حمزةُ من ذاك الجمال

الرئيسية » حصاد الفكر » حمزةُ من ذاك الجمال
Mabrouk Elhani

"حتّى نفدت ذخيرته".. نعم، حتّى نفدت وهو يقارع قوات النخبة من جيش الاحتلال مدجّجة بالسلاح والعتاد حين اقتحمت منزله في جنح الليل محتمية بالجدران خوفاً من ردّة فعل ذاك الشاب الأسد الهصور الذي ظلّ صامداً غير آبهٍ ببطش أو قوّة جنود الاحتلال، نعم، "حتى نفدت ذخيرته" وهو يتصدّى بكل بطولة وصمود متسلّحاً بعقيدة لا تلين مكنوزة في كل عرق ينبض فيه بالحياة الباقية في جنّة الخلد، وفي كلّ زَفْرةٍ ونَفَس طالما ردّدت "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وبتربية رصينة في محضن الأسرة المجاهدة، وبيت عزّ لا يعرف للخنوع طريقاً ولا إلى مفردات الاستسلام سبيلاً، نعم، "حتى نفدت ذخيرته"، فواجههم بصدره العاري مقبلاً غير مُدبر مستقبلاً أسمى أمانيه وهو يدافع عن أرضه؛ إنَّه الشاب ذو الاثنين والعشرين ربيعاً إنَّه الشهيد حمزة ابن القائد الحمساوي الأسير في سجون الاحتلال الشيخ جمال أبو الهيجا.

في أسرة صابرة مرابطة نشأ حمزة بين والدين مقاومين من الطراز الأوّل؛ حيث فنون التربية وأساليبها في أعلى مستوياتها، فلا كلام ينسيه الواقع، ولا واقع يخالفه الكلام، فأسرة الشهيد حمزة تربّت على الجهاد والمقاومة والصبر والمرابطة تنظيراً وممارسة وقولاً وفعلاً، ورضعت لبان الصمود والتحدّي مع عقيدة أنَّ الجهاد ماضٍ حتى دحر الاحتلال وتحرير الأقصى والمقدسات واسترداد الأرض ولا شيء يعلو فوق هذا الهدف، نمضي إلى تحقيقه ونقدّم أوقاتنا وأموالنا وأرواحنا رخيصة في سبيله.

 فوالده القائد الأسير جمال أبو الهيجا قضى ما مجموعه خمس سنوات ونصف السنة في سجون الاحتلال منذ عودته من الخارج في العام 1990، وكان مطارداً لجيش الاحتلال لأكثر من عامين قبل أن يعتقل بتاريخ 26/8/2002م؛ حيث صدر الحكم بحقه في تاريخ 11/4/2005م، من قبل المحكمة العسكرية الصهيونية بالسجن تسع مؤبدات، ولا يزال قابعاً في سجون الاحتلال يواجه إرهاب السجّان الصهيوني بصمود وقد احتسب إلى الله يده اليسرى التي بُترت بفعل الإهمال الطبّي المتعمّد والعزل الانفرادي والمعاملة غير الإنسانية.

أمّا والدته "أم العبد" فهي على ذات الدرب، حيث تعرّضت للاعتقال بعد اعتقال زوجها فداهمت قوات الاحتلال منزلها فظنّت يومها أنهم قدموا لاعتقال ابنها، فتفاجأت أنّهم قدموا لاعتقالها، فمكثت صابرة محتسبة صامدة في الاعتقال الإداري مدة 9 شهور، لم يراع فيها الاحتلال الأم التي فقدت زوجها وابنها وبيتها، وهي الأم التي صبرت على ألم فراق زوجها وأولادها وصبرت على ألم الأمراض وشدّتها وكلّها أمل بأنّه طريق النصر والتحرير، وهي إلى ذلك تتعرّض للتهديد اليومي -المزودج من السلطة والاحتلال- بالاعتقال وهدم المنزل إن لم يسلّم أولادها المطاردون من قبل الاحتلال والسلطة أنفسهم!

أخوه الأكبر عبد السَّلام ولم يبلغ 17عاماً إلاّ وهو يشارك في مقارعة الاحتلال والتصدّي لاقتحاماته، فاعتقله الاحتلال الصهيوني وحكم عليه بالسجن مدّة سبعة أعوام ونصف العام، أمّا أخوه الأصغر عاصم (19 عاماً) فكان مُطارداً لجيش الاحتلال حتّى اعتقلوه يوم 19/1/2006م من بيت أحد أقربائه، ولأخيه عصام قصصٌ مع الاستدعاء والاعتقال المتكرّر من قبل أجهزة أمن السلطة...

بنان شقيقة حمزة شاهدة على التنسيق الأمني وتبادل الأدوار بين أجهزة أمن السلطة وبين جيش الاحتلال الصهيوني في اقتحام منزلهم وتفتيشه بحثاً عن أجهزة اتصال أو حواسيب أو أشياء أخرى متعلّقة بأخيها حمزة، حيث يتسابق الطرفان في ترويع الآمنين وتخويفهم بقوّة السلاح وغطرسة الجبناء.

 وبيت العزّ والمجد الذي تحويه جدران هذه الأفئدة المؤمنة والعزائم الرّاسخة التي عجزت قوات الاحتلال أن تنال منها أوتكسرها أوتحدّ من عطائها المقاوم، لجأت إلى الهدم والقذف بالصواريخ والحرق الكامل، فلم تفلح هذه المحاولات، فتشريد عائلة أبو الهيجا بفعل هدم المنزل أو حرقه أو قصفه على الرّغم من أنَّ ربّ البيت في الأسر يعاني الألم والمرض إلاّ أنَّها ذريّةٌ بعضها من بعض تعاهدت على الصمود والمقاومة حتى التحرير والنصر.

قبل استشهاد حمزة كان يقول: "اعتقلت 5 مرَّات لدى السلطة، و3 مرات لدى الاحتلال، ولن تحلم إسرائيل أو السلطة أن اعتقل مجدّداً أو توضع القيود في يدي لأنَّ الموت أهون ألف مرَّة".. نعم، لقد صدقت فنلت أسمى أمانيك.. لقد صدق حمزة ونِعْمَ الصّدقُ الذي تربّى عليه آل أبو الهيجاء؛ صدق مع الله، وصدق مع النفس، وصدق مع القضية، وهي ثلاثية تثلج صدور المؤمنين وتغيض نفوس الحاقدين والمتآمرين.. استشهد حمزة جمال أبو الهيجاء.. لكنَّ مسيرة آل أبو الهيجاء ماضية في دربها الذي عبّد الوالد القائد جمال سبيله بالصمود والمقاومة والوالدة أم العبد بالصبر والاحتساب.. فهنيئاً لك الشهادة يا حمزة، وهنيئاً لكم يا آل أبو الهيجا شرف بذل النفس، فأنتم ذرية بعضها من بعض، أمَّا حمزة فمن ذاك الجمال.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …