لماذا كل هذا؟ سألني ذلك السفير الروسي، وغيره الكثير، قلت: هناك عدة أسباب، نستطيع أن نوردها، وقد يكون أحدها أو بعضها أو كلها:
1- اختلاق عدو خارجي، لتوحيد الجبهة الداخلية حوله، وجعل الناس يعتقدون أن مشاكلهم تأتي من خارج الحدود، وليس من داخل البلد. وهذا هدف في السياسة يمكن تفهمه، خاصة اذا كان العدو ذا كيان هش، لا يقدر على المواجهة، أو لا يستطيع أن يدافع عن نفسه.
بعد الحرب الباردة جعلت الولايات المتحدة الامريكية بن لادن عدوها المركزي، وباتت تطارده في كل مكان. وهذه مسألة لا نستطيع حيالها فعل شيء، الا التذكير بأننا لا يمكن أن نكون عدواً محتملاً، فمصالحنا وتاريخنا وعلاقاتنا تأبى ذلك، حتى لو فرضت علينا، فرضًا، فلن نقابل السيئة بمثلها.
2- ارتباط "حماس" بالإخوان: من المعلوم أن الهجوم على "الإخوان" بدأ مبكراً وتأخر الربط بيننا لبعض الوقت وهذا الأمر ليس بالجديد، فلم يقل أحد غير ذلك. وإن غابت العلاقة العضوية التنظيمية، بل إن منهج "الإخوان" إصلاحي، دعوي خيري، أما "حماس" فحركة وطنية فلسطينية مقاومة، تواجه احتلالاً لأرضها، وشعبها لاجئ مشردّ، فأولويات "حماس" الوطنية بعيدة عن أولويات بقية "الإخوان"، في أقطارهم المختلفة، وكما يعلم الجميع فإننا أقمنا علاقات ممّيزة مع الحكومة السورية، وهي معادية للإخوان، بل تحكم قوانينها عليهم بالإعدام.
3- التزامات تجاه الصهاينة، أقلها الاتفاقيات الموقعة، وحركتها والضغوط الأمريكية، وكلنا يعلم أن ضغوط الصهاينة والأمريكان لا تتوقف على مصر والعرب، حتى تُنبذ "حماس" ويبقى حصارها.
4- "حماس" والفلسطينيون الطرف الأضعف والهجوم عليهم والاتهامات لهم، بل إيذاؤهم، لا يترتب عليه ضرر داخلي في مصر، تخيل لو حدث هذا مع أي قطر عربي، خاصة إذا كانت فيه عمالة مصرية ظاهرية، خذ مثلا الخلاف مع الجزائر على الكرة، كم كلّف مصر من خسائر في الاستثمار والعمالة المصرية؟ أما نحن، فالمثل المصري يقول (الحيطة الواطية) هؤلاء هم نحن.
5- هروب بعض الأجهزة من تحملها لمسؤوليتها، وأسهل شيء فبركة الاتهامات والإكثار من الإشاعات وفتح بوابة القنوات الفضائية، وأضرب لذلك أمثلة:
- ابتدأت حكاية اتهام "حماس" بتفجير كنيسة القديسين، وثبتت براءة الحركة، وكذلك بقتل ثوار 25 يناير، وتسريبات المكالمات المفبركة، وقضية اقتحام السجون، التي حققت فيها لجنة تقصي الحقائق، ولم تذكر كلمة واحدة عن "حماس"، سوى هتاف بعض البدو لها أمام سجن وادي النطرون، الذي ليس فيه أي أجنبي، حسب شهادة الدكتور سعيد محمد عبد الغفار، الواردة في تقرير لجنة تقصي الحقائق، التي شكلها المجلس العسكري.
- اتُهمت "حماس" بقتل الجنود في رفح والشيخ زويّد، ثم ألقوا القبض على القاتل، حسب بيانات الجيش المصري ووزارة الداخلية.
- حادثة الاعتداء على المستشار الزند، واتهام خمسة شباب بأنهم من "حماس"، وبعد ذلك تبين كذب الادعاء، وأنهم مصريون، إلا واحدا، كان مصرياً من أصل فلسطيني، وليس له انتماء سياسي.
- السبعة المرحّلون من مطار القاهرة، واتهامهم واتهام "حماس" بحمل خرائط وصور لأماكن استراتيجية، ثم تبين غير ذلك، وتم تسفيرهم إلى غزّة.
- الادّعاء بإرسال "كتائب القسام" مرة 300 عنصر ومرة أخرى 7000 عنصر، لحماية د.مرسي، وقصر الاتحادية، ثم غاب الخبر لانتفاء الأثر، ولم يوجد عنصر واحد من "كتائب القسام" في مصر، ولم يشاهد أحد هذه الآلاف.
- فتنة الخصوص، والكاتدرائية بالعباسية، واتهام "حماس" و"كتائب القسام"، ثم يقدم للمحاكمة غيرهم ممن تسبب فعلاً، في الحادث، ثم سكت الصحافي الذي أطلق الإشاعة.
- خطف الجنود السبعة، سرعان ما اتهم الخبراء العسكريون "حماس" باختطافهم، وتبيّن، بعد إطلاق سراحهم، غير ذلك.
- ومن النماذج التي تداولتها الصحف ووسائل الإعلام المصرية المسموعة والمرئية، قصة الفلسطينيين الأربعة، من عائلة حجّاج وعيّاد، والادعاء أنهم من "حماس"، وتم إلقاء القبض عليهم، وبحوزتهم سلاح ومتفجرات في المقطم، بمقر جماعة "الإخوان المسلمين"، وتبيّن كذب ذلك.
- ادّعوا كذلك أن حراس المرشد، عند ظهوره في ميدان رابعة، كانوا فلسطينيين، وسمّوا ثلاثة منهم، على أنهم من "كتائب القسام"، وتم القبض على المرشد، ولم يكن معه أحد، وتبين بعد ذلك أن بعض الأسماء المذكورة لم يدخل مصر، إطلاقاً، وأحدهم مر عبر مصر متوجهاً للعمرة.
- اتهم البعض "كتائب القسام" بحماية "رابعة" واعتلاء العمارات، وزعموا وجود فلسطينيين كُثرُ في الاعتصام، ولم يعتقل، ولم يتهم أي فلسطيني، عوضا عن كونه من "كتائب القسام"، وبشهادة وزير الداخلية نفسه، بعد فض "رابعة".
- ردّد بعض الخبراء الأمنيين والإستراتيجيين مقولة اختباء قادة "الإخوان"، مثل محمود عزت، وأسامة ياسين، وعصام العريان والبلتاجي، في غزة، وتبين عند اعتقال بعضهم، كذب الرواية وسخفها.
- ومثال آخر، ما نشرته "الأخبار" الجريدة شبه الرسمية بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 2014، من أن حركة حماس قامت بإرسال "كتائب القسام" بقيادة المجاهد أحمد الجعبري، إلى مصر، لتخريب احتفالات الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير المجيدة، مع العلم أن الجعبري استشهد في شهر 11/2012.
- وما يشاع، أخيراً، من أن الرصاص المستخدم في قتل الثوار هو الرصاص الذي أرسلته مصر للشرطة الفلسطينية، في 2007، وللأسف هذا الرصاص وجّهته الأجهزة الأمنية التابعة لحركة فتح إلى صدور إخوانهم أثناء الفتنة الداخلية، ولم يُسلّم لحماس منه شيء، والرصاص بأيدي مقاومينا ليس رصاصًا مصرياً قطعاً، وغيرها الكثير.
6- الخلافات الداخلية الفلسطينية، وكون مصر الراعي للمصالحة، وهم أكثر الأقطار تأثيراً في الساحة الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة، فقد تم تسريب المئات من الأخبار الكاذبة، والروايات المزعومة، وتم نشر مئات من هذه التسريبات.
وتم ذلك، سواء بالاطار الحزبي أو الإطار الرسمي، فسفير فلسطين، مثلاً، لا تمر حادثة إلا ويدعو "حماس" إلى عدم التدخل في الشأن المصري، وهو يعلم ألا علاقة لحماس بالشأن الداخلي، ولكنه لمز من طرف خفي، وكذلك يفعل الرئيس الفلسطيني، فهو لا يكل عن دعوة "حماس" بعدم التدخل في الشؤون العربية، ولعله أيضاً، يعلم من هم الذين يتدخلون في الشأن العربي، ويؤيدون أطرافاً على حساب أطراف اخرى.
وهناك فئة أخرى، ألفت النفاق، طلباً في الرضى، على حساب شعبهم ومبادئهم، ووالله إن من يفتحون لهؤلاء القنوات الفضائية والجرائد لا يرضون لهم هذه الوقفات، ويستهجنون تلك المواقف، لأنه في النهاية، المتضرر الوحيد من كل ذلك هو الشعب الفلسطيني.
"حماس" أيها الأخوة، ممنوعة من دخول مصر، منذ عقود، ولا ندخلها إلا بالتنسيق الأمني، حتى في فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي، ولا وجود لحماس في مصر، لا مكاتب ولا مؤسسات ولا مراكز معلومات، والشعب المصري لا يميّز بين "فتح" و"حماس"، والدليل على ذلك ما حصل مع سائق نبيل شعث، حيث سجن أسابيع بتهمة "حماس" وهو مصري، ولكنه كان يحمل كوفية مكتوبا عليها "حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) إقليم مصر"، فضرب ضرباً مبرحاً على أنه جعل مصر إقليماً عند "فتح".
إلى ذلك، هناك من يناشدنا بأن نعلن انتماءنا الوطني، ونبتعد عن تنظيم "الإخوان" الفلسطيني، ذلك التنظيم الذي أُنشئ في فلسطين عام 1936، ولازال ممتدًا، حتى يومنا هذا، وهو تنظيم مستقل، إدارياً وتنظيمياً، وقيادةً وأعضاء، ولم نتعامل مع "الإخوان المسلمين" في مصر، إلا من خلال قنوات الدولة الرسمية، فإن هي سمحت اتصلنا بهم وبغيرهم، وإن منعوا امتنعنا.
7- ما اعترف به أخيرا محمد دحلان بأن له رجالاً وطنيين في مصر، وأنه هو من ساهم في تقويض "الإخوان" في مصر والخليج، وأنه يقدم المساعدة في هذا الصدد، وهذا صحيح لأن مجمل ما عند الإمارات من تقارير يزودهم بها دحلان، وتم تمريرها إلى الإخوة في مصر هنا، وكانت هذه المعلومات لدينا معلومات يقينية، ولكن بعد أن ذكرها محمد دحلان بنفسه، في دفاعه عن ذاته، بعد اتهامات أبو مازن له، باتت دليلاً على من يتدخل في شؤون الآخرين.
8- وجود علاقة بين ما يحدث في سيناء وبعض المتطرفين في قطاع غزة، والعلاقة قد تكون تدريباً أو تسليحا أو معلومات، أو غير ذلك، و"حماس" مسؤولة عن قطاع غزة. وبحكم الأمر الواقع، هي مسؤولة عن كل ذلك، فهي مطالبة ببذل كل الجهد لسد كل ضرر، يأتي من القطاع، وهذه مسؤولية "حماس" عليها أن تتحملها وتقوم بها، وهي تفعل ذلك. ولكنها لا تستطيع ضمان الأمن 100%، حتى إن بذلت من الجهد أقصاه.
9- غسل اليد من القضية الفلسطينية (مالنا ومالهم)، و(واللي يلزم البيت يحرم على الجامع)، و(عندنا ما يكفينا من المشكلات)، وأرجو أن أكون مخطئاً في كثير مما ذكرت.
في النهاية، أروي طرفة لصعوبة حقيقة ما يشعر به الفلسطيني، ذلك أنه جاء إبليس ينصح ابنه، قائلا: يا بني لا تظن إغواء البشر بالأمر اليسير… إغوه بالنقود، إذا كان فقيراً، وإذا قام للصلاة ذكّره بدفء السرير، وإذا كان مزارعاً اذكر له سرقة الحمير، وإذا كان مهندسا أغوه بالإسمنت والجير. فقال ابن إبليس الصغير، يا أبتي وإن كان فلسطينياً؟
فبكى إبليس الكبير وقال لابنه لا تكن شريراً، دع الفلسطيني فأمره عسير، وفي دنياه يعيش في سعير، دعه يا بني فعمره قصير.