بمرور 100 يوم على محرقتى النهضة ورابعة العدوية تتكشف لنا أبعاد المجزرة التى وصفتها (هيومن رايتس ووتش) بأسوأ جريمة قتل جماعى فى تاريخ مصر الحديث، ومع استمرار ميلشيات الانقلاب فى قتل الأبرياء واعتقال الأحرار دون جريرة فى رمسيس وفى التحرير وفى دلجا وكرداسة وغيرها، وتطور ذلك الى اعتقال الأطفال والفتيات بتهمة رفع شارة رابعة، وأخيرا الاقتحام الإجرامى للمدينة الجامعية لطلاب الأزهر وقتل الشهيد عبد الغنى محمد جودة (بكالوريوس طب الأزهر)، كل تلك الوقائع الدموية أثبتت استهانة الانقلابيين بسفك دماء المصريين، لأن نجاح الثورة يعنى اجتثاثهم من جذورهم والقصاص من كل من خطط وحرض وارتكب تلك الجرائم، وفى تأملنا للطريق المؤدى للانقلاب وللمذبحة تتبين لنا عدة معالم بارزة:
- أن أمريكا وإسرائيل هم صانعو الانقلاب وممولوه هم حلفاؤهم من أعداء الديمقراطية وخصوم الاسلاميين فى إمارات الخليج، أما السيسى والعسكر والمخابرات فيمثلون شريكا أساسيا للأمريكان والصهاينة فى الحرب على الارهاب وفى حصار غزة وفى ضمان الهوية العلمانية للدولة المصرية وحماية أمن اسرائيل (أكد ذلك وكيل المخابرات السابق لواء محمد رشاد صراحة فى حواره مع (أون تى فى) فى 14 نوفمبر، لكنهم فى النهاية أدوات ذات صلاحيات جزئية، وفى هذا الإطار نفهم مناورات واشنطن لتبييض وجه السيسى وآخرها دور روسيا التى تعد جزءا من منظومة الحرب على الإرهاب وحليفة اساسية للصهاينة بخلاف دعمها لنظام بشار المجرم فى سوريا، ونذكر هنا تصريح أوباما عن حكم الرئيس مرسى فى 13 سبتمبر2012 (مصر الآن ليست حليفة ولا عدوة للولايات المتحدة).
- تبين من التسريبات الأخيرة أن العسكر قد سعوا إلى عزل الرئيس الشرعى على إثر ثلاثة أحداث فاصلة:
1- قيامه بعزل طنطاوى وعنان رغما عن إرادة العسكر للمرة الأولى فى التاريخ الحديث فى 12 أغسطس 2012
2- قيامه بوقف العدوان على غزة بل وإرسال رئيس وزراء مصر هشام قنديل ومدير المخابرات محمد رأفت شحاتة لزيارة غزة تحت نيران القصف الصهيونى، وهو ما يعنى للصهاينة أن مصر باتت ظهيرا استراتيجيا للمقاومة الإسلامية.
3- الإعلان الدستورى الذى فاجأ به الرئيس العسكر والدولة العميقة لرغبته فى إنهاء المسار الانتقالى المضطرب، وهو ما أثبت استقلالية قراره عن العسكر والمخابرات، فمنذ ديسمبر 2012 كان قرار الانقلاب وكانت الـ 6 شهور التالية مسألة ترتيب وتمهيد وشحن إعلامى داخلى وتسويق سياسى خارجى، حتى نضجت الطبخة فى مارس 2013 حين ظهرت تسريبات المخابرات الممهدة للانقلاب ومنها قال يسرى فودة (اللهم بلغنا يونيو)، ومانشيتات جريدة الفجر25/4/2013 (الكونجرس: الجيش يعود إلى السلطة فى يوليو)، (وزير الخارجية الأمريكى يقول" لو أن لمرسى ملاكًا يحفظه من الرب لن يستمر أكثر من ستة أشهر!!).
-إن حملة تمرد وجبهة الإنقاذ وحزب النور وغيرهم من الظواهر الصوتية السياسية، لا يمثلون طرفا أساسيا فى الصراع مع الثورة المضادة، وإنما هم أدوات تم استخدامها إعلاميا باحترافية لشحن الجماهير للنزول فى30يونيو، ثم كغطاء سياسى للانقلاب أمام المجتمع الدولى، لذا نلاحظ تلاشى الكيان الكارتونى الذى أسموه جبهة الإنقاذ بمجرد انتهاء مهمته بل رأينا كم الهجوم والتخوين الذى يشن على البرادعى لمجرد اعتراضه على مذابح فض رابعة العدوية.
- على العكس ما زال دور حزب النور فى الملهاة مستمرا، فى محاولة لتغيير ملامح الصراع الذى يستهدف الهوية الإسلامية المستقلة فى المقام الأول لصالح أكاذيب عزف عليها متحدثو النور كثيرا طوال 6 شهور تمهيدا للانقلاب كأخونة الدولة والخطر من الشيعة وغيرها، ورغم المذابح ما زال الشيخ برهامى ومخيون وبكار وغيرهم يعزفون على نغمة الأخونة وعلى نغمة استغلال الإخوان للمجازر التى طالت أبناءهم كسبا للتعاطف!! وعلى نغمة التنظيم القطبى التكفيرى، وهى افتراءات لا تخرج إلا من معين المخابرات، وتدل على أن هؤلاء ما دخلوا السياسة وصنعوا على عين أمن الدولة وتلقوا تعليمات المخابرات وانتشروا فى الفضائيات إلا لمحاربة الإخوان والإسلاميين المستقلين (حازم أبو إسماعيل)، ثم كأداة لبسط نفوذ العسكر حين يجد الجد، فهم لا يعدون كونهم كومبارس يؤدى دوره مثلهم فى ذلك مثل مفتى العسكر على جمعة وبابا الأزهر وغيرهم، ورغم استنكار كافة الإسلاميين لتدنى هؤلاء فى طعن مقاومى الانقلاب فى ظهورهم، ومهما تدنى هجومهم وتصاعد بهتانهم فهم ظاهرة صوتية وعرض لمرض الانقلاب المهيمن على الأحزاب والصحف والفضائيات.
-إن ما يجرى من مذابح دموية وبلطجة واعتقالات وتسخير للقضاء كأداة للبطش وللتنكيل، يتم فى ظل دعاية عنصرية شيطنت الملايين من المصريين المقاومين للانقلاب، فواحدة من أهم معارك كسر الانقلاب هى معركة فضح أكاذيب رموز الإعلام الحكومى والخاص المباركة للمذابح وتذكير المواطنين بمواقفهم المتناقضة واللا معقولة، وكذلك فضح السياسيين من مختلف الاتجاهات بدءا من المصريين الأحرار نهاية بالنور ممن تغنوا بالديمقراطية والحريات، ثم انقلبوا على وجوههم ليباركوا الإرهاب العسكرى الجاثم على صدر البلاد.
- أننا يجب ألا نقبل بأى إجراءات ديمقراطية زائفة فى ظل خريطة الانقلابيين، وأن النفس الطويل هو شرط حتمى للنصر فى معركة كسر الانقلاب، فنحن لا نواجه العسكر أو الشرطة أو الفلول وحدهم وإنما نواجه إرادة غربية خليجية صهيونية انعقدت على العودة بمصر إلى عصور الاستبداد والتبعية، وعلى قدر صعوبة المعركة وضخامتها على قدر الصبر والتضحيات المبذولة فى سبيل النصر.
أما عن إخواننا من المصريين المفوضين للعسكر فواجبنا أن نسعى لتوضيح الحقائق الدامغة والمجازر الدموية لهم وفضح رموز الانقلاب السياسية والإعلامية وكشف زيفها فى الوعى الشعبى، ولا نملك إلا الشفقة عليهم لأنهم يساندون طغاة سينكلون بهم عما قريب وهم سادرون فى غفلتهم. وكأن أحمد شوقى كان يصفهم حين قال:
ملأ الجو هتافا بحياةِ قاتليهِ
أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه
يا لهُ من ببغاءٍ عقله فى أذنيه!!
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- بوابة الحرية والعدالة