لم يكن المشهد مألوفاً البتة، ونحن نجد الناس في غزة محاصرين في بيوتهم بسبب ارتفاع منسوب المياه، وما رافق ذلك من تشريد لآلاف الناس من بيوتهم، ليس بفعل الاحتلال وقصفه للقطاع المحاصر، وإنما بفعل كابوس "أليكسا" أو المنخفض الجوي العميق الذي ضرب الأراضي الفلسطينية وعموم بلاد الشام خلال الأيام الماضية.
ومما لا شك فيه، أن الصور المنقولة من القطاع المحاصر تصف بكل شفافية حقيقة الحصار الظالم الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة، وتشترك فيه مجموعة من الدول، في ظل صمت عربي ودولي معيب.
ولم تكن الكارثة التي خلفها المنخفض الجوي بسيطة على الإطلاق، فبحسب وزير الأشغال العامة والإسكان في القطاع د. يوسف الغريز، فإن المنخفض خلف خسائر مادية كبيرة، بقيمة 64 مليون دولار. ناهيك عن نزوح 7000 أسرة من منازلها، بما يعادل 42 ألف فرد.
و قدرت عدد المحلات التجارية والمنشآت الصناعية التي تعرضت للأضرار قرابة 1000 منشأة، حيث قدرت خسائرها بقيمة 3 مليون دولار. أما خسائر القطاع الزراعي بلغت 7 مليون دولار جراء نفوق آلاف الدواجن وتضرر الثروة الحيوانية والسمكية والإنتاج النباتي. وحول خسائر قطاع النقل والمواصلات، فقد بلغت الخسائر نحو 2 مليون دولار، تمثلت بغرق ما يزيد عن 200 مركبة، وتضرر كاسر الأمواج بميناء الصيادين.
هذه الأرقام المرعبة تعكس طبيعة ما يعانيه أهل غزة، الصامدون على مبادئهم. وتعكس حجم الكارثة الإنسانية، والمؤامرة الدولية التي يتعرض لها أهل القطاع، بسبب استمرار الحصار الغاشم والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
أين شهامتهم!!
حصار غزة لا يتمثل بإغلاق معبر هنا، أو منع لبعض المواد هناك. بل إنه حصار أعم من ذلك، بحيث يعامل معه أبناء القطاع كأنهم متمردون على أمتهم، أو خوارج محاربون لإخوانهم. وليس عيباً أن نعود للتاريخ لنكتشف كم كانت المساعدات العربية التي قدمت لأمريكا خلال الأعاصير التي ضربتها، ولهاييتي التي ضربها الزلزال ذات مرة، فكانت المساعدات العربية تنهمر عليها، حتى السلطة الفلسطينية في رام الله، قامت بإرسال المساعدات والأطباء إليها.
وقبل ثلاثة أعوام تقريباً، وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، أثناء نشوب حريق الكرمل، لم تتخل الدول العربية عن شهامتها حتى مع عدوها، حيث وصل 150 رجلاً من طواقم الإطفاء من الضفة والأردن، وتبعهم آخرون من مصر، ليساعدوا الصهاينة على إخماد الحريق.
وفي المقابل، يخرج د. يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية ليقول للعالم: "لم تقدم أي دولة عربية باستثناء قطر أي شيء لإغاثة غزة".
وهنا نتساءل، هل فقد العرب شهامتهم، أم أن شهامتهم تقضي بأن يموت أهل غزة إما بالقصف "الإسرائيلي" أم بالجوع أو المرض أو البرد، المهم أن يتخلصوا منهم بأية طريقة!!
لماذا يعادون غزة؟؟
في صباح اليوم الأحد، وعلى الإذاعة العبرية، أشاد رئيس حزب العمل الصهيوني إسحاق هيرتزوغ بالدور الذي يقوم به السيسي في الضغط على حركة حماس، معتبراً أن هذا السلوك "يساهم في توفير الأرضية للتوصل لتسوية سياسية للصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" تخدم المصالح "الإسرائيلية".
وأضاف هيرتزوغ "نتابع باهتمام التحركات التي يقوم بها السيسي بالإضافة إلى جهود قوى إقليمية عربية أخرى بهدف إعادة بلورة الواقع الداخلي الفلسطيني وجعله مناسباً للتوصل لتسوية للصراع".
إذن هم يعادون غزة، لتغيير الواقع السياسي الموجود. فغزة تعاقب اليوم لأنها اختارت حركة حماس في انتخابات 2006م. واحتضنتها ودعمتها بأبنائها وأيدتها على نطاق واسع. وغزة تعاقب لأنها رفضت التمرد على حركة قدمت أبناءها وقادتها شهداء في سبيل الله.
هم يهدفون من حصارهم لغزة لإقناع المواطن الغزي أن حكم الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة بكل شرعية ونزاهة لا يجلب لهم إلا الويلات والدمار، وهم يريدون من قطاع غزة إقليما خاضعاً لنفوذ الاحتلال بل ويعاقبونه على عزته وإرادته الحرة ورفضه للذل والخنوع.
هي سياسة واضحة المعالم لا تخفى على أحد، تماماً كما حدث في مصر، عبر إغراقها بمجموعة من الأزمات، وقطع كل صور العون والمساعدة لهم، ومن ثم إثارة الشارع على السلطة الشرعية والانقلاب عليها، لكي تفقد إرادتها الحرة بجميع جوانبها السياسية والاقتصادية وغيرها.
غزة اليوم تعاقب، لأنها تتمسك بالثوابت الفلسطينية، تتمسك بحق العودة، وتتمسك بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل بكل الوسائل وفي مقدمتها المقاومة المسلحة، وتتمسك بتحرير الأرض من البحر إلى النهر، وتتمسك بالقدس الشرقية والغربية عاصمة أبدية للشعب الفلسطيني، وتتمسك بالسيادة الفلسطينية والعربية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتتمسك برفضها للمفاوضات العبثية التي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا الذل والهوان، وتتمسك بعدم اعترافها "بإسرائيل" واحتلالها لأرض فلسطين.
لكن تبقى غزة عصية على الانكسار، ثابتة رغم كل ما تعانيه من معوقات ومصاعب، وتخرج من كل مرة أقوى من ذي قبل، ولهذا لن تفلح تلك المؤامرات التي تستهدف غزة شعباً وحكومة، وبإذن الله ستنتصر إرادة الغزيين شاء من شاء وأبى من أبى.