لا تحسبوه شراً لكم (1)

الرئيسية » بصائر تربوية » لا تحسبوه شراً لكم (1)
محمود حسين

تذكرت حادثة الإفك أثناء الانقلاب، وبدأت بالمقارنة فيما بين الحدثين على اختلاف تفاصيل كل منهما، ووجدت تشابها عجيبا جعلنى وأنا انظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله أجد بعدا آخر لم التفت إليه، وربما لم يلتفت إليه بعض المسلمين وهو أن العظات والدروس من أى حدث فى السيرة لا تتوقف عند ما يشبهه فى حياتنا بل ربما نجد عظات ودروسا فى أحداث فى السيرة أو جاءت فى كتاب الله عز وجل قد لا يبدو فيها تشابها مع ما يمر بنا من أحداث معاصرة تختلف فى المناخ والتفاصيل، ولكن بقليل من التدبر سنجد ربطا كبيرا بينها، وخصوصا أن الهدف من دراسة السيرة هو ربطها بالواقع وهذا هو قمة الإعجاز أن يجمع لنا الله سبحانه وتعالى كل ما تحتاجه البشرية على مر العصور فى نموذج واحد؛ هو حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وصدق الله حين قال "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا".. وتعال معى لنتدبر فيما حدث من انقلاب عسكرى دموى على الشرعية وأوجه الشبه بينه وبين حادثة الإفك من حيث الدروس والعبر فى الحدثين رغم الاختلاف الكامل فى تفاصيل كل من الحدثين:

١- إن من قام وشارك وأيد ليسوا من خارج الأمة وإنما هى عصبة منها "عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ" ليس على مستوى مصر وإنما على مستوى الأمة المسلمة بما وجد من دعم من بعض الدول العربية سواء ماديا أو تدبيرا وتخطيطا هذا فضلا عن الدعم الخارجى.

 

٢- إن الانقلاب وإن كان فيه من الألم والعناء إلا أنه مليئ بالخير وسنتحدث عن هذا تفصيلا لاحقا بإذن الله فهو إذا ليس شرا بل هو خير لكم، وليس معنى هذا أن من قام به لم يقم بشر للأمة ولكن معناه أن الله عز وجل يجعل فى ثناياه الخير للأمة المسلمة.

 

٣- إن الانقلاب صنّف الأمة إلى أنواع حسب العقاب من الله "لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ" فمنهم:

 

من قام بالانقلاب أو شارك فيه كراهية للوطن والأمة ولدينها وتشويها لهويتها وثوابتها يتحمل الإثم الأكبر "وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وهذا ما كان للأمة أن تعرفه إلا بهذا الحدث.

ومنهم من قام فيه أو شارك عن سوء قصد أو سوء ظن بمن هو قائم على الأمر سواء منهم من كان يعتبر الدكتور مرسى كولى للأمر أو جماعة الإخوان باعتبار أن الرئيس ينتمى لها أو صدق إشاعة ومقولة "أخونة الدولة" "ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا" وهذا لم تخرجه الآيات من دائرة المسلمين بل اعتبرته الآيات جزءا لا يتجزأ من الأمة، وانظر لاستخدام لفظ بأنفسهم تشمل من شارك ومن كان ضده الفعل فى أن واحد، وانظر للإعجاز القران فى ذكر المؤمنين والمؤمنات، مع أن من قام بحادث الإفك هو رجل وكان إشارة الآية لتبين لنا أن الأمر ليس قاصرا على الرجال فقط.

 

ومنهم من قام أو شارك؛ لأن معايير الحكم على الأمور لديه مختلة ولم يعمل عقله فى تفسير وتحليل الأحداث وطريقة الحكم عليها "لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ" وهؤلاء تتحدث عنهم الآيات بشىء من التفصيل "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ" واستخدام الآية للفظ تلقى الأمر ليس بالإذن وإنما باللسان إشارة إلى أن الأمر لم يدخل عقله وإنما ردده كالببغاء كما سمعه دون إعمال عقله، ثم يأتى التهديد لهذا الصنف من الناس "يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" وانظر أيضاً للفظ أبدا وما فيه من الزجر، ثم الإشارة فى نهاية الآية فيها زجر شديد لهم.

 

ومنهم من قام أو شارك وهو يعلم أنه كاذب مخادع وأنه لم يقم دليلا على ما يقول "فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ"، وهذا صنف مختلف عن سابقه لأن هؤلاء يعلمون أنهم مخادعون لغيرهم؛ لأن لديهم معايير صحيحة لكنهم لم يعملوا لعلة فى قلوبهم أبعدتهم عن قول الحقيقة.

ومنهم من قام أو شارك أو أيد دون وعى أو غرر به "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وهؤلاء تضع الآيات لهم توجيها شديدا وتهديدا بالعذاب العظيم.

 

ومنهم من قام أو شارك أو أيد وهو لا يريد الخير ويريد إشاعة الفاحشة فى الأمة لأنه منغمس فيها "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ" وهؤلاء يتعهدهم الله بالعذاب ليس فى الآخرة فقط وإنما فى الدنيا أيضًا.

 

ثم تؤكد الآيات التذكير بان كل ما يحدث رغم ما فيه من ألم ومعاناة إلا أن فضل الله ورحمته مصاحبة للمؤمنين وأن الله سبحانه وتعالى تواب رحيم رءوف "وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ"، "وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"،"وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ..." لتؤكد أن فضل الله عظيم وأن رحمته لم تتخل عن المؤمنين، وأن ما حدث فيه تربية وتزكية للفئة المؤمنة وكشف للفئة المنافقة والمعادية للأمة، وأن حكمة الله عز وجل هى التى اقتضت هذا السياق.

 

إن الأحداث هى وحدها الكاشفة عن أصناف البشر داخل هذه الأمة؛ فمنها من هو رافض وكاره، ومنها من هو جاهل، ومنها من هو مغرر به، ومنها من يحتاج لتوجيه... إلخ، ولكن وهو الأهم أن كثيرا من هذه الأصناف لم تخرجه الآيات من الملة ولا من الانتماء لهذا الدين؛ وإنما كان التوجيه والتربية وإعادة التأهيل، وأعطته الفرصة للتوبة والعودة إلى الله وليس معنى ذلك عدم وجود الصنف المنافق والكاره لدين الله والمعادى له وهذا توعدته الآيات بالعذاب العظيم وليس أمامه فرصة لأن قلبه امتلأ بالحقد على الدين وعلى المؤمنين.

-------------------

* أمين عام جماعة الإخوان المسلمين

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • بوابة الحرية والعدالة
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …