يحول دون وصولها إلى صدارة المشهد السياسي أسباب كثيرة، منها قانونية وأخرى إجرائية تتعلق بنزاهة الانتخابات.
ولا تنحصر مؤشرات الالتفاف الشعبي الواسع حول الحركات والأحزاب الإسلامية على التجارب الانتخابية فحسب، بل نجد أن مؤشرات الالتفاف الشعبي تتخذ أشكالاً أخرى. فمصر على سبيل المثال – وبشهادة كثير من المحللين- ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر على الانقلاب العسكري، تشهد ازدياداً ملحوظاً في عدد المؤيدين للحراك الرافض للانقلاب، وعودة الشرعية والدستور والرئيس إلى السلطة، بحيث تحظى مظاهراتهم وأنشطتهم بتأييد شعبي واسع، ومن جميع فئات الشعب المختلفة، في ظل القتل والاعتقال، وحملات التشويه الإعلامي المختلفة، مما يوقع سلطة الانقلاب العسكري في مأزق كبير، رغم استخدام الانقلاب لكل ما يملك من وسائل في سبيل تحويل توجهات الرأي العام وإسكات الأصوات المعارضة الأخرى.
ونفس الحال ينطبق على غزة، فرغم الحصار المفروض منذ سنوات على القطاع، ومهاجمة وتشويه صورة حركة حماس - ذات الأغلبية الشعبية والبرلمانية- بكل السبل الممكنة، إلا أن الشارع الغزي ما زال يؤكد على ثباته خلف برنامجها، ومؤيد لتواجدها وداعم لها. الأمر الذي سبب للاحتلال الصهيوني صدمة كبيرة، خصوصاً عقب الضربات القاسية التي تعرض لها القطاع، حيث كان يظن قادة الاحتلال، أن يخرج الناس في ثورة على حكم حماس.
أسباب التأييد الشعبي
هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الشارع يلتف حول الحركات الإسلامية والوقوف حولها، ومن أبرز هذه الأسباب، طبيعة الأفكار والرؤى التي تدعوا إليها الحركات الإسلامية، والتي تتوافق مع عقيدة المجتمعات الإسلامية، وقيمها وثقافتها، المستمدة من دينها.
إن دفاع الحركات الإسلامية الدائم عن حقوق الشعوب، ووقوفها في وجه الاستبداد والظلم، وتحملها ضريبة ذلك، ، ورفض المداهنة والمساومة على الثوابت الوطنية وقضايا الشعوب المختلفة سبب للحصول على احترام الشعوب ونيل تأييدها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دفاع الحركات الإسلامية الدائم عن حقوق الشعوب، ووقوفها في وجه الاستبداد والظلم، وتحملها ضريبة ذلك، عبر تقديم الكثير من الشهداء والمعتقلين والتضييق والاضطهاد، ورفض المداهنة والمساومة على الثوابت الوطنية وقضايا الشعوب المختلفة سبب آخر للحصول على احترام الشعوب ونيل تأييدها.
كذلك يعتبر العمل الخيري الذي تقوم به الحركات الإسلامية، والتواصل الاجتماعي، والانتشار بين أطياف المجتمع المختلفة، أموراً أخرى تضاف إلى ما سبق.
وفي نفس الوقت، لا يمكن لنا أن ننكر أن نجاح الحركات الإسلامية وصمودها في بعض الدول سهل لغيرها من الحركات الإسلامية في الدول الأخرى الحصول على تأييد شعبي بشكل أسهل. فعلى سبيل المثال: يعتبر نجاح الإسلاميين المذهل في تركيا، وصمود المقاومة الأسطوري وعلى رأسها حماس في غزة، وثبات الرافضين للانقلاب في مصر، أسباباً تدفع الناس إلى إعطاء التأييد للحركات الإسلامية في المناطق الأخرى.
نحو تأييد مستمر
ليس استمرار التأييد الشعبي بالأمر السهل مطلقاً، ومن الخطأ أن يظن الإسلاميون أن التأييد الشعبي سيبقى مستمراً، دون تخطيط وتوجيه للمحافظة عليه، وزيادة انتشاره، وهذا يتطلب العديد من الأمور، منها:
1- الحفاظ على مركزية الفكرة، التي تجمع بين أصالة التصور الإسلامي، وثوابت القضايا الرئيسية، وتطلعات الشعوب، بحيث لا تخرج عن هذا الإطار، وتظل تصرفاتها جميعها محكومة بها، وفي نفس الوقت، تكون الأساس في التقييم والترجيح بين القضايا المختلفة التي تواجهها. وهذا يتطلب أن تكون القرارات الصادرة عن الحركات الإسلامية مدروسة بعناية، بعيدة عن الارتجالية، وردة الفعل.
2- تبسيط الأفكار التي تحملها لعوام الشعوب، فليست كل الشعوب تملك مؤهلاً عالياً من الثقافة، لفهم أبعاد التصور الذي تحمله الحركة الإسلامية، وهذا يتطلب بعض الشعارات والعبارات والتسميات، وقد أفلحت حماس على سبيل المثال، حينما أطلقت بعض المسميات على بعض جولات صراعها مع الاحتلال، بحيث تخلد في ذهن المواطن والمتابع، كحرب الفرقان، وحجارة السجيل. وكان النجاح حليف مصر في تسويق قضية إفشال الانقلاب، والوقوف مع الضحايا، عبر شعار "رابعة" الذي أصبح علامة واضحة تختصر الكثير من الأفكار والقضايا.
يجب على الحركات الإسلامية أن تملك سياسة إعلامية متخصصة، يعدها مختصون في المجال الإعلامي؛ لأنه سلاح خطير، والإخفاق فيه له عواقب وخيمة، كما أن النجاح فيه له نتائج مبهرة.
3- استخدام الخطاب الإعلامي بجميع أنواعه، في التعريف بالإنجازات المختلفة، وما يستجد من قضايا، ورد وتفنيد الشبهات المختلفة التي يثيرها الأعداء والخصوم، وهذا يتطلب سياسة إعلامية متخصصة، يعدها مختصون في الإعلام، وليس هواة أو من لا تمت لهم أي علاقة بالإعلام. فالسلاح الإعلامي سلاح خطير، والإخفاق فيه له عواقب وخيمة، كما أن النجاح فيه له نتائج مبهرة.
4- حسن استخدام الأوراق المختلفة في الصراع مع الاستبداد، أو مع الاحتلال، مثل: المظاهرات العامة، أو الاعتصامات الخاصة بنوع معين، كالطلاب والنقابيين، وغير ذلك، بحيث لا يحدث ذلك الملل لدى الناس، من استمرار النزول للشارع، ناهيك عن استخدام الأمور الأخرى، كالأمور القانونية، واللجوء لمؤسسات حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية، لفضح ظلم السلطة، وغير ذلك.
5- حسن الإعداد للأفراد المنتمين لها، وزيادة الاهتمام بالجانب التربوي، والتوعية الفكرية، وتعزيز ثقافة الصمود والثبات؛ لأن حسن التربية، وصمود الأفراد أمام البطش والمحن المختلفة، سبب رئيس لإقناع الناس بصحة التفافهم حول الحركات الإسلامية وبرامجها.