ما زلت منحازا إلى فكرتين أساسيتين:
أولاً- أن أخطاء مرحلة الرئيس مرسي ليست الدافع إلى الانقلاب، وأن الانقلاب العسكري كان مواجهة لا مناص منها في إطار الصراع بين امتلاك العسكر للدولة وبين عودتها للشعب.
ثانيًا- أن الوضع المصري هو الأفضل بين ثورات الربيع العربي، حيث فتحت كل الملفات وتمت المواجهة، فرغم تقديرنا للمواءمة التونسية ودعائنا لهم بالتوفيق، إلا أن الصدام قادم لا محالة، والعلمانية المسنودة بالخارج وبمؤسسات الداخل لن تتعايش أبدا مع الإسلاميين، وليبيا تنتظر سندا مصريا وإلا ستصبح شوكة استعمارية في الشمال الأفريقي، واليمن تحتاج لثورة، وسوريا قُدِّر لها ما لم تُرِدْه ونتمنى أن تجني ثمارا طيبة بعد طول تضحيات وصمود.
والحقيقة أنه كما تنتظر ثورات الربيع فى ليبيا وتونس وسوريا واليمن نجاح الثورة المصرية، فإن الثورات المضادة في هذه الدول تترقب أيضا نجاح العسكر بفارغ الصبر، فمازال الدور المصري محوريا.
لقد أتت الثورة المصرية على العسكر عفوية، وأجمعت عليها الحشود دون انتظار رأي قيادة ولا توجه أي فصيل، مما يؤكد أنها حركة شعبية تلقائية تعرف تماما التضحيات المتوقعة، وبذلتها وما زالت.
وهنا نسأل: لماذا النهج الثوري هو الخيار الاستراتيجي؟
والإجابة في الآتي:
أولا- كان العسكر يريدون دخول فصائل المقاومة بقيادة الإخوان تحت الأرض، وانتهاج العمل السري، وجاءت حساباتهم خاطئة تماما، فأتى الرد عكسيا، وعبرت المقاومة عن نفسها بالثورة في رابعة النهار، وأصبح العسكر هم الذين يتآمرون سرا، وطلق الإسلاميون والوطنيون سرية العمل إلى الأبد وارتضوها معركة صفرية، فزلزلوا الانقلاب، ولم يُجْدِ معهم القتل ولا القمع ولا سموم الإعلام وأكاذيب السلطة.
ثانيا- أن كل ملفات الفساد واغتصاب السلطة قد فُتحت مرة واحدة، ولم تعد غائبة عن الأعين، فالعسكر يقتلون أبناء الوطن المكلفين بحمايتهم، والشرطة تتوحش ويظهر عجزها، والقضاء سقطت عدالته، وإعلام البترودولار يُفضَح حين يدافع عن سلطة تدمر الوطن، ورجال الدولة المزعومون يظهر عجزهم أمام مشكلات الوطن.
كل الملفات.. كل الملفات.. فتحت، فهذه فرصتنا كشعب أن نحافظ على هذا المكسب الرائع وألا نضيعه كما ضيعناه في 11 فبراير، وأن نتحمل تضحيات البطش العسكري حتى تكون الحلول نهائية، وبدون مواءمات ولا تنازلات، فالتفاوض سيكون بين الشعب والشعب، والمائدة لن يكون عليها عسكر، ولن يتحدث أحد باسم الشعب من الآن، ولكن الأوامر ستأتي من الميدان.
ثالثا- الوقت في صالحنا:
ليس هناك متسع لدعوة الناس إلى صحيح الدين، نعم، ولا تقديم الخدمات لضعفائهم، نعم، ولا تطبيق المناهج التربوية على الصف، نعم.
هذه وغيرها هواجس تمر على عقول أبناء الدعوة، والحقيقة أننا نصنع كل هذه الخيرات حين نسوق المجتمع إلى حكم رشيد يلتزم بالحرية والعدالة الاجتماعية والهوية الوطنية، ونكون جميعا عونا له، ثم نعود إلى كل هذا أقوى مما كنا.
كذلك فإن أعظم التربية، أن تواجه الباطل كل يوم، وأعظم الرجولة التوحد ضد الطغاة، وأعظم الأخوة أخوة الميدان، وأعظم التضحية استنقاذ شعب مخدوع.
في شهور قليلة منحنا الله هذه النفوس الكبيرة القدر الصغيرة السن، التي عرفت طريق الألم وفقد الأحبة، وهي أعظم جيل تقدمه ثورتنا لوطننا، جيل صلب قرأ الواقع بعينيه، وواجه أكاذيبه، يحترم دون تقديس، ويحب دون عماء، ولا يصادق إلا الحقيقة، ويشفق على شعب يصدق أن الحاني عليه إرهابي!
رابعا- المعادون للثورة هم أعداء كل ثورة:
فمن الداخل كلما ابتعد الناس عن مركز الجذوة الثورية قل ولاؤهم لها، حتى نصل إلى مسافة بعيدة ينقلب أصحابها إلى عداوة تتلبس بالمنطق ولا منطق لها، لكنها حسبة (أكل العيش)، لذا فهؤلاء لم يعودوا يزعجون الثوار، فلقد خبروهم، وأيقنوا أنهم مع الوقت سيلحقون بالثورة أو تلحقهم هى.
أما المرابطون بمصالحهم مع العسكر فهؤلاء خصوم استراتيجيون، لكننا ندرك تماما أن كل الثورات الناجحة كان لها خصوم من الداخل وخصوم دوليون، ولم يستطع أحد أن يقف أمام إرادة الشعب، هذه كلمة التاريخ، فأين أمريكا وإنجلترا المساندتان للشاه الإيراني؟ وأين الحكومة الفيدرالية من الزنوج الضعفاء؟ وأين العالم الأبيض كله من ثورة جنوب أفريقيا؟ وأين وأين؟
خامسا- النصر في الميدان وليس منحة العسكر:
ونحمد الله أن كل شائعات المخابرات كانت خاطئة، فمنذ إشاعة انحياز الجيش الثاني للثوار، أو الانشقاقات داخل المجلس العسكري، أو اغتيال السيسي، أو تفكك التحالف الانقلابي، أو رفض أمريكا وأوروبا للانقلاب. كل هذه شائعات تعلق بها بعض الثوار لحظات أو أياما، وتلاعبت بمشاعرهم، لا ننكر ذلك، ونحمد الله أنها كانت خاطئة، حتى يأتي النصر بيد الثوار، فينحاز الجيش مرغما إليها، وترفع الدول المتآمرة يدها عنها جبرا لا اختيارا، ويخضع متآمرو الداخل للمد الثوري فلا يصادمونه مرة أخرى.
الآن ينتظر الجميع نتائج المعركة، وسيكون المهزومون مهزومين إلى غير رجعة، ويكون المنتصرون منتصرين بغير تهديد، وتعود للشعب قدراته وحريته وكرامته.
اختيار صعب، نعم، أتت به أخطاؤنا، أو فرضه تآمر العسكر...أو أو... لكنه – في النهاية - منحة فرضتها يد القدرة الإلهية وقد استجبنا لله ولن يضيعنا.
مكملين... لا رجوع...
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- بوابة الحرية والعدالة