بين المظهر الداخلي والخارجي .. هل ينخدع المربي؟

الرئيسية » بصائر تربوية » بين المظهر الداخلي والخارجي .. هل ينخدع المربي؟
view_1368815435

في حقل التربية على منهج الإسلام يواجه المربي كثيراً من المشاكل في طريقه لإنشاء جيل رباني على منهج الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وربما من أخطر هذه المشاكل انخداع المربي ببعض المظاهر التي يظن من خلالها أنه وصل لمراده من المتربي، وليس هذا انتقاصاً لهذه المظاهر أو أنكاراً لها فبعضها قد يكون فرضاً من الفروض أو سنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولكنه لا يدل على أن المتربي قد وصل في جوهره للالتزام الحقيقي بأحكام الإسلام، ومما يعمق هذه المشكلة أن كثيرا من المتربين خاصة في أول طريق الالتزام يقدم تغيير ظاهره على جوهره.

وهناك عدة صور لتغيير مظهر الإنسان الخارجي وقد ينخدع من خلالها المربي، وهنا لست في صدد حصرهذه الصور بل ذكرها كأمثلة يمكن القياس عليها:

الصورة الأولى: تغيير المظهر الخارجي المتعلق بجسد الإنسان: فقد تخدع من أحدهم قد أطال لحيته وقص شاربه - وهذه سنة لا تنكر– وتجد هذا الملتحي ارتكب المنكرات والموبقات، ولربما استخدمها من هو ممتهن الاحتيال أو التسول لسهولة انخداع الناس بمظهره، ولا شك أن أياماُ قليلة كفيلة بتغيير هذا المظهر.

الصورة الثانية: تغيير المظهر الخارجي المتعلق بلباس الإنسان: فمثاله من لبس الثوب وقصّره للذكور أو لبس غطاء الوجه للأنثى، ولا شك أن تغيير هذا المظهر لا يأخذ وقتاً طويلاً ولا جهداً كبيراً، من قبل المتربي.

الصورة الثالثة: القيام ببعض العبادات والطاعات الظاهرة التي هي مؤشر على الالتزام ولكنها ليست يقينية في ذلك، فعلى المربي أن لا ينخدع من قيام المتربي ببعض الطاعات الظاهرة: مثل الالتزام بالصلاة وإظهار الصيام وحمل بعض الوسائل التي تدل على ذلك مثل المسبحة والسواك وغير ذلك.

الصورة الرابعة: حفظ النصوص أو المتون الشرعية سواء أكانت من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم– أو كلام العلماء والدعاة: فقد ينخدع المربي ببعض طلبة العلم الشرعي الأذكياء وحفظة كتاب الله تعالى فيظن أنهم على خير مع العلم أنهم يحتاجون لعناية تربوية خاصة، فترى بعضهم يتلبس بالكبر والغرور، في حين يصير البعض الآخر إلى بيع دينهم بعرض من الدنيا فيصبحوا عونة للظلمة على المؤمنين.

الصورة الخامسة: التظاهر بالالتزام للوصول لمآرب شخصية وأهداف دنيوية: وهذه من أخطر الصور لصعوبة اكتشافها، خصوصاً إذا أتقن الشخص التمثيل بحيث يظهر ما لا يبطن، وقد يستخدم الصور السابقة في ادعائه الالتزام، وهذه الفئة تحتاج لتعامل خاص ولذكاء من قبل المربي حتى لا يحقق مراده أو يصحح نيته.

إنّ ضعف المربي وقلة علمه وفطنته وانخداعه بهذه المظاهر له أثر سلبي في نشوء مجموعة من المتربين والدعاة تنشئة سطحية ظاهرية لا عمق فيها، مما يجعل الدعوة عرضة للانكشاف والسقوط في أوقات الشدة والابتلاء، والإضرار بسمعة الدعاة والمربين وتشويه صورتهم.

لقد ركزت شريعتنا الغراء على إصلاح جوهر الإنسان قبل مظهره، فكما قيل اللسان والجوارح مغرفة القلب، فصلاح الجوهر سيؤدي حتماً إلى صلاح المظهر فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، والتقوى أمر قلبي وهو أساس التفاضل في شريعتنا، وقال صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" [رواه مسلم]، فالحديث يدل على أنه لا قيمة لمظهر الإنسان وشكله دون العناية بجوهره المتمثل بقلبه.

"إنّ ضعف المربي وقلة علمه وفطنته وانخداعه بهذه المظاهر له أثر سلبي في نشوء مجموعة من المتربين والدعاة تنشئة سطحية ظاهرية لا عمق فيها، مما يجعل الدعوة عرضة للانكشاف والسقوط في أوقات الشدة والابتلاء، والإضرار بسمعة الدعاة والمربين وتشويه صورتهم"

لذا على المربي أن يوازن بين أمرين مهمين متلازمين، الأول القيام بالعملية التربوية بالتركيز على جوهر الإنسان المتمثل بقلبه بتدرج وأناة، والثاني: الكشف عن مكنونات النفس الداخلية للمتربي، حتى يعلم نجاعة الوسائل المستخدمة للوصول للغاية المنشودة.

ولا شك أن مكنونات النفس لا يعلمها إلا الله تعالى، ولكن هناك مؤشرات عدة قد تكشف للمربي جوهر المتربي، وخاصة إذا استخدم المربي عدة وسائل وبدقة وعناية من غير أن يشعر المتربي بذلك، وهنا أذكر مجموعة من الوسائل المعينة على كشف مكنونات النفس البشرية:

1- السفر: فقد ورد أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب: إن فلاناً رجل صدق، فقال له: هل سافرت معه؟ قال: لا. قال: فهل كانت بينك وبينه معاملة؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد"، فالسفر يظهر الإنسان على صورته الحقيقية لما يرى من متاعب السفر فهو كما قيل قطعة من العذاب.

فعلى المربي القيام ببعض الأنشطة التي فيها سفر كالرحل اليومية والعمرة وغير ذلك ليكتشف جوهر المتربي.

2- التعامل المالي مع المتربي: كما يظهر في الحديث السابق. فالتعامل بالدينار والدرهم يظهر معادن الناس على حقيقتهم لحب الإنسان الشديد للمال وحرصهم عليه فقد قال تعالى: "وإنه لحب الخير لشديد".

3- سؤال الأهل والأقران بطريقة غير مباشرة عن حال المتربي: لأن الإنسان يتبسط مع أهله وأقرانه فيظهر على صورته الحقيقية، قال صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، (أخرجه الترمذي بسند صحيح).

4- مراقبة المتربي أثناء مشاركته في بعض الأنشطة المحببة له: والتي يظهر فيها على حقيقته رغماً عنه بسبب تفاعله الشديد معها بسبب حبه للفوز أو إظهار النفس، كنشاط كرة القدم أو بعض الألعاب الإلكترونية، وغير ذلك.

5- الأخذ بملاحظات المربين الآخرين: على المتربي وتسجيلها بسبب اختلاف الخبرات، فقد يظهر لغيري ما لا يظهر لي وهنا يظهر أهمية العمل الجماعي في العملية التربوية.

 6- محاولة معرفة نوعية الصحبة في خارج نطاق المكان التربوي: لأن الرجل مرآته صاحبه، وكما قيل: "قل لي من تصاحب أقل لك من أنت"، كما أن النفس تميل بطبعها لصحبة من يوافقها في جوهرها، وكما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"، (متفق عليه).

7- قضايا النقاش والحوار: يقوم فيها المربي بطرح قضية للنقاش يظهر فيها أفكار المتربي وجوهره الداخلي لحب الانسان للكلام وتصدر المجالس.

8- وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة: حيث يحاول فيها الانسان الظهور بأفضل مظهر فيطرح أفكاره مفتخراً بها متجرداً في الغالب عن التمثيل.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
تربوي وإداري بخبرة تزيد عن خمسة عشر عاماً، حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة اليرموك في الأردن، مدرس علوم اسلامية وشرعية، بالإضافة للعمل في عدد من المراكز والهيئات التربوية والدعوية المتنوعة، مدرس علوم قرآن وخبرة في تدريس التلاوة والتجويد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …