تحتل مواقع التواصل الاجتماعي حيزاً كبيراً من وقت الكثيرين؛ فهي مصدر اطلاعهم على كم هائل من الأحداث وأخبار الاصدقاء، و فرصة للمشاركة السريعة والرد كل ما يجري، كما تمكنهم من نشر ما يلفت انتباههم ويثير إعجابهم، إلى جانب استخدامها كوسيلة إعلان عن المناسبات المختلفة، وسرد أبرز الأحداث التي تطرأ عليهم يومياً.
قصة النشأة:
في نفس الانسان حاجة للحديث والتعبير وابداء الرأي والإفصاح عن المشاعر، فهو يحتاج لمن يستمع إليه ويُشاركه الهموم والأفراح على حد سواء، لذا يبدو أن فكرة التواصل الاجتماعي ومشاركة الأخبار والحالة ليست وليدة الـقرن الذي نعيشه، بل ان لها جذوراً خفية منذ زمن طويل حسبما يرى الصحفي البريطاني "توم ستانداج" صاحب كتاب "الكتابة على الحائط"، والذي أشار فيه بأن فكرة وسائل التواصل الاجتماعي وُلدت قبل ألفي عام .. ترى كيف كان ذلك؟
بحسب ما جاء في كتاب "ستانداج" فان الرومانيين القدامى كانوا يتبادلون الأخبار والتعليقات على الأوضاع السياسية والاقتصادية والمشكلات الاجتماعية عبر حوائط كبيرة موجودة في المنتدى الاجتماعي بروما، الأمر الذي يُمكن الجميع من الاطلاع عليها.
وتوالت العصور، وفي كل زمان كان للإنسان طرق جديدة في النشر والإعلام. فمثلاً في العصر الجاهلي الذي افتقر فيه الناس لأسلوب الكتابة، احتل الشعر ونظم الكلام الموزون محلها، فأصبح للعرب أسواق موسمية، تتناقل فيها الأخبار والأشعار التي تحمل في طياتها أخبار الحروب وقصص الحب ونظم الغزل والكثير من المراثي التي تتحدث من خلالها عن ما عايشه قائلوها في تلك الفترة كسوق عكاظ ومجنة وذو المجاز.
أما في بداية الألفية التي نعيشها استحدث "مارك زوكر بيرج" حيث كان طالباً في جامعة هارفارد موقع "فيسبوك" بالتعاون مع اثنين من زملائه بكلية علوم الحاسوب، وذلك لتبادل الصور مع زملاءهم في الجامعة حيث كان الموقع محصوراً على الطلبة فيها، ثم انتشر الأمر ليشمل طلبة جميع الجامعات الأمريكية، ثم شملت أي شخص في عمر الثالثة عشرة فما فوق، إلى ان أصبح موقعاً عالمياً يضم أكثر من مليار مستخدم.
نجاح فيسبوك في الانتشار وفتحه المجال أمام المستخدمين في المشاركة وحرية التعبير عبر العالم الافتراضي، دفع إلى فتح باب فكرة المنافسة، وإنشاء مواقع اجتماعية أخرى كتويتر ولينكد إن وجوجل ومواقع أخرى، أثرت حاجة الناس في الفضفضة ومشاركة همومهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الآخرين، وسمحت لهم بإنشاء تجمعات دينية وفكرية وعلمية من خلال نظام الصفحات والمجموعات، ولا شك أنها كأي وسيلة أخرى تجمع بين السلبية والايجابية، والفوائد والمضار.
إيجابيات وسلبيات
تؤكد الدكتورة ديمة طهبوب المحاضرة بالجامعة العربية المفتوحة بأن مواقع التواصل نشأت لهدف اجتماعي بحت، وهو الربط بين الأصدقاء من أجل معرفة أخبارهم وتطور حياتهم والاطلاع على يومياتهم. لذا فهي ترى أن من الطبيعي جداً أن ينشر المشتركون فيها أخبارهم وصورهم الشخصية وتفاصيل حياتهم التي يتشاركون فيها مع أصدقائهم على أرض الواقع في العادة، إلا أن البعض حولوا منها لمساحة دعوية وسياسية ووظفوها توظيفاً مختلفاً عن الحاجة التي وجدت من أجلها؛ وهذا جيد ولا شيء فيه.
لكن المستهجن أننا أصبحنا ننظر إلى هذه المواقع على أنها موجودة لأجل هدف إثراء جوانب التواصل السياسي والديني والفكري، ونستهجن طرح الأمور الحياتية والشخصية التي وجدت من أجلها هذه المواقع، وذلك بسبب توسعنا في إضافة الأصدقاء وإضافة من لا نعرف ومن لا يحق لهم مشاركتنا أخبارنا وحياتنا الشخصية.
وتضيف طهبوب بأن السلبيات التي ربما يقع فيها مستخدمو هذه المواقع كالإدمان على متابعة جديد المنشورات، والاستعاضة بها عن التواصل البشري الحقيقي، والتوسع اللامدروس في العلاقات، وانتشار النفاق الاجتماعي بين المستخدمين، وانهيار الحواجز بين الجنسين، لا تعني أنها لا تحمل الكثير من الايجابيات والتي تُلخص بسهولة التواصل بين الناس من مختلف الدول والأماكن، وإمكانية نشر الأفكار والمعلومات، والتعرف على الشخصيات. بالإضافة إلى أنها وسيلة للضغط الاجتماعي. والفطن يستطيع الاستفادة من الإيجابيات ويتجنب التأثير السلبي لهذه المستحدثات على حياته وشخصيته.
بين الرياء والتشجيع
وبما أنها مواقع أنشئت لتبادل الأخبار الحياتية فقد يجر الحديث البعض بالتطرق ليومياته العبادية وما يقوم به من أعمال وواجبات دينية، ما يدفع البعض بالتساؤل حول حكم ذلك. وهنا يـشير الدكتور شرف الـقضاة الأستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية الى أن ذكر بعض التفاصيل العبادية عرضاً وفي سياق الحديث سواءً في الدردشات أو التعليقات لا شيئ فيه، إن لم يكن المتحدث ينوي التسميع بأعماله وإظهارها للآخرين، فان كان كذلك فهو حرام ويعتبر "رياءً" يحاسب عليه. أما إن كان القصد من ذلك تشجيع الآخرين على التعبد ومشاركتهم إياه ببعض ما يقوم به كصيام أيام فضيلة وما شابه، فهذا من العمل المندوب.
ويُضيف الدكتور القضاة بأن من المباح مشاركة الصور والتفاصيل اليومية؛ والتحدث عن حرمة الأمر أو إباحته يأتي بحسب المضمون الذي تحمله، فان كانت الصور فيها من المنكر او الإيذاء فستكون مشاركتها حراماً، أما إن كان فيها من البر والخير والمباح فهي مباحة إن شاء الله.