توفي قبل بضعة أيام المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ محمد قطب عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عاماً، بعد حياة مليئة بالتضحية والعطاء، والمساهمة في بناء العقلية الفكرية لجيل الصحوة الإسلامية.
ولا يكاد يذكر اسم محمد قطب –رحمه الله- إلا وتبادر إلى الذهن العديد من الكتب والمؤلفات التي رسخت في أذهان الكثيرين من رواد الحركة الإسلامية وأبنائها، وأفكاره التي طالما أكد عليها في كتبه الكثيرة، والتي لا تكاد تخلو أية مكتبة إسلامية منها.
حياته ومحنته..
ولد محمد إبراهيم قطب في شهر إبريل/ نيسان من عام 1919، في بلدة موشا في محافظة أسيوط المصرية. وهو شقيق الشهيد المفسر سيد قطب رحمه الله.
ورغم فارق السن الذي بينهما، حيث يكبر سيد محمداً باثني عشر عاماً، إلا أن الأستاذ محمد قطب رحمه الله يؤكد أن أعظم الناس تأثيراً في حياته هو سيد –رحمه الله- حيث يقول: «لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات. ولذلك امتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجاً كبيراً، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب».
تعرض الأستاذ محمد قطب لما تعرض له شقيقه وبعض أقاربه، في عهد عبد الناصر من محن وابتلاءات، والتي كانت تستهدف كل ما هو إسلامي، حيث قضى في السجن الحربي ما يقارب الستة أعوام، في حين تم إعدام شقيقه سيد، ناهيك عن اعتقال أخواته الثلاث في سجون عبد الناصر.
بعد ذلك انتقل الأستاذ محمد قطب –رحمه الله- إلى السعودية، ليساهم بشكل واضح في تطوير العقلية الإسلامية هناك، حيث أشرف على العديد من الرسائل العلمية، ناهيك عن المناهج التربوية التعليمية في السعودية. وظل موجوداً فيها حتى توفي يوم الجمعة الماضي الرابع من إبريل/ نيسان.
مؤلفاته ..
ترك الأستاذ محمد قطب –رحمه الله- العديد من المؤلفات التي لا يمكن أن تستغني أية مكتبة إسلامية عنها، ومن أبرز هذه المؤلفات:
- منهج التربية الإسلامية
- جاهلية القرن العشرين
- الإنسان بين المادية والإسلام
- شبهات حول الإسلام
- مذاهب فكرية معاصرة
- مفاهيم ينبغي أن تصحح
- العلمانيون والإسلام
- واقعنا المعاصر
- كيف ندعوا الناس؟
- من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر
- حول تطبيق الشريعة
- رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر
وكانت مؤلفات الأستاذ محمد قطب، تتعلق بالعديد من المواضيع التي ترسم الملامح العامة للفكر الإسلامي.
فهو على سبيل المثال تناول في كتبه مظاهر انحراف الديانات السماوية عن مسارها الصحيح، وكشف الستار عن العديد من المواضيع كالعلمانية والشيوعية والديمقراطية وغيرها.
بل اتخذ في موضوع الديمقراطية منحىً خاصاً تمثل برفضها ورفض الاحتكام لها، والخوض في غمارها، -رغم مخالفة الكثير من المفكرين الإسلاميين له- إلا أن موقفه الخاص في هذه المسألة كان نابعاً من قناعة خاصة به استند فيها إلى مجموعة من الأمور.
وفي ذات الوقت، لم يغفل الأستاذ محمد قطب عن تناول موضوع التربية، وإنشاء الجيل الإسلامي، وأهمية التربية القوية ووحدة الصف، والعلاقة مع النظام والأخطاء التي حدثت في مواجهته خلال الفترة الماضية.
وكان محمد قطب يدافع عن الإسلام ويبين ميزاته وخصائصه، ويرد الشبهات عن كل ما يثار من شبهات وأمور. وفي هذا الصدد كان يركز على ضرورة أن تكون الشخصية الإسلامية والحل الإسلامي منطلقاً من ثوابت التشريع، وليس تقليداً للغرب وأموره.
مقتطفات من كتبه
"أما أننا متخلفون في جميع الميادين.. فنعم!
وأما أن طريقنا لإزالة التخلف هو اتباع منهجهم.. فلا!
إنما طريقنا أن ننطلق من "لا إله إلا الله"، ثم نسعى لاكتساب كل أدوات التقدم العلمي والتكنولوجي بعد إخضاعها لمقتضيات لا إله إلا الله، فنكون أولاً أحراراً في الأرض، مستمدين تحررنا من عبادة الله وحده بلا شريك، ثم نكون بعد ذلك هداة لسكان القرية الظالمة، نهديهم إلى سبيل الرشاد، بدلاً من أن نكون تبعاً لهم فيسحقوننا بأقدامهم كما يفعلون الآن".
"لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة"
"فالذين غيروا ميزان الحرب في حطين تحت قيادة صلاح الدين لم يكونوا من ذلك الجيل الأول "الصحابة". والذين غيروا ميزان الحرب في عين جالوت تحت صيحة "وا إسلاماه" لم يكونوا من الجيل الأول. والذين هزموا الروس في أفغانستان وفي الشيشان لم يكونوامن الجيل الأول. والذين يحتملون ما لا يحتمل من ألوان التعذيب الوحشي في سجون الطغاة ويظلون مصرّين على عقيدتهم ليسوا من الجيل الأول.. إنما هي ظاهرة تتكرر كلما وجد مؤمنون في الأرض، والدارس المسلم أولى الناس بأن يدخلها في دراساته النفسية، رضي "أهل الفن!" أو أبوا، واعترفوا أو لم يعترفوا بالنتائج التي تصل إليها الدراسة"!
"حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية"
"إن الصحوة قد فاجأت المخططين من الصليبيين والصهيونيين مفاجأة عنيفة، فدبروا لقتلها، وأنشؤوا لذلك مجموعة من الانقلابات العسكرية في العالم الإسلامي، تبطش بالمسلمين بطشا لا سابقة له في عنفه ووحشيته، على أمل القضاء على الصحوة قبل أن يستفحل أمرها وتستعصي على عملية الإفناء، فكان من قدر الله انها زادت اشتعالاً، واتسع نطاقها .
والمستقبل غيب.. ولكنا نستقرئ سنن الله، ووعده ووعيده، فنجـد أن المستقبل للإسلام .
إن من سنن الله أن الدعوة التي يقدم لها الدم لا تموت.. وقد أسرف الأعداء في إراقة الدم، ظنا منهم أنه يقضي على الدعوة، فكان الدم المراق سبيلا إلى زيادة المد .
وإن من وعد الله أن يمكن للأمة حين تصحح موقفها من دينه، وتعبده وحده دون شريك: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).
وقد بدأت الأمة تعود ..
وإن من وعيد الله أن يسلط على اليهود من يدمرهم إذا علوا في الأرض:
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّـرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا).
وقد عادوا.. بل إنهم لم يطغوا في تاريخهم كله كما طغوا اليوم، ولم يصل سلطانهم قط إلى ما وصل إليه اليوم.. فماذا ينتظر إلا تحقق الوعيد؟
كل الإرهاصات تدل على اتجاه معين للأحداث .
ومن خلال حماقات الغرب، وحماقات "إسرائيل"، يتم قدر الله في إمداد الحركة الإسلامية بمزيد من بواعث الاستمرار .
"قضية التنوير في العالم الإسلامي"
ليس الطريق إلى الغد المأمول مفروشا بالأزهار والورد… بل هو مفروش بالأشواك والآلام والدماء… دماء الشهداء الذين سيسقطون في الطريق…
إن العالم كله اليوم مصرّ على محاولة محو الإسلام من الأرض.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يصرّ فيها الأعداء على هذه المحاولة، منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، فقد جاء في كتاب الله الذي أنزل من نيّف وأربعة عشر قرنا قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
والضمير في الآيتين يعود إلى ذات الأعداء الذين يريدون اليوم أن يطفئوا نور الله: اليهود والنصارى والمشركين، وعملائهم من المنافقين: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
ولكن ربما كان الفرق بين المحاولة الحاضرة والمحاولات السابقة، أنه في المحاولات السابقة كان بعض الأعداء يهاجمون أجزاء من العالم الإسلامي في الوقت الواحد… أما في هذه المرة فالهجوم واقع من جميع الأعداء، وعلى العالم الإسلامي كله في وقت واحد.
"هلم نخرج من ظلمات التيه"