دراسة.. الإعلام المصري فقد مهنيته وتحول إلى أداة بيد الانقلابيين

الرئيسية » بصائر من واقعنا » دراسة.. الإعلام المصري فقد مهنيته وتحول إلى أداة بيد الانقلابيين
تطهير الإعلام

أشارت دراسة صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، أن الإعلام المصري دخل بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013م، منعطفًا خطيرًا حيث أصبح أداة صريحة من أدوات الصراع ما بين السلطة الانقلابية التي جاءت بعد الإطاحة بالرئيس المصري المختطف محمد مرسي وبين خصومها السياسيين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين. وكانت نتيجة ذلك تراجعًا لافتًا في القيم المهنية في الأداء الإعلامي ترافق مع تراجع أكبر في مساحة الحريات الصحفية ولاسيما للصحافة التي تقدم رأيًا مغايرًا لما تريده السلطة أو الإعلام الموالي لها.

وذكرت الدراسة التي أعدها الباحث شحاتة عوض، أن الإعلام المصري الخاص كان له دور في ثورة الخامس والعشرين من يناير، بناء على  ثلاثة عوامل: أولها: هامش الحرية النسبي الذي تمتع به هذا الإعلام، وثانيًا: الدرجة المعقولة من المهنية الاحترافية التي تميز بها العاملون في هذا القطاع، وثالثها: حالة الفراغ السياسي وضعف مؤسسات الدولة في أواخر عهد مبارك سواء البرلمان أو الأحزاب؛ حيث سعى الإعلام لملء هذا الفراغ وتحولت بعض البرامج التليفزيونية على الفضائيات الخاصة لتكون ساحات للنقاش والسجال السياسي التي كان يفترض أن تكون تحت قبة البرلمان أو داخل أروقة الاحزاب السياسية.

وبينت الدراسة أن هذا الدور ظل محكومًا بتفاهمات غير معلنة بين النظام الحاكم وبين مالكي هذه الفضائيات والصحف حول عدد من الخطوط الحمراء التي تعرّض كل من يحاول تجاوزها أو التمرد عليها للتضييق وربما الملاحقة من جانب أجهزة الدولة لاسيما أن معظم مالكي هذه القنوات هم من رجال الأعمال الذين ارتبطت مصالح معظمهم بصورة مباشرة بالنظام.

وهكذا ظلت الحرية الممنوحة لوسائل الإعلام في توجيه نقدها لبعض السلبيات والفساد في المجتمع ومؤسسات الدولة حرية ذات سقف محدد ومشروطة بعدم الخوض في موضوعات بعينها مثل توريث الحكم أو توجيه النقد لشخص الرئيس وعائلته والدائرة المقربة منها. ولعل هذا ما يفسر حالة الارتباك والتخبط وفقدان التوزان التي وجد هذا الإعلام نفسه عليها خلال الأيام الأولى للثورة وحتى رحيل مبارك.

وتشير الدراسة إلى أن رحيل مبارك، شكل نقطة فارقة في مسيرة الإعلام المصري الذي وجد نفسه فجأة متحررًا من كل القيود الأمنية والإدارية التي كانت تحكمه طوال عقود، فكان أن تحولت الحرية الهائلة وسقوط القيود إلى ما سماه البعض فوضى إعلامية ترافقت مع ظهور عشرات القنوات الفضائية والصحف الخاصة؛ الأمر الذي زاد من حالة الانفلات الإعلامي دون ضوابط أو قواعد تحكم الأداء الإعلامي بينما لم تقم السلطة الانتقالية التي تولت الحكم ممثلة في المجلس العسكري بأية خطوات لإعادة تنظيم الإعلام المصري هيكليًا وتشريعيًا بما يتناسب مع الواقع الجديد.

وفي معرض بيان دور الإعلام في الحياة السياسية وخصوصاً الانقلاب على الرئيس محمد مرسي وشرعية الشعب، أشارت الدراسة إلى إن  الإعلام لعب دورًا مهمًا في تكريس وتعميق حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد لكنه لم يختلقها من الفراغ لأن كل أسباب الاستقطاب والانقسام كانت قائمة على الأرض.

ورغم أن معظم خبراء الإعلام يرون أن ما يشهده الإعلام المصري هو سمة كل المراحل الانتقالية والتحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي يشهدها أي مجتمع، لكن في الحالة المصرية ساهم الإعلام في تفاقم حالة الاستقطاب والكراهية في المجتمع وكذلك في تعميق حالة الالتباس وعدم اليقين حيث "تورط بدرجة كبيرة وربما غير مسبوقة في تجارب التحول الديمقراطي الحديث في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، كما ارتفعت فيه درجات التسييس والافتقار للمهنية علاوة على الانقسام الثقافي والسياسي ربما بدرجة تفوق ما كان موجودًا في عهد مبارك".

وتؤكد الدراسة أن الإعلام المصري تحول بعد الثلاثين من يونيو إلى أداة صريحة في الصراع السياسي بين السلطة الانقلابية الجديدة وبين الإخوان المسلمين وأنصارهم. وتحولت بعض وسائل الإعلام في مصر لأدوات لاستهداف فصيل بعينه هو جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها من خلال شيطنة هذه الجماعة ووصمها بكل ما هو قبيح، بل وصل الأمر لنزع الوطنية عن كل من ينتمي إليها. وساهم في ذلك موقف السلطة الانقلابية المتشدد تجاه جماعة الإخوان واتهامها باللجوء للعنف والتخريب في مواجهتها مع السلطة. وبلغ هذا الموقف ذروته في إعلان الإخوان جماعة إرهابية وهو الموقف الذي وفّر الغطاء السياسي وربما الأخلاقي للإعلام للهجوم على الإخوان.

ورغم أن خريطة الطريق التي أعلنها السيسي تتضمن بندًا عن وضع ميثاق شرف إعلامي إلا أن أحدًا لم يعد يتذكر ذلك؛ إذ تحولت عقب ذلك كثير من المواد والبرامج التي تُقدَّم عبر الإعلام إلى برامج لحملات كراهية وتحريض ضد الإخوان تتنافى مع أي مواثيق أو معايير مهنية ما أظهر "فشل معظم الإعلاميين في الحفاظ ولو على الحد الأدنى من الاستقلال المهني والسياسي خلال أداء مهمتهم".

سمات الخطاب الإعلامي بعد 30 يونيو/حزيران

وبينت الدراسة بعضاً من سمات الإعلام المصري بعد الثلاثين من يونيو وما تبعه من انقلاب على شرعية الشعب والرئيس المنتخب، والمتمثل بما يأتي:

1-  إعلام الصوت الواحد: تحول الإعلام المصري منذ هذا التاريخ ليعبّر عن رأي واحد وصوت واحد هو الصوت المؤيد للإطاحة بمرسي وخطة خريطة المستقبل مع تغييب كامل لصوت كل من يعارضها. ويبدو الإعلام بشقيه الحكومي والخاص وكأنه فرقة موسيقية تعزف لحنًا واحدًا حسب إشارة قائد الفرقة، وغير مسموح لأي عضو في الفرقة بالخروج عن ثلاث نغمات: تمجيد للمؤسسة العسكرية ودورها الوطني وتخوين أي شخص ينتقدها أو حتى ينتقد بعض قياداتها، وتخوين وشيطنة الإخوان المسلمين وأنصارهم واتهامهم بمحاولة تمزيق مصر، وتلميع صورة الفريق -أصبح مشيرًا فيما بعد- عبد الفتاح السيسي وتقديمه للرأي العام باعتباره القائد الذي أنقذ الوطن من الضياع.

2-  تصاعد خطاب الكراهية: فهناك من رأى أن بعض ما تبثه وسائل الإعلام المصرية حاليًا من مواقف وتصريحات تحريضية ضد كل من ينتمي للإخوان المسلمين هو نوع من الفاشية الجديدة. ومن الأمثلة على ذلك قيام أحد المشايخ بإصدار فتوى في برنامجه التليفزيوني الذي يقدمه على شاشة إحدى الفضائيات الخاصة؛ دعا فيها إلى ضرورة تطليق الزوجة الإخوانية باعتبارها خطرًا على الوطن ومصلحته.

3-  تراجع وغياب القواعد المهنية: وهو نتيجة منطقية لارتفاع درجة التسييس والتوظيف الدعائي والتي كانت إحدى سمات إعلام نظام مبارك ولكنها تصاعدت بعد الثورة بحيث تحولت معظم وسائل الإعلام لمنصات للقصف السياسي والاستقطاب المجتمعي. وقد كانت نتيجة ذلك تدهورًا ملحوظًا في مستوى الأداء المهني، وتحولت معظم وسائل الإعلام لأدوات للحشد والتعبئة في اتجاه واحد وهو الهجوم على جماعة الإخوان والمتعاطفين معها دون أن تتاح لهم الفرصة للرد. وترافق ذلك مع ترويج الشائعات وانتشار العنف اللفظي الذي وصل لحد الشتائم الصريحة ضد الإخوان وما يمثله ذلك من خطورة أن يدفع ذلك الطرف المستهدف للعنف.

4-  اتساع دائرة الاستهداف لرموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني من غير الإخوان المسلمين: حيث تجاوز القصف الإعلامي جماعة الإخوان ليمتد إلى الثورة ذاتها، وشنت فضائيات وصحف مملوكة لرجال أعمال وشخصيات محسوبة على نظام مبارك، حملة ضارية ضد كل ما له علاقة بالثورة وتم تشويه شباب الثورة ورموزها من خلال بث تسجيلات وأخبار تتهمهم بالعمالة والخيانة. أدى هذا الموقف لانصراف قطاع من المشاهدين ولاسيما الشباب عن متابعة ما تبثه هذه الفضائيات والذي تجاوز استهداف الإخوان لاستهداف ثورة يناير/كانون الثاني ذاتها والانقلاب عليها لاسيما مع عودة شخصيات تنتمي لنظام مبارك للظهور في المشهد الإعلامي.

5-  الدعاية والرأي على حساب الخبر والمعلومة: اتسم الأداء الإعلامي لكثير من الصحف والفضائيات الحكومية والخاصة بغلبة الخطاب الدعائي وانتهاج أساليب تجمع ما بين المبالغة والسطحية في الهجوم على الإخوان وشيطنتهم وانسحاب ذلك على كل من يعارض السلطة الانقلابية أو ينتقد خارطة الطريق حتى وإن كان من خصوم الإخوان. كل ذلك قلّص من مصداقية هذا الإعلام وتأثيره على المتلقي بل وأدى لانصراف المشاهدين لقنوات أخرى.

ويرى خبراء أن من أهم الآثار السلبية لسيطرة الدعاية على المشهد الإعلامي المصري أن الرأي أصبح مقدمًا على الخبر والمعلومة ما أدى إلى ما وصفه البعض بموت صحافة الخبر فيما سادت الصحافة التعبوية "التي أصبحت تخدم النظام بأكثر مما تخدم القارئ، وتخاطب الانفعالات بأكثر مما تخاطب العقول حتى باتت تحث على التهليل بأكثر مما تحث على النقد والتفكير".

بموازاة ذلك أصبحت الأخبار مجهولة المصدر أو المنسوبة لمصادر مجهولة ظاهرة يومية في الصحافة المصرية وبات شائعًا نقل أخبار مثيرة للجدل ونسبتها إلى "مصادر سيادية" أو "مصادر عليا". وحتى عندما يتبين بعد ذلك عدم صحة هذه الأخبار، فإن وسيلة الإعلام لم تعد تكلف نفسها عناء الاعتذار عن ذلك.

6-  استخدام سلاح الخوف وتضخيم الخطر: فقد أدى فشل وسائل الإعلام في تبرير التحول الهائل في موقفها من الإخوان المسلمين، ونتيجة لاعتماد خطاب غير واقعي ينطلق من فكرة القضاء التام على الإخوان نهائيًا وإلى الأبد، وجد الإعلام نفسه في مأزق في مواجهة الرأي العام فلا قدّم تفسيرًا مقنعًا لهذا التحول ولا فسّر كيفية القضاء على الإخوان، لكنه سعى في المقابل للمبالغة في الحديث عن المخاطر الأمنية رغم أنها حقيقة وتدعو للقلق، واعتمد لغة تقوم على أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب والدفاع عن كيان الدولة التي تتعرض لخطر شديد.

وفي هذه الأجواء التي يسيطر عليها الخوف يكون الرأي العام أكثر استعدادًا لتصديق كل ما يقال حتى لو كان به أكاذيب وذلك بحثًا عن الأمن والاستقرار. لكن مثل هذا الخطاب الإعلامي ربما ينجح بعض الوقت لكنه لا يصلح طويلاً لإقناع الرأي العام لاسيما إذا ما استمر العنف ولم يتحقق الاستقرار المنشود.

7-  النزعة الانتقامية: هيمن على كثير من وسائل الإعلام المصرية نوع من التشفي في الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بهم من السلطة، وبدا أن ثمة نزعة ثأرية وانتقامية تجاه الجماعة وأنصارها وهذا ما ظهر في احتفاء واحتفال الإعلام الصاخب بإزاحة مرسي. ولم يمكن تفسير هذا الأمر باعتباره يأتي في إطار الإعلام التعبوي والدعائي فقط، بل إن هناك من يرى أن هناك أسبابًا تخص الإعلاميين أنفسهم الذين شعر بعضهم بالتهديد خلال فترة حكم الرئيس مرسي بعد أن تعرضوا للملاحقة القضائية وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي من قبل أنصار التيار الاسلامي أكثر من مرة، وتلقي بعض الإعلاميين تهديدات بالقتل بسبب تغطيتهم السلبية لأداء مؤسسة الرئاسة خلال حكم مرسي.

8-  ظاهرة المذيع الخطيب: وهي ظاهرة بدأت بشكل محدود بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني ولكنها مع الوقت تمددت بشكل كبير في المشهد الإعلامي المصري. والمذيع الذي يطل على المشاهدين خطيبًا وناصحًا وموجهًا وملقنًا لهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب أن يتجنبوه، حتى وإن استضاف أحدًا حول قضية ما فإنه يتحدث أكثر من ضيوفه، ويظهر وكأنه يعرف كل شيء، وما يقوله هو الصواب بعينه، ورأيه هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وهي ظاهرة ترافقت مع ثورة الإعلام بعد ثورة يناير/كانون الثاني بحيث لم يعد الأمر قاصرًا على المذيع الذي يقوم بالإرشاد الديني بل في مقابل ذلك ظهر ما يمكن أن نطلق عليه الإرشاد السياسي؛ حيث المذيع يمارس نوعًا من الوعظ السياسي على المشاهدين من خلال تبنى موقف سياسي والدفاع عنه طوال الوقت.

الجزيرة للدراسات-الإعلام المصري

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • مركز الجزيرة للدراسات
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …