التفاوض بالمال بين الآباء والأبناء.. وقفة تأمل

الرئيسية » بصائر تربوية » التفاوض بالمال بين الآباء والأبناء.. وقفة تأمل
الاطفال والمال

محمد النجار 5 سنوات اعتادت والدته على إعطائه مقابلاً مالياً عند فعل أي شيء تطلبه منه حتى بات "محمداً" لا يقوم بأي عمل ولو كان من ضمن واجباته اليومية إلا بعد أن يتفاوض مع والدته على المبلغ الذي يريده، وإلا فلن يكون من محمد إلا الصراخ والتخريب.

ولم تكن والدة "محمد" الأم الوحيدة التي تعاني من تصرف ابنها بهذا الأسلوب، فالكثير من الأمهات يعانين من تلك المشكلة.

فتقول نادية العلمي (28 عاماً): "لا أملك سوى ابن واحد ومن باب "التدليل الزائد" كنت دائماً أحث ابني "خالد" على فعل ما أريده مقابل أن أعطيه مبلغاً بسيطاً من المال، لكنه الآن أصبح عمره 13 عاماً ولم يعد يعجبه المبلغ البسيط وأصبح يطلب مبلغاً أكثر".

وتضيف كنت دائماً أتبع أسلوب "إذا عملت.... فسأعطيك ..."، منوهةً إلى أنها لم تعد تطيق هذا التصرف من ابنها وباتت تشعر أن ما يفعله ابتزاز ورشوة وليس تفاوضًا.

الواجبات تؤدى لأهميتها

من جهته، قال أستاذ الصحة النفسية بالجامعة الإسلامية بغزة جميل الطهراوي: "إن العديد من الآباء والأمهات يلجؤون لاستخدام المال كأسلوب جميلتفاوض مع أطفالهم وذلك لدفعهم على القيام بمختلف أنواع المهام المطلوبة منهم، أو لردعهم عن القيام بتصرفات معينة، مؤكداً على خطورة هذا التصرف من الناحية الاقتصادية والتربوية".

وأشار إلى أن التفاوض طريقة يمارسها طرفان عن قناعة وانضباط، فكلا الطرفين ينوي تنفيذ الجزء المسئول عنه في الاتفاق".

وأضاف أن ما فعلته "أم محمد، ونادية" يختلف كثيرًا عن التفاوض الذي يحمل في طياته يأسًا، "كأن تكون متوقعًا سلوكًا سيئًا، ثم تعرض مكافأة: "إذا لم تصرخ في المحل فسأشتري لك الآيس كريم"، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر رشوة وليست تفاوضًا".

وأكد أن التفاوض عادة تستخدم حين الرغبة في الحصول على مزيد من الحرية، من قبل الابن، كأن يقضي وقتًا أطول مع أصدقائه أو السهر وقتًا أطول مع الأسرة في المنزل وفي هذه الحالة لا بد من ذكر أن كل حرية يقابلها مسؤولية.

وأشار إلى أن التفاوض بفاعلية يعني أنك مستعد للتكيف مع رغبات ابنك الممكنة؛ وفي نفس الوقت لا تتوانى عن محاسبة المسؤول، وهذا يزيد من فرص التعاون بين الطفل والأهل مستقبلاً.

وأكد الطهراوي على أنه يجب تعليم الطفل أن تنظيف الغرفة أو أداء الصلاة أو أداء الواجبات الدراسية، جميعها مهام ضرورية لبناء شخصية ومستقبل الطفل، وبالتالي يجب تأديتها بحوافز غير مالية، كالتشجيع المعنوي، والقدوة الحسنة، مشيراً إلى أن ارتباطها بالمال سيء قد يدفع بالطفل إلى التخلي عن أدائها بمجرد التوقف عن إعطائه المال.

التفاوض بالمال يزرع مفاهيم خاطئة

وذكر الطهراوي أن الطفل قد يلجأ إلى التحايل على والديه في سبيل الحصول على المزيد من المال، وذلك بأن يتعذر بأنه منهك أو تعب، الأمر الذي قد يضطر الأب أو الأم لإعطائه المزيد من المال لحثه على القيام بالأمور الواجب عليه القيام بها بلا مال أساساً.

وشدد على أن تعامل الوالدين بإعطاء مقابل مادي لأطفالهم مقابل القيام ببعض الأمور يعمل على زرع مفاهيم مالية خاطئة، حيث ينشأ الطفل على مبدأ أني سأحصل على مال بمجرد قيامي بواجباتي الأساسية، وبالتالي فإنه سيستصعب القيام بالأمور الإضافية أو التطوعية لأنها غير مفهومة بالنسبة له، الأمر الذي سيولد لديه مفهوماً مالياً خاطئاً على المدى الطويل.

وتساءل الطهراوي قائلاً:" إذا تعود الطفل على إعطائه المال في كل أمر يقوم به، فما الذي سيحصل إن لم يستطع الوالد توفير مال كاف مع مرور الوقت؟ هل سيبدأ عندها بتعليم أصول وآليات الحصول على المال بالطرق المشروعة".

وحث الطهراوي على ضرورة أن يقوم الطفل بواجباته حبا بوالديه وقناعة بكلامهما، وليس رضوخا للمال.

خطوات تنمية الذكاء المالي للطفل

وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي محمد مقداد: "إن مصروف الطفل اليومي أو الأسبوعي خير وسيلة وأفضل طريقة للبدء بتعليمه إدارة المال مقدادوإنفاقه، ويمكن للوالدين من خلاله إرشاد طفلهم إلى الطريقة المثلى للإنفاق والتوفير، بشرط احترام رأيه واستقلال ذمته المالية - الخاصة بمصروفه - وتحديد مسؤولياته، وجميع قراراته وطلباته الشخصية.

ولفت مقداد إلى وجود خطوات يمكن من خلالها تنمية الذكاء المالي للطفل لتضع قدمه على أولى درجات السلم الصحيح لإدارة المال، قائلاً: "لابد من تعليم الطفل أن المال الذي يأخذه من والديه قد كلفهما جهداً كبيراً من أجل تحصيله"، مضيفاً أن "أفضل طريقة لتعليم الأطفال كيفية استخدام النقود تتمثل في إعطائهم بعض الأموال، فإذا قاموا بإنفاقها على الحلويات ولم يتبق منها شيء لشراء لعبتهم المفضلة فهذا أمر جيِّد، لأنهم بذلك يتعلمون، وبشكل مباشر، نتيجة الإفراط في الإنفاق".

وتابع: "لابد من غرس فكرة أنّ الانتظار يؤتي ثماره لاحقاً، إلى جانب تعليمهم تأجيل شراء الأشياء غير الضرورية، لأن ذلك يساعدهم مستقبلاً على تجنب الوقوع في مستنقع بطاقات الائتمان التي تغرس مبدأ “اشتر الآن وادفع لاحقاً”.

وأردف قائلاً: "ينبغي على الوالدين أن يكونوا نموذجا مثاليا لأطفالهم لمساعدتهم على الحدّ من عمليات الشراء التي يقومون بها، "فقبل ذهابك إلى التسوق، يمكنك تحديد ميزانية للإنفاق، وإخبار طفلك بأن هذا المبلغ هو الجزء المسموح بإنفاقه من المدخرات لهذا الأسبوع، وبذلك يكونوا قد تعلموا كيفية التخطيط للشراء"، على حد تعبيره.

أهمية الادخار

وشدد مقداد على أن "الادخار" شيء جيِّد، "فإذا رغب الطفل في شراء لعبة، وليس لديه المبلغ الكافي، فاطلب منه أن يقوم بالتوفير، من أجل شرائها، وعندما يجمع المبلغ كاملاً اصطحبه لشراء اللعبة، واطلب منه دفع النقود بنفسه، وهكذا لن ينسى أبداً تلك المشاعر الرائعة، وجهوده في التوفير التي ساعدته على تحقيق أهدافه.

وبين مقداد أنه يجب على الطفل معرفة الطريقة التي أنفق بها أمواله، قائلاً: "يمكن للأب أن يقوم بشراء دفتر متميز، ثم يطلب من ابنه إنشاء صفحة خاصة على الحاسوب لتسجيل كافة المصاريف التي يدفعها، ومن ثم يقوم بإهدائه محفظة صغيرة يمكنه الاحتفاظ بكافة الفواتير في داخلها".

وأكد على ضرورة "المشاركة"، قائلاً: "يجب أن تساعد طفلك على التبرع بجزء من مصروفه لأعمال الخير، وذلك كي يتعلم أنّه يستطيع استخدام النقود لمساعدة الآخرين، وليس لمجرد شراء الأغراض، ذكره بأنّ التبرع، ولو بمبلغ صغير، يمكن أن يشكل نقطة مهمة في حياة الناس من حوله".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …