قال الشعب التركي كلمته الفصل في القضايا موضع التجاذب في الساحة التركية، ومنح نحو 46 في المئة من الأتراك أصواتهم لحزب العدالة والتنمية في انتخابات بلدية خرجت هذه المرة عن طابعها المحلي، وتحولت إلى استفتاء عام على شعبية أردوغان وحزبه وعلى توجهات تركيا للمستقبل.
أردوغان أظهر شجاعة تليق بالزعماء الكبار في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وخرج منتصرا. و"العدالة والتنمية" حقق هو الآخر إنجازا تاريخيا ونتائج مبهرة أكّدت ثقة الشارع بتوجهاته وخياراته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. فهذا هو الاستحقاق السادس على التوالي الذي يخوضه بنجاح في الانتخابات التركية محققا زيادة في أصوات الناخبين تصل نحو 18 في المئة من الذين صوتوا له في الانتخابات البلدية الماضية وحصل فيها على 5و38 في المئة. وثمة دلالات هامة تستدعي التوقف عندها في قراءة نتائج الانتخابات:
أولها: تهافت مقولة تراجع شعبية الإسلاميين بعد الربيع العربي. ولا نضيف جديدا حين نشير إلى أن أطرافا إقليمية لعبت أدواراً نشطة في التخطيط لانقلاب مصر وخاضت حربا ضروسا خلال الشهور الماضية ضد ما تعتبره "إسلاما سياسيا" في المنطقة، لم تألُ جهدا في التحريض والتأليب على أردوغان باعتباره حليفا للإسلاميين في دول الثورات العربية. لكن ها هي صناديق الاقتراع في أكثر من مكان تؤكد إخفاق جهودها وخطأ رهاناتها.
الثانية: اتضاح ضآلة التأييد الشعبي الذي تتمتع به جماعة فتح الله غولن في الشارع التركي، فرغم تحالفها مع خصوم "العدالة والتنمية" وتسخير أدواتها الإعلامية ذات الإمكانات الهائلة لـ"شيطنة" أردوغان واتهامه بالفساد والديكتاتورية، فإن كل ذلك باء بالفشل، وتواجه الجماعة حاليا حالة "انفلاش" وتراجع لقوتها وحضورها وتأثيرها.
من الخطأ الرهان على "غباء الشعوب" وعلى إمكانية تضليلها وتزييف وعيها ومصادرة إرادتها. فقد تنجح آلة الدعاية مؤقتا في خداع قطاعات شعبية، لكن الحقائق سرعان ما تتضح ويذهب سحر الإعلام إن هو سخر إمكاناته لقضايا خاسرة وقبل الاصطفاف مع الباطل في مواجهة الحق وإرادة الشعوب.
الثالثة: أهمية الإنجاز العملي على الأرض في كسب قلوب الناس. صحيح أن "كاريزما" أردوغان لعبت دورا مهما في حشد التأييد لـ"العدالة والتنمية"، لكن الصحيح أيضا أن إنجازات حكوماته في المجال الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، كان لها الدور الأهم في إقناع جماهير الأتراك بتجديد ثقتهم بالحزب وبالتصويت لصالحه مجددا.
من حق أردوغان و"العدالة والتنمية" أن يفرحوا بهذا الإنجاز الكبير، لكن ثمة تحديات ينبغي التعامل معها، في مقدمتها معالجة الاستقطابات السياسية والاجتماعية التي أفرزتها تجاذبات المرحلة السابقة.
بعد أن هدأت الزوبعة الانتخابية وقرقعة التنافس السياسي، المأمول من أردوغان و"العدالة والتنمية" مزيد من الانفتاح على الآخرين، وأن يسعوا لمصالحات تخفف ما أمكن حدّة الاستقطاب السياسي والاجتماعي. والمنافسون مطالبون بأن يلتزموا شرف المنافسة السياسية، وأن يعترفوا بالأمر الواقع ويحترموا الإرادة الشعبية.. وأن تكون مصلحة تركيا والأمة فوق الجميع.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- صحيفة السبيل الأردنية