لا أحد يموت من الجوع!

الرئيسية » حصاد الفكر » لا أحد يموت من الجوع!
02----------

عبارة سمعناها يوم كنا صغاراً ورددناها لمن يلينا من الأجيال المبتلاة بشهود هذا الزمان ظناً منا أنها من حِكم الأولين التي لا تخيب، وذخائر السابقين التي لا تبلى مع السنين..

طال بنا العمر، وشهدنا ما زادنا زهداً في المزيد منه، لهول ما عاينَّاه وبشاعة ما رأيناه، وبتنا نخشى مع كل شروق وغروب أن تصيبنا قارعة من السماء بحصول العلم والمشاهدة لما يجري للمظلومين المكروبين من حولنا دون أن يكون منَّا سوى التَّأوه والتوجع والأنين لحالهم، والبكاء والنحيب على أطلالهم، وهو ما لا يطعمهم من جوع ولا يؤمنهم من خوف ولا يسد فاقة ولا يقضي حاجة..

لم يكن ليموت أحد من الجوع لو كان العدل سائداً والرحمة حاضرة والظلم متوارٍ والقسوة غائبة.. لم يكن ليموت أحد من الجوع لو كان للناس قلوب تنبض وأسماع تعي وأعين تبصر وتقوى وإحسان وإحساس بالآدمية وشعور بالإنسانية.

تلك الأجساد الضعيفة الهزيلة رسمت أبشع صورة لهذا الزمان المجلل بالخزي والعار على الصمت المريب والسكوت المعيب والتآمر الفاضح والتواطؤ الواضح لكل من سمع ورأى ثم أشاح بوجهه ونأى.. وأمام هول المشهد وبشاعة الحدث تتكشف المعادن ويظهر مكنون الأنفس، فمن شامت حاقد وغادر، إلى متبلد الأحاسيس والمشاعر، إلى مشغول بحاله وماله، إلى قانط ومستكين حائر، إلى فئة قليلة تسعى لرفع الظلم وغوث المظلومين المكروبين.

ويملأ فضاء الكون سؤال يتردد: كيف السبيل إلى رفع المعاناة عن المحاصرين في مخيم اليرموك ومدن سورية وقراها من قبل الظلمة والمجرمين؟ أيكون بالسعي الحثيث لدى المنظمات الدولية من أجل إدخال شاحنة طعام أو اثنتين؟ أم بإطلاق حملة تضامن عبر المواقع الاجتماعية من خلال صيام يوم، أم التخفف من الطعام وارتياد المطاعم، أم أنه يتمثل في الكف عن نشر صور أطايب الطعام التي اعتاد البعض أن يتباهى بالتهامها في وجبة غداء أو عشاء؟ أم العمل على نشر صور الضحايا على أوسع نطاق ممكن ونظم القصائد والمرثيات لأجلهم؟

مع عدم التقليل والتهوين أو التشكيك بجدوى كل ما سبق إلا أن ذلك كله لا يصيب أصل العلة وسبب الداء، وقد لا يرقى إلى فعل مسكنات أعطيت لمصاب بمرض السرطان في مراحله الأخيرة!!

العلاج بكل بساطة أن نأكل ونشرب بشكل اعتيادي ونعيش حياتنا دون تأنيب للضمير وتبكيت من النفس اللوامة، وذلك من خلال مقارعة الظلم بكل أشكاله وبكل الوسائل المشروعة وعلى رأسها مد يد العون المادي والمعنوي والعسكري والسياسي والإعلامي والإغاثي لمن صدق في جهاده ضده ولم يحد عن الطريق قيد أنملة.. امتثالاً لأمر الخالق جلّ وعلا: "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً".

إنهم يبحثون عن الوليّ والنصير الذي يزيح عنهم كابوس الظلم. والله تعالى هو الذي سيختاره ويهيئه لهم، وهو ما يجعل هذا الأمر ميداناً للتنافس على نيل ذلك الشرف العظيم الذي حازه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بفتحهم مكة المكرمة ما يجعلك مرشحاً للتشبه بهم والاصطفاف إلى جانبهم.

يلزمنا هنا توصيف الحالة بشكل صحيح ليكون العلاج صحيحاً وناجعاً، وهو يستدعي منا التفريق بين مجاعة اليرموك ومجاعات أفريقيا وكيفية التصرف حيال كل منهما، إننا هنا بحاجة إلى تسليط الأضواء الكاشفة على الفاعل ومعاملته بما يستحق، على قاعدة "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا"، وذلك يقتضي منا إعلان الحرب الشاملة على عصابة الظلم والبغي والإفساد التي تمارس إجرامها بلا رقيب ولا حسيب في طول سورية وعرضها. إنها خطوة دفاعية هجومية.. دفاع عن النفس وحماية لها من غوائل السكوت عن الظلم. وهجوم عليه لتحقيق الولاية والنصرة للمستضعفين. والحذر هنا نابع من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمُهَّمُ اللهُ بعقابٍ منه"

الراوي: أبو بكر الصديق، المحدث: الألباني - صحيح الجامع- 1973 خلاصة حكم المحدث: صحيح

ولأن الإعلام الحديث لم يترك شاردة ولا واردة إلا وضعها تحت عدسته المكبرة صوتاً وصورةً فإن المسؤولية تتضاعف والحمل يزداد ولا نجاة إلا بالمبادرة فقد حذَّر الحبيب المصطفى من التقاعس في هذه المواقف بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنَّ رجلًا هَيبةُ الناسِ أن يقول بحقٍّ إذا علمَه [أو شهده أو سمعه]".

الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: الألباني - السلسلة الصحيحة - 168 خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره

إننا نشهد ظلماً تشيب لهوله الولدان، تزداد وتيرته ولا تقل، ولا يزيد تقاعس المسلمين الظالم المجرم بشار الأسد هو وعصابته الباغية وفصائل الإجرام التي تحاصر المخيمات إلا شراسة وبغياً وإمعاناً في ارتكاب أبشع المجازر.. ولا يزيدهم صمتنا وعدم الأخذ على أيديهم إلا شراهة لسفك الدماء والتفنن في تعذيب الضحايا والأبرياء وقتلهم بطرق يعجز إبليس عن التفكير بها. ألا إنهم هم الداء وهم أصل البلاء ولن يتوقف سيل الدماء ويزول الجوع والضنك والعناء ويسود الأمن والأمان في كل البلاد إلا بكسر شوكتهم واستئصال شأفتهم وإزالة ظلمهم وبغيهم وإجرامهم.. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …