ما أحوج المرء في خضم هموم الحياة وتعقيداتها أن يستذكر عطايا ربه وهباته عليه، والتي لا تعد ولا تحصى.
فكثير من الناس أشغلتهم الدنيا وما فيها عن ذكر الله والتفكر بما أولاهم به سبحانه من النعم والعطايا، ففقدوا تلك الصلة الروحية التي تضفي على قلوبهم السكينة والرضا والطمأنينة.
تراهم تضيق صدورهم لأي سبب، ويفقدون الأمل عند أول ابتلاء، لأنهم لم يعتادوا على تسليم أمورهم لمولاهم سبحانه عزوجل.
لكن المؤمن الحقيقي يظل قوي التواصل بمولاه، لا يفتر لسانه عن ذكر ربه وحمده على نعمه وعطاياه، والتي مهما حاولنا أن نحصيها فإننا سنعجز عن ذلك بالتأكيد.
ومن الأمور التي تقوي صلة العبد بربه عبادة الحمد، والمتمثلة بشكر الله على نعمه، والثناء عليه بكل ما صدر منه، سواء وصل إلينا أو إلى غيرنا.
ولنتأكد أن من يقوم بحمد الله وشكره بشكل دائم، إنما جعل الله في قلبه داعية إلى فعل هذا الحمد، وهو بحد ذاته إنعام من الله عليه، إذ أزال عنه العوائق والمشاغل التي تحول دون أدائها ونيل ثوابها وأجرها.
وكما يقول سيد قطب في تفسيره، فالحمد لله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله. فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضاً من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء. وفي كل لمحة وفي كل لحظة وفي كل خطوة تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلها وبخاصة هذا الإنسان.. ومن ثم كان الحمد لله ابتداء، وكان الحمد لله ختاماً قاعدة من قواعد التصور الإسلامي المباشر: "وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَة...".
ويرى كثير من علمائنا أن الحمد أعم من الشكر، إذ الشكر يكون مقابل النعمة، في حين أن الحمد أعم منه، لأن الحمد ثناء بالجميل على كل النعم، سواء أصابها الإنسان أم لا. ولهذا فإن ما يترتب على الشكر من فوائد وفضائل، فإنه يترتب على الحمد من باب أولى، لأن الحمد أعم من الشكر وأعلى مرتبة منه.
مع النصوص الشرعية
حينما نتفكر في آيات القرآن الكريم، نجد الكثير من الآيات التي تتناول الآثار المترتبة على شكر الله وحمده، ومن هذه الفوائد:
- زيادة النعم، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم:7].
- أن من يقوم بالحمد والشكر يعتبر من القلائل الذين اصطفاهم الله، حيث قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سورة سبأ:13].
- النجاة من عذاب الله وسخطه، قال تعالى: {نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} [سورة القمر:27]، وقوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [سورة النساء:4].
- دعاء وذكر المؤمنين في الجنة لقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يونس: 10].
كما ورد في الحمد، والمداومة عليها كثير من الأحاديث الشريفة، ومنها:
- روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ) (أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن).
- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ بِالحَمْدُ للهِ فَهُوَ أَقْطَعُ). (رواه أبو داود وغير بإسناد حسن).
- وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد). (رواه الترمذي بسند حسن).