حرائر الإسكندرية وانتصار الإرادة

الرئيسية » بصائر من واقعنا » حرائر الإسكندرية وانتصار الإرادة
حرائر الاسكندرية1

حالة من الفرح والارتياح سادت الشارع المصري خصوصاً، والمتابعين والغيورين من مختلف بقاع العالم عموماً؛ بسبب الإفراج عن حرائر الإسكندرية، بعد أن أصدر أحد قضاة الانقلاب حكماً عليهن تراوح بين 11  و 15 عاماً.
ومما لا شك فيه أن قرار الإفراج عن الفتيات يضاف إلى سجل الانتصارات التي يحققها أحرار مصر خلال ثورتهم على الانقلاب العسكري، وما جره من ويلات على مصر وشعبها.

 

سر الانتصار..

يسعى بعض المحللين لتشويه صورة الانتصار الذي حققنه حرائر الإسكندرية، باعتبار أن القضية لا تعدو كونها إجراءً قضائياً خالصاً، بحيث لم يقتنع قاضي الاستئناف بصحة الحكم ومستنداته، الأمر الذي دعا القاضي للإفراج عنهن وإخلاء سبيلهن، بعد أن زلزل الحكم القضائي الظالم أركان كل حر، وأثار حفيظة كل من يملك ذرة إنسانية، ضد قسوة الحكم، ومهزلة التهمة والمحاكمة.
ولو سلمنا جدلاً بصحة ما قاله أولئك، فإن هذا يعكس طبيعة الأزمة القضائية داخل مصر، إذ هل يعقل أن يصدر قاض بالسجن لمدة تزيد عن العقد من الزمن، ثم يأتي آخر ليحكم بالبراءة!! دون محاسبة لأي منهما على خطأ يهز مصداقية القضاء ونزاهته، -المشكوك فيها أصلاً-.
لكن الحقيقة، أن الانتصار المدوي الذي سُجل لحرائر الإسكندرية، جاء نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية:
1- الصمود الأسطوري الذي سجلنه هؤلاء الفتيات، سواء أكان ذلك بالثبات الذي عكسه تلك الابتسامة على وجوههن، والوقار على تصرفاتهن، وعدم التذمر والضجر والنيل من عزيمتهن وإرادتهن، ورفض العفو من قبل رجال العسكر ممثلاً بالمغتصب المؤقت لرئاسة الدولة. ناهيك عن صمود أهالي الفتيات وثباتهم على ما سجن عليه بناتهم، وهو رفض الانقلاب ومناصرة الشرعية والقصاص لدماء الشهداء.
2- تخبط سلطة الانقلاب في محاولتها لإسكات الأصوات الرافضة لوجودها، فهي كانت تأمل أن تثير الرعب داخل الشارع المصري بعد هذا الحكم، بحيث يمنع الناس أولادهم وبناتهم من المشاركة في المظاهرات المناوئة للانقلاب العسكري؛ حتى لا يتعرضوا للأحكام العالية، على غرار حرائر الإسكندرية، وطلبة الأزهر من قبل. إلا أنها لم تكسب من فعلها سوى اتساع الاحتقان الشعبي، وزيادة شعلة الثورة ضد الانقلاب، حتى وصل الأمر إلى إثارة حفيظة بعض المؤسسات الحقوقية والدولية، والتي لم تستطع تجاهل ما يجري من أحكام سياسية بامتياز واضح.
3- رد الفعل الشعبي الواسع، والذي أقض مضاجع سلطة الانقلاب، حيث ظنت السلطة أن الأمر سيسكت الناس ويخفف من جذوة ثورتهم وقوتها، إلا أنها فوجئت بأنها أعطت للثورة دفعة معنوية جديدة، لزيادة الإصرار والاستمرار في النزول للشارع حتى إسقاط الانقلاب. إضافة لما سبق، فسلطة الانقلاب سعت لإشغال الرأي العام عن هذه القضية بمسودة الدستور الذي أقره رجالات العسكر وأذنابه، إلا أن القضية كانت أكبر حضوراً في الشارع، وكانت أولوية للمتظاهرين، مع عدم إعطاء أية أهمية للدستور الذي كتبه الانقلابيون والذي يصادر الحقوق والحريات. ومما ساعد على ذلك الرد الشعبي الرائع، التسويق الإعلامي الجيد لهذه القضية، وفضح ممارسات سلطة الانقلاب وقضائه المسيّس على الصعيد المحلي والدولي.

 

 

الصمود أيقونة الانتصار

ليست هذه أول مرة تنتصر فيها الإرادة الحرة على السفاح وقضائه. ففي فلسطين شكل صمود كثير من المعتقلين ورفضهم التنازل عن مبادئهم والاعتراف بالمحتل انتصاراً على السجان الصهيوني، سواء من حيث الأحكام، والإفراج عبر الضغط على السجان من خلال الإضراب عن الطعام، وغيرها من الأمور. ناهيك عن التأثير الناتج من صمود المعتقلين على الأبطال في الميادين المختلفة، حيث خرج الكثير من أصحاب المحكوميات العالية رغماً عن الاحتلال، كان آخرها، ما حصل في عملية وفاء الأحرار، والتي ما كانت لتتم لولا تقدير المجاهدين لصمود أولئك القابعين خلف سجون الاحتلال.
لذا، فالشارع الحر صاحب إرادة أقوى، وعزيمة أكبر، خلافاً للمستبد والمحتل، الذي يخاف من تلك الحشود الغفيرة المصرة على مبادئها، وهو إن كان يخاف من مجموعة من الفتيات أو بعض الطلاب، فكيف سيكون شعوره وما مقدار خوفه، حينما يرى عشرات الآلاف والملايين تظل صامدة على مبادئها ومطالبها!
إن على المصريين أن يعلموا جيداً، أن الحرية لا تأتي إلا بتلك الإرادة القوية، والعزيمة الثابتة التي لا تلين، وهو ما يسطره أبطالهم في السجون الانقلابية، وعلى رأسهم رئيسهم الشرعي، الذي لم يتنازل ولم يلب مطالب الانقلابيين، مما يؤكد لنا، أن مصر في طريقها للنصر بإذن الله تعالى.

 

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الصمود
  • مصر
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

    شاهد أيضاً

    من عوامل ثبات أهل غزة

    قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …