إن المسلم لا يكتفي بأن يعرف الحق ولا يكتفي بالوقوف إلى جانب الحق وإثبات الولاء له، ولكنه مطالب دائما بأن يعمل على إقناع الناس للوقوف إلى جانبه ومعاونته بشتى الوسائل والأساليب.
قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ"، (النحل: 125- 128).
أ- فمن الدعوة بالقول:
- الدعوة إلى الله بالحكمة.
- الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة.
- الجدال بالطريقة التي هي أحسن.
ب- الدعوة بالعمل:
- الاقتصاد في المعاقبة على المثل.
- الصبر على مشاق المدعوين ومتاعبهم.
- صدق التوكل على الله.
- عدم اليأس من المدعوين.
- الصبر وعدم الضيق أوالحزن بما يمكر به الأعداء الدعوة.
ج- ومن الدعوة بالقدوة:
- تقوى الله.
- الإحسان.
فالقول هو الأصل في تبليغ الدعوة إلى الله، فالقرآن الكريم – وهو الذي حوى معاني الدعوة إلى الله – هو قول أو كلام رب العالمين الذي نزل به الروح الأمين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكان به تبليغ دعوة الله عز وجل "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ"، (التوبة: 6).
فلا يجوز للداعي إلى الله أن يغفل مكانة القول ولا أثر الكلمة الطيبة في النفوس، كما أنه نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، أي هو الجهاد باللسان.
ولتتم الفائدة فإننا نعرض هنا لآلية أو منهجية لاستفادة الداعية وتوظيفه لما هو مطروح في هذا الميدان سواء من خلال كيفية السماع أو القراءة والمشاهدة.
ولبيان كيفية السماع أو القراءة وليستفيد هو شخصيا ويوظف القراءة والمشاهدة لبيان الدعوة ونشر الفكرة يتبع الآتي:
1- حدد العناصر أو الأفكار التي دار حولها الكلام.
2- حدد الفكرة الأساسية لهذا الكلام أو ضع عنوانا مناسبا على رأس الكلام.
3- حدد قرب أو بعد أو مدى توافق هذا الكلام مع فكرتك.
4- حدد الإيجابيات التي خرجت بها والسلبيات التي تظنها.
5- قوّم السلبيات من وجهة نظرك.
6- استفد من تبادلك الرأي مع غيرك ممن شاركك السماع أو المشاهدة أو القراءة، وكذلك من أصحاب الخبرة والمشورة.
7- حدد كيف يمكنك الاستفادة من الإيجابيات وتقويم السلبيات أو ضع آلية للاستفادة من ذلك، وتوظيف هذه الاستفادات لصالح دعوتك ولصالح تحقيق أهداف رسالتك، وذلك على كل المستويات سواء مستواك الشخصي أو مستوى القائل أو مستوى السامع أو القارئ أو المشاهد أو مستوى العموم من الناس.
8- بادر بتنفيذ ما خرجت به من إجراءات للاستفادة سواء كان يتطلب ذلك اتصالا هاتفيا أو مداخلة فضائية أو رسالة إلكترونية أو تعليقا وحوارا نقاشيا وكل ما كان من هذا الباب سواء بالحوار الشخصي أو الاتصال بوسائل الإعلام والشخصيات الإعلامية، وذلك باشتراكك مع آخرين من أفراد المجتمع بأقصى جهد مستطاع.
فإن الداعي إلى الله وكل واحد ممن تم تفعيله من أبناء المجتمع حين يسهم بكتابة موضوع نقدي في الصحافة أو يقوم بإرسال رسالة ترد على موضوع أو تؤيد موقفا أو تستنكر مقالة أو أن يقوم بإرسال برقية إلى جهة أو يرفع سماعة الهاتف مستنكرا برنامجا سيئا أو مؤيدا لمحاضرة موفقة، أو أن يقوم بالكتابة إلى مسؤول يدعّم رأيه الجيد في موقف ويستنكر منه الموقف السيئ...
لأدت مثل هذه الأمور بإذن الله إلى الكثير من الخير، إذ سوف يتسلم الصحفي والإعلامي والمدير والمسؤول مئات بل آلاف من الردود أو المعارضة لموقف الشر فلعل ذلك يقود إلى الامتناع أو على الأقل للتوقف عن المزيد، ولا غرابة في هذا؛ فحتى الفاسق من الناس مهما كان سيئا فإنه بشر، وإن لم تمنعه الاعتراضات خشية من الله فربما يمتنع خوفا على مركزه أو حرصا على سمعته، أما سكوت الجميع عن الشر فسيقود إلى شر أكبر، كما أن عدم تشجيع المعروف ربما يقود إلى الزهد في إتيانه.
9- ضع لنفسك حدا أدنى لدورية هذا التفاعل سواء كان يوميا أو أسبوعيا أو غير ذلك حتى لا تتأثر المشاركة بما ينتاب الواحد من الناس من غفلة أو نسيان أو فتور أو انشغال على أن تضع في اعتبارك أن هناك أحداثا جساما لا ينبغي التأخر في التفاعل معها وتفعيلها بجدواها في أبناء مجتمعك وأمتك مهما كانت الظروف.
10- يمكنك اكتساب المهارات اللازمة لحسن الاتصال الفعال والحوار المثمر وحسن التفاعل مع الأحداث المختلفة على أيدي أصحاب الخبرة وأهل التخصص، وكذلك من ورش العمل بالاشتراك مع كل المهتمين في كافة المنافذ والمسارات.
وينصح الأستاذ مصطفى مشهور عليه رحمة الله في هذا الصدد فيقول: قد يحجم البعض عن دعوة غيره خشية الخطأ أو التلعثم وهذا عذر غير مقبول خاصة من رجل العقيدة على طريق الدعوة، وإني أنصح بالتزام الطريقة التالية التي من شأنها أن تجعل الأخ المسلم داعية من منزله دون التخرج من معهد ديني:-
المفروض أن الأخ المسلم يطلع ويقرأ الكتب للتعرف على أمور دينه وفقه دعوته، فأقول كلما مرَّ أثناء قراءته بمعنى جيد وتأثر به، عليه أن يضع علامة أمامه بالقلم وبعد انتهائه من قراءة الكتاب يسجل هذه المعاني الهامة التي أشار إليها في مجلد جديد ليسترجعها في دقائق كلما أراد، لأنه لن يستطيع أن يعيها في الذاكرة دون أن تتعرض للنسيان.
والخطوة التالية هي أن يبدأ في ممارسة الدعوة بأن يجتهد في استيعاب معنى من تلك المعاني ثم ينقل بلسانه إلى أحد إخوانه أو بعض منهم حتى يطمئن إلى أنه صار يمكنه نقله كاملاً دون تلعثم ثم ننتهز فرصة جمع قليل ويذكره لهم ويكرر ذلك في معان أخرى متعددة حتى يجد نفسه بعد قليل يستطيع أن يحدث جمعاً كبيراً في عدة معان دون تلعثم أو خطأ.
أما وسيلة العمل:
وهي إقامة أعمال المعروف وإزالة أعمال المنكر في المجتمع سواء بالأداء الشخصي الفردي أو الأداء المشترك أو الجماعي الذي يشارك فيه أكثر من واحد.
وهذا يعني أن الدعاة إلى الله والمنضمين إليهم من الناس عليهم أن يلجأوا إلى الأسلوب العملي القائم على تلبية احتياجات الناس كالمنشآت والمؤسسات الخدمية والمشاركة في كل أنواع وأشكال أعمال البر والخير.
فالدعوة إلى الله ليست مجرد كلام وإنما هي كلام وعمل وتنفيذ مواكب يتوازى في حركته وسيره نحو تحقيق الأهداف مع الكلمة والقدوة.
وما ينبغي لعامل في الحقل الإسلامي أن يستهين بعمل من الأعمال أو بمنشأة من المنشآت مهما كانت صغيرة ما دامت تحقق للمسلمين مصلحة أو تدفع عنهم مفسدة أو حاجة فإن (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).
وثالث وسائل العمل مع المجتمع وأهمها وأفعلها هي "القدوة" (المظهر والسيرة الحسنة): فمن الوسائل الهامة جدا في تبليغ دعوة الله وجذب الناس إلى الإسلام وتفاعلهم لصبغ مظاهر الحياة بالإسلام دائما، السيرة الطيبة للداعي وأفعاله الحميدة وصفاته العالية وأخلاقه الزاكية مما يجعله قدوة طيبة وصورة حية لما يدعو إليه، فيكون كالكتاب المفتوح يقرأ الناس فيه معاني الإسلام فيقبلون عليها وينجذبون إليها لأن التأثير بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من مجرد التأثير بالكلام فقط، فكما قيل: (عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل)، وأيضا رحم الله من قال: (الناس يسمعون بأعينهم).
والسيرة الحسنة والقدوة لهما أصلان كبيران هما: حسن الخلق، وموافقة القول العمل.
فمن فاته هذان الأصلان ساءت سيرته ونفرت كلمته، فالقدوة وسيلة ناجحة تضع الداعية إلى الله في صورة يقتدي بها المدعو ويرى فيه نموذجا جيدا.
ويحتاج الداعية إلى الله – لكي يعطي في دعوته القدوة الحسنة إلى أمور ضرورية وجوهرية نذكر منها:
1- عمق الإيمان وحسن الصلة بالله عز وجل.
2- دقة الفهم لعمله ولدعوته إلى الله عز وجل.
3- المداومة على العمل الصالح وحب الخير الناس.
4- التضحية بالوقت والجهاد والمال في سبيل الله والدعوة إليه.
5- التواضع لله والاعتراف بالخطأ والتقصير مهما منّ الله عليه به من نجاح في دعوته، إذ الكمال لله وحده.
6- حسن الخلق والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واتخاذ القرآن الكريم وما جاء فيه من صفات المؤمنين مرتكزا ومنطلقا للتحلي بالقيم الأخلاقية الإسلامية، وفي بداية سورة المؤمنون من الآية (1 – 11)، وكذلك في نهاية سورة الفرقان من الآية (63 – 77) فرصة جيدة للتأمل والتدبر في صفات المؤمنين ومحاولة التحلي بها فضلا عن ما ذُكر في مواضع متعددة من القرآن الكريم.
7- مراقبة الله عز وجل في كل قول وعمل يمارسه الداعي إلى الله؛ فإن المراقبة تولد في النفس خشية الله وتقواه التي تؤدي إلى الحب والإقبال على الله بالتقرب بالطاعات وترك المعاصي.
والحب يولد الرضا بقضاء الله وقدره، وكل تلك معالم رئيسية في شخصية كل من يتصدى للدعوة إلى الله والعمل مع المجتمع وإرشاده.
8- اتخاذ الإحسان مبدأ في الحياة وفي العمل وفي كل شيء يأتيه المسلم أو يدعه؛ لأن الإحسان قد كتبه الله على كل شيء وطالب به كل مسلم ومسلمة.
9- الاجتهاد وبذل ما في الوسع لأداء كل عمل فيه جلب مصلحة للمسلمين، ودفع ضرر أو مفسدة عن المسلمين بصفة عامة، فذلك أصل من الأصول في قواعد شريعة الإسلام.
وصايا نبوية لتحقيق الإقناع
الجود والكرم: هذا السخاء وذلك الجود يأسر القلوب ويطيب النفوس... فعن أنس رضي الله عنه قال: (إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى بلده وقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى فاقة ).
فانظر وفقك الله كيف أثر هذا السخاء النبوي على قلب هذا الرجل وجعل منه – بإذن الله – بعد أن كان حرباً على الإسلام أصبح داعية إليه.
وعن جابر رضي الله عنه قال: (ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا).
ومن الجود الهدية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا)، فالهدية باب من أبواب كسب القلوب وتنمية التآلف بينها.
الرفق: فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله).
بل الرفق مفضل على كثير من الأخلاق؛ لذا كان ما يعطيه الله لصاحبه من الثناء الحسن في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة أكثر مما يعطيه على غيره.. لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه).
ومن المواطن التي يتأكد فيها الرفق عند تقويم خطأ الجاهل.
وانظر الي هذه الصورة المعبرة في تقويم الأشخاص عند خطئهم والتي يملؤها الرفق والرحمة.
فعن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال (بينما أنا أُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوا الله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران).
أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال (فلا تأتهم) قلت ومنا رجال يتطيرون قال (ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم).
وفي الجملة؛ فإن الذي ينظر إلى هذه الوسائل يجد أنها لا تكاد تخرج عن دائرة الأخلاق، فالتزامها إنما هو التزام بالخلق الحسن الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا).
وقبل هذا وكله وبعده لا بد أن نذكرك بملاك ذلك كله وهو الإقبال على الله: الإقبال على رب القلوب ونيل محبته لحديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض)، وحسبك بداعية قد وضع الله له القبول في أهل الأرض، قال ابن حجر رحمه الله (والمراد بالقبول: قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه بالرضا عنه).
وزاد الإمام مسلم رحمه الله (وإذا أبغض عبداً دعا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض)، والعياذ بالله.
المنفرات
لا شك أن مساوئ الأخلاق عموماً من أشد الأمور تنفيراً للناس عن الداعية، إذا اتصف بشيء منها، بيد أننا سنخص بعض المنفرات لما لها من الأثر الكبير في تنفير الناس وانفضاضهم،ومن هذه المنفرات:
أولا: عدم مراعاة أحوال الناس وظروفهم.. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأمر فقال لمعشر الدعاة (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء).
فهي وصية من داعية هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام لجميع الدعاة بضرورة مراعاة أحوال الناس في ركن من أهم أركان هذا الدين؛ لذا فمراعاة الناس فيما دون ذلك مرتبة من العبادات والمعاملات من باب أولى.
وإليك هذه الحادثة التي تدل على أن إغفال هذه الوصية يؤدي إلى نفرة الناس وربما يسبب تركهم للعمل الصالح أو تأخرهم عنه.
كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه فلأخبرنه.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وأن معاذاً صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: (أفتان أنت؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا). وفي رواية: أفتان أنت ثلاثا؟! اقرأ الشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما).
ثانياً: التعلق بمتاع الدنيا وزخرفها: وهذا المنفر أصله حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نكسب الناس وننال محبتهم وذلك بالزهد فيما في أيديهم.
قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريما على الناس ما لم يطمع فيما بين أيديهم فحينئذ يستخفون به ويكرهون حديثه ويبغضونه.
وقال أعرابي لأهل البصرة من سيدكم؟
قالوا الحسن، قال بم سادكم؟
قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم.
فقال: ما أحسن هذا.
ثالثاً: الغلظة والفظاظة: وهذا المنفر أصله قول الحق عز وجل لسيد الدعاة عليه أفضل الصلاة والسلام (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، آل عمران الآية 159.
وما من شيء أشد تنفيراً للناس عن الحق والخير مثل دعوتهم إليه بالغلظة والخشونة.
ولقد انحسر أثر بعض الدعاة المخلصين في الناس ولم يوفقوا إلى إيصال ما لديهم من حق إلى عموم المسلمين وغيرهم لأنهم أخطأوا الأسلوب الذي يفتحون به قلوب الناس وعقولهم فغلب عليهم الجدل بالتي هي أخشن والمواجهة بالغلظة والحدة.
رابعاً: مخالفة القول العمل: ما أشد بغض الناس لداعية خالفت أفعاله أقواله وما أعظم نفرتهم؛ بل ما أكبر مقت الله عز وجل لهذه الصفة الخسيسة، حيث يقول عز وجل: (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، الصف 2-3.
ولقد أنكر الله سبحانه على أقوام يأمرون الناس بالبر ويدعون أنفسهم في غيها (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، البقرة الآية: 44.
ولذلك قال شعيب لقومه ما أخبرنا الله به حيث يقول الله تعالى على لسانه: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الاّ الإصلاح ما استطعت)، هود الآية 88.
ولكن لابد من الإجابة على شبهة يرددها بعض الناس نعرضها على شكل سؤال.. وهو هل يترك الداعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حالة عدم تمكنه من فعله؟
قال ابن كثير رحمه الله: فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قول العلماء من السلف والخلف.
وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف.
والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.
خامساً: التعسير والتعقيد: هناك فريق من الناس يبحثون عن كل صعب ومعسر ليقدموه للناس على أنه الإسلام، دون مراعاة ليسر الإسلام ورفعه للحرج عن الناس.
وهذا خلاف لما كان عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قالت عنه عائشة رضي الله عنها: "ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه".
ولما للتيسير – في حدود الشرع – من أثر في تأليف القلوب وزيادة ربطها بهذا الدين نادى الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاة قائلا: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".