السنن الربانية في مسار الثورة السورية

الرئيسية » بصائر الفكر » السنن الربانية في مسار الثورة السورية
136806

ها قد مضى ما يربو على ثلاث سنوات على مسار الثورة السورية المباركة وقد بذل الشعب السوري جل التضحيات وكبرى الشجاعات بذل مئات الألوف من الشهداء والجرحى والمصابين والمفقودين والمسجونين، وملايين النازحين واللاجئين هنا وهناك، وصبر صبراً عظيماً حتى أصبح مثالاً على ألسن الكثيرين.

ومع عظم هذه المحنة والمعاناة والتضحيات يتساءل الكثيرون ومع طول المعركة وتأخر النصر والأمل بالفرج ينتظر يوماً بعد يوم، كانت لي هذه التذكرة بسنن ربانية لو تأملناها لزدنا بإذن الله يقيناً بنصر من الله قريب وتزودنا بالصبر والثبات على الطريق الشاق الطويل:

1- سنة الإرادة والعلم والمعرفة والتقدير الرباني: وأن كل ما يجري بعلم وإرادة الله ولحكمٍ قد نجهل ونغفل عن كثيرٍ منها {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}، (الروم:4).

2- سنة التدافع: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}، (البقرة 251) ، وأن الصراع بين الخير والشر والحق والباطل قائم ليوم الدين وله جولات وصولات تشتد حيناً وتفتر أخرى وينتصر الحق والعدل دهراً ويتراجع هنةً وترةً حسب توفر أسباب النصر وعوامل القوة وغياب عناصر الضعف والهزيمة فقد تراجع المسلمون في أحد وكسرت رباعية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وجرح جبينه -صلى الله عليه وسلم- لمخالفة أمر من أوامره في سير المعركة، وكذلك هزموا يوم حنين لما أعجبوا بكثرة عددهم {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًئا}، (التوبة 25).

وهكذا دواليك فقد تقصر معركة وتطول أخرى، وتستعر ثورة هنا وينطفؤ أوارها هناك، وربما تزداد شعلة وعنفوانا في رقعة وتخمد وتكبت في بلد آخر.

3- سنة الابتلاء: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، (هود 7). {الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، (تبارك2).

وأشد الناس ابتلاء الأنبياء فالأصلح وقد ابتلي آدم بهبوطه من الجنة من قبل، وأبو الأنبياء -عليه السلام- بقذفه بالنار وذبح ابنه الحبيب وأيوب بمرضه وموت أبنائه ونوح بكفر ابنه ويوسف بسجنه بضع سنين وفتنته مع امرأة العزيز، وهذه سنة دارجة مستمرة فابتلى الله شعبنا بطغمة من الطغاة المجرمين أذاقوه الويل والذل والهوان والقتل والتعذيب والتشريد ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلنا أسوة بأنبياء ورسل الله {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، (البقرة 214). {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـابِرِينَ}، (محمد 31).

ففي هذه السنة التمحيص والتنقية والغربلة وتمييز الصفوف {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَـافِرِينَ}، (آل عمران 141).

وكذلك لتمييز الصادقين من الكاذبين والصالحين من المنافقين والطيبين من الخبيثين {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، (آل عمران 179).

4- سنة الكيد والتآمر: {إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَـافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}، (الطارق 15-17)، {وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ}، (الأعراف183).

فالتآمر على الحق قديم وها قد تآمر غرب وشرق وعرب تآمر روس وفرس وشيعة ويهود ونصارى وشيوعيون ومغرضون ومنافقون على هذه الثورة بل لقد تآمر العالم بأثره إلا من رحم ربي على إجهاض هذه الثورة المباركة لا لشيء إلا لأنها رفعت راية إسلامية سنية في غالبيتها {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}، (آل عمران 120).

فليتذكر أهالينا مع هذا التآمر العظيم والتخاذل المتصاعد الشديد أنها سنة ربانية فقد تآمر قوم إبراهيم وقذفوه بالنار وجاء الرد الرباني {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}، (الأنبياء 69).

وتآمر إخوة يوسف فرموه في الجب وتآمر قوم موسى ليقتلوه {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}، (القصص20).

واجتمعت قريش وقبائلها لقتل رسول الله ضربة رجل واحد فأذن الله له بالهجرة وتآمرت قريش وقبائل العرب واجتمعت على حربه فكانت معركة الأحزاب وغزوة الخندق وهزم الجمع فلا ضير قومي وإن شاء الله {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، (القمر45)، {الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَآءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، (النساء761).

5- السنة الثابتة الربانية: إنها ملة الكفر واحدة: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، (البقرة120).

وهكذا يجب أن لا نركن لأعداء الإسلام بشتى مسمياتهم روافض ويهود ونصارى صليبيين نصيريين وروس وصينيين أمميين وعالمانيين وشيوعيين وليبراليين فها نحن نراهم جميعاً يجتمعون ويتفقون على محاربة الثورة وإجهاضها كل بطريقته من الداخل والخارج ويرمونها من وراء قوس واحدة وعلينا أن نجمع أنفسنا ونرص صفوفنا وأن لا نخدع بأحد ولا نثق بأحد من هؤلاء ولو حاولوا تضليلنا بكلامٍ معسول ووعود تزييف.

6- سنة الإملاء والإمهال والاستدراج: علينا أن نعي هذه السنة بأن الله يمد للظالم ويمهله {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}، (الكهف 59).

وكما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (أن لا يعجل كعجلة أحدكن وأنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) منها لكشف وفضح الظالم والمجرم والسفاح كي يظهر على حقيقته فلا ينخدع به أحد أبدا ويصبح أمره واضحاً وكفره بيناً وظلمه ثابتاً لا غبار عليه، وكي ينكشف زيغ الباطل وقناع المنافقين والمتزلفين والمتسلقين والمخادعين {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌا لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، (آل عمران 178).

وكي يعرف العدو من الصديق ويوضح أعوان النظام ومساعديه، ويعرف الصادق من الكاذب وبالتالي ينقسم الناس إلى فسطاطين فسطاط حق وعدل وفسطاط باطل وظلم، فريق مؤمن وآخر كافر منافق ضال، وذلك ليهلك من هلك عن بينة ويحي من يحي على بينة {وَلَكِن لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}، (الأنفال42).

7- سنة الانتصار: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، (غافر 51)، {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌا}، (الحج60).

يجب علينا أن نوقن تماما أن النصر آتٍ لا محالة وبدون أدنى شك بإذن الله والعاقبة لاشك للمتقين {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، (الأعراف 128).

وعسى ذلك أن يكون قريباً ولكن مع النصر وقفات:

أولا: النصر من عند الله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، (آل عمران 126). وسيكون متى أراد الله وكيف شاء وعندما يريد وحين تتحقق شروط النصر وتضمحل موانعه وتزول عوامل الهزيمة، وعلينا أن نتيقن أن النصر من عند الله وحده ومنه فقط إذا أخذنا بالأسباب المادية المطلوبة وتوكلنا عليه حق التوكل واعتمدنا عليه وتضرعنا إليه وأن يكون يقيناً قلبياً وراسخاً في نفوسنا أن النصر لن يأتي لا من قبل شرق ولا غرب ولا روس ولا أمريكان ولا علمانيين ولا ليبراليين (ولننظر أحداث مصر أمام أعيننا)، وهنا لاشك بمعرفة أهمية الإخلاص لله وإصلاح النية وترك حظوظ النفس والابتعاد عن العجب والغرور وهوى النفس.

ثانياً: إن تنصروا الله ينصركم: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، (محمد7).

ثالثاً: الإعداد: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}، (الأنفال60). الإعداد المادي والمعنوي بكل ما نملك وعندما نستنفذ كافة الطاقات ونسخر كل الإمكانيات ونضع كل القدرات لدعم الثورة عندها يتحقق النصر.

رابعاً: التضحيات: لن يكون النصر سهلا بدون بذل التضحيات الجمة، فالجزائر دفعت مليون شهيد وشتان شتان بين الاحتلال الفرنسي والاحتلال النصيري الأسدي (راجع مقارنة بين احتلالين والاحتلال الأسدي ومشروع مليون شهيد)، فيجب علينا بذل الرخيص والثمين والنفيس كلٌ منا بما يملك بذل المال والنفس والوقت والعمل والجهد {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، (البقرة 218). { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَ‌الِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}، (ألأنفال 72). { وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، (الأنفال 74).

ولا يكون ذلك إلا بجعل هم الدين والثورة همنا الأول والأساسي، وأن نبذل كل وأغلى ما نملك من الأرواح والممتلكات والطاقات والقدرات والإمكانيات ونسخرها في دعم الثورة صادقين مع الله ومع أنفسنا كلٌ بما يستطيع.

خامسا: من أسباب النصر: الاعتصام بحبل الله والوحدة والاجتماع {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، (آل عمران 103).

عدم التنازع والاختلاف {واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، (الأنفال 46). وإصلاح ذات البين والتوفيق بالأسلوب الحسن {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}، (الحجرات 10). وما أحوجنا لتطبيق ذلك وممارستها فعليا على أرض الواقع بشفافية وروح أخوية إسلامية.

التناصح والنصيحة بين جميع المخلصين العاملين (الدين النصيحة.. لله وكتابه ورسوله ولعامة المسلمين وأئمتهم).

التشاور وإبداء الرأي واختيار الأنسب وما يخدم مصلحة الثورة {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، (الشورى 38).

الحديث المباشر والحوار الشخصي المباشر والتخاطب بين المعنيين وجها لوجه بل حتى إن لزم العتاب واللوم فليكن مشافهة وبشفافية كي لا يفتح مجالاً للريب والشك واتساع الشقة والفجوة بين الإخوة، وعدم السماع للمرجفين والمغرضين ومن يثيرون الشائعات ويبثون الفرقة بين المسلمين.

التثبت من نقل الأخبار وعدم بثها إلا بما ينفع الأمة {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَـالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، (الحجرات6).

الأصل المسلمون ثبت عدل ثقات ما لم يثبت دليل عكس ذلك، والأصل الثقة والصدق في التعامل بين جميع الأطراف والفصائل من المسلمين.

سادساً: فقه الأولويات والضروريات وتطبيق قواعد فقه المصالح والمفاسد خاصة في هذه المرحلة الحرجة، فالاتفاق واجب شرعي على تحقيق مصلحة كبرى ودرء مفسدة عظمى ألا وهي إسقاط النظام ومحاربة المجرم السفاح وعصاباته وشبيحته وتأجيل خلافات جزئية فقهية وربما منهجية وتبيان الطريق الصواب والمنهج السليم والصراط المستقيم ومحاولة جمع الشمل ورأب الصدع وتحقيق بعض المصالح خير من عدمها ودرء مفاسد كبيرة خير وأفضل من جلب مصالح ضئيلة وهذا يساعدنا في كيفية التعامل.

وطريقة الوصول لتحقيق الأهداف فقد قاتل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التتار مع مخالفيه من الصوفيين والمعتزلة وغيرهم وقاتل أبو إسحاق الفقيه الروافض العبيديين تحت راية أبا يزيد الخارجي.

سابعا: الثبات وعدم التراجع والاستمرار في مقارعة العدو {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}، (البقرة 193). وأن التراجع طريق الهزيمة والصبر والثبات سبيل النجاة والنصر.

ثامنا: التضرع والدعاء واللجوء لله كما كان نبينا عليه السلام يدعو ربه ليلة بدر حتى تورمت قدماه طالبا منه نصر الثلة المؤمنة.

تاسعاً: مفهوم النصر وحقيقة الانتصار: وليس بالضرورة حصول التمكين كما سيأتي، لقد انتصر سحرة موسى وقد قطعت أرجلهم وايديهم من خلاف، وانتصر الغلام وقتل بسهام جند الملك حين نطقوا حين رميها باسم رب الغلام حيث دلهم على طريقة قتله بعد عجزهم عن ذلك في محاولات عديدة، وقد انتصر أهل الأخدود وقذفوا به، ووالله لنصر عظيم عودة ورجوع الكثيرين من أهل الشام لربهم ودينهم {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، (الذاريات 56). وفضح النظام وزبانيته أمام عامة الناس بعد خداعهم خمسة قرون، ووالله لنصر كبير كشف القناع عن نصر اللات وحزب الشيطان بل الشيعة قاطبة ومذهبهم وإيضاح زيف منظمات أممية وحقوق إنسانٍ خادعة منافقة مزيفة وكذلك فضح زيغ أصدقاء عدو الشعب السوري من شرق وغرب وناتو عداك عن إزالة القناع عن الدب الروسي والذئب الإيراني والتنين الصيني.

عاشراً: عدم الاستعجال والتأني في أخذ القرارات وحسن التخطيط في مسار هذه الثورة ودراسة الأمور بموضوعية نظراً لخبث ومكر النظام وأعوانه.

وأشد ما تكون هذه الوقفات بحاجة من وعي وتفهم وتبصر من قادة الكتائب الجهادية الذين بعد الله عز وجل تتطلع إليهم الأنظار والآمال بتسطير بطولات النصر المؤكد بإذن الله.

8- سنة الصبر: فقد وردت كلمة الصبر حوالي تسعين مرة في القرآن دليلا على أهميته {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، (الأنفال 46). فعلينا التحلي بالصبر على فداحة المحنة وعظم المصائب وجور النظام وتآمر العالم ضدنا والتخاذل الدولي ويكون بتعود أنفسنا بالاستعانة بالله بالصبر على هذه الشدائد والصبر على الطاعات والصبر طاعة {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، (الزمر 10). {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، (آل عمران 200).

9- سنة التمكين: والذي يأتي غالبا بعد النصر {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا سْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْـًئا}، (النور 55). {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، (الأعراف 128).

انتصرت الثورة الجزائرية بعد التضحية بمليون شهيد ولم يمكن لجمعية علماء الجزائر ولا الإسلاميين التمكين للآن، بل حوربوا وقتلوا وانتصر شعب تونس وفازت حركة النهضة بالانتخابات لكن لم يمكن لا لها ولا للإسلام من الحكم، وانتصرت ثورة مصر المجهضة وفاز الإخوان واستلموا الرئاسة ووضعوا الدستور ولكن لم يمكنوا بل انتكست الثورة وذبح الإخوان كالنعاج وسجنت قياداتهم وعادوا للمحنة من جديد، وعادت الدولة الخفية والنظام العسكري للبطش والحكم مجددا، وقتل القذافي وسقطت امبراطوريته لكن لم يمكن لشعارات الإسلاميين الذين ضحوا بعشرات الألوف من أجل ثورتهم لتحكيم شرع الله أوحتى الوصول للحكم، هي هي الدروس أمامنا وما أظن إلا أن الله يريد أن يحقق للشعب السوري النصر ويليه التمكين لأنه بسقوط النظام النصيري الأسدي ستتهاوى معظم الأنظمة الاستبدادية الظالمة الطاغوتية وسيعلو صوت الحق بإذن الله، وينتشر العدل والسلام والإسلام بعد الإستفادة من الدروس والعبر والواقع المرير.

10- أخيرا السنة الربانية والتي من أجلها أرسل الله الرسل والأنبياء ألا إنها سنة الدعوة إلى الله عز وجل، وفي خضم هذه المحن والظروف لابد أن يستمر بالدعوة لتبيين المنهج الحق والصراط المستقيم وهي فرصة لعودة الكثيرين من العصاة والغافلين لمنهج الله الرباني والعودة لحظيرة الإسلام فلا يصرفنا الواقع والانشغال في المعركة عن هذا المسير وهذا السبيل الرباني ولا بد أن تسير الأمور جنبا لجنب {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، (الأنعام 162). {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، (الذاريات 56). {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى للَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَـانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، (يوسف 108). {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، (فصلت 33).

إننا بأشد الحاجة للتمعن بهذه السنن الربانية وبها نستطيع الثبات على الطريق الطويل حتى يتمكن النصر والتمكين بإذن الله، وأعتقد أن الفصائل المقاتلة في ساحات الوغى أشد ماتكون بحاجةٍ لفهم هذه السنن وتطبيقها سلوكا وواقعيا كي نصل جميعاً لشاطئ السلامة ويتحقق النصر المكتوب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

كيف قاد النبي ﷺ جيشه إلى النصر؟

لم يكن النبي ﷺ قائداً عسكرياً تقليدياً تلقى تعليمه في أكاديميات الحرب، لكنه كان خير …