هل سينجح منتدى “تواصل” في كسر الصمت؟

الرئيسية » بصائر من واقعنا » هل سينجح منتدى “تواصل” في كسر الصمت؟
poster2014

لا يختلف اثنان متابعان للشأن الفلسطيني في ملاحظة خفوت صوت وصورة القضية الفلسطينية بتشعباتها المختلفة وأحداثها العاصفة في الوسائل الإعلامية العربية المسموعة والمقروءة والمرئية خصوصاً منذ اندلاع ثورات الربيع وانشغال بلدانها بمشاكلها وأزماتها الداخلية، وكان المعوّل أن يكون هذا الربيع دافعاً لحضورها بقوّة في الساحة الإعلامية لما تثمله من قضية جوهرية ومصيرية تخصّ الأمَّة العربية والإسلامية قاطبة، وتبع هذا الغياب غير المبرّر محاولات أطراف عربية وإقليمية ودولية إلى التماهي مع الرغبة الصهيونية في تغييب القضية عن الحضور سواء إعلامياً أو في الوعي الجمعي تمهيداً إلى تصفيتها بصمت عبر طرق ومسارات عديدة ليس أقلّها مفاوضات طويلة الأمد مع إنهاك الطرف الذي لا يملك من أمره شيئاً إلاّ الرّضوخ بالابتزاز أو سحب الصلاحيات أو التهديد!!

ليس هذا موضوعنا، لكنّه يشكّل معبراً سلساً لتصفية القضية وتفريغها من مضمونها تدريجياً.. أقول: إنَّ ما سبق عرضه بالإضافة إلى ما نشاهده يومياً ونتابعه من غياب أو محاولات تغييب القضية الفلسطينية عن الحضور إعلامياً في مختلف الوسائل التقليدية أو الحديثة يجعل النخبة من الإعلاميين والمتخصّصين المهتمين بالشأن الفلسطيني إلى التفكير ملياً وجدياً في إيجاد الصيغ والطرق والخطط الكفيلة بإعادة أو إحياء أو تجديد روح القضية الفلسطينية وإبداع حضور إعلامي متميّز لها في مختلف المجالات والتخصّصات الإعلامية.

وفي الهدف ذاته، وصلني عبر البريد الإلكتروني دعوة لحضور "منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال" (تواصل)، وهو كما جاء في رسالته لقاءٌ تنسيقي يجمع المؤسسات الإعلامية المتنوّعة التي تتبنّى نهجاً مؤيّداً للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو كما ورد من أهدافه يسعى إلى تطوير العمل الإعلامي وتنسيق الجهود وتشجيع الإنتاج الإعلامي من أجل فلسطين...

وقد راودتني فكرة هذا المنتدى كمتابع للشأن الفلسطيني مراراً، ذلك أنَّه يحزّ في نفسي كغيري ترهلنا وعجزنا إعلامياً عن خدمة فلسطين الأبيّة وشعبها الصابر الذي يرزح تحت نير الاحتلال وبطشه، ويعيش بين إجرام قاتل وضعف مناصر وحقد متآمر في ظل تطوّر الآلة الإعلامية للاحتلال وتأثيرها على الرأي العام الغربي والدولي.

في الرسالة الإعلامية لـ (تواصل) من خلال منتداها الذي سيعقد يومي 23-24/4/2014م في مدينة إسطنبول ويحضره نخبة من الإعلاميين والأكاديميين من مختلف أرجاء الوطن العربي والعالم، فيهم الكتّاب والصحفيون والإعلاميون والفنانون والمصوّرون والمخرجون وغيرهم، هي رسالة تحمل همّاً عميقاً زيّنته بقيم إيجابية أبرزها التواصل والحوار ومناقشة التجارب الإعلامية المختلفة في خدمة فلسطين ودعم قضيتها وإبداع أساليب جديدة ومتميّزة وتطوير العمل الإعلامي في الهدف ذاته؛ إنَّها قيم جليلة وأهداف نبيلة تلك التي يسعى إلى تحقيقها منتدى (تواصل) ليست إبداعاً أوسبقاً منه، ولكنّها محاولة جادة وخطوة في الطريق الصحيح لدعم القضية الفسلطينية وإعادة الزّخم إليها إعلامياً وحشد الطاقات الكامنة في أحرار الأمَّة والعالم لخدمتها.

في منتدى "تواصل" ثلاثية الزَّمان والمكان والحضور؛ فاختيار مكان انعقاد المنتدى له دلالة غير خافية، إذ العاصمة السياحية لتركيا إسطنبول كغيرها من مدن تركيا اليوم تعيش ربيعاً مزهراً بعد نتائج الانتخابات البلدية التي أظهرت فوزاً كبيراً لحزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان الحليف الإستراتيجي لفلسطين والمناصر لقضيتها، ثمَّ إنَّ الزّمان له أهمية قصوى لما ذكر سالفاً بالإضافة إلى بلوغ الثورات المضادة للربيع العربي والتي أفرزت في مجموعها خطاباً إعلامياً مشوّها للقضية إن لم يكن محرّضاً على الشعب الفلسطيني وقواه الحيّة التي وقفت مع خيار الشعوب العربية في نيل حريتها والمشاركة في الحياة السياسية وصناعة القرار والعيش بكرامة وعدالة اجتماعية.. زمن انعقاد المنتدى مهم ومهم للغاية من أجل تأسيس إستراتيجية إعلامية مبدعة مجابهة لذلك التيّار المعادي تبرز نصاعة القضية الفلسطينية وعدالتها من جانب وحجم التآمر الذي تتعرّض لها والجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني وأرضه من جانب آخر.

أمَّا ركنُ الحضور في هذه الثلاثية فيكمن في التنوّع التخصّصي والجغرافي، واللافت في هذا التنوّع حضور مجموعة من الفنانين من الأردن وتركيا وفلسطين، ولعلَّ الهدف من هذا التنوّع يعدّ سابقة إبداعية تؤسّس لما بعدها إن نجحت في وضع آليات وخطط للإنتاج الفني الداعم والمساند للقضية الفلسطينية؛ لما لهذا المجال من تأثير ملحوظ في الرأي العام، والأمثلة في ذلك كثيرة مشهودة ليس فقط في عالمنا العربي بل في دول العالم كافة.

بين رسالة المنتدى وقيمها الإيجابية وبين ثلاثية الزَّمان والمكان والحضور ثمّة عوائق تقف أمامهم لتشكّل تحديّاً كبيراً في وجه القائمين على المنتدى والرَّاعين له وكل المؤسسات والشخصيات الحاضرة والغائبة التي تحمل الهمّ الإعلامي الداعم للقضية الفلسطينية، هي تحديّات معروفة وملموسة تواجه المشاريع المبدعة الهادفة إلى إحداث التغيير والتطوير، وأولى هذه العوائق غياب الدعم والحاضن الرّسمي من الدول والحكومات إن لم يكن التثبيط والعرقلة لمخالفة هكذا مشاريع هوى السلطات الرّسمية.

أضيف إلى ذلك قلّة الإمكانيات والتمويل لأننا نتحدّث عن عمل إعلامي محترف يواكب التطوّر الحاصل في المجال السمعي البصري والإنتاج الفني، حيث لم تعد الطرق التقليدية ذات تأثير في الرأي العام المتطلّع إلى الجديد والمبدع، وزد إلى ذلك غياب الكوادر المتخصّصة والقنوات الإعلامية القادرة على الإبداع والإخراج والتنفيذ والجرأة في اقتحام مجالات كانت قبل زمن مضى محرّمة أو مجرّمة أو حكراً على فئة من البشر!!

مهما تكن من معوّقات وعقبات تواجه هذا المنتدى الفتيّ، فإنَّ طريق خدمة ونصرة القضية الفلسطينية إعلامياً لا يختلف في طبيعته عن ميادين السياسة والمقاومة، فما يكابده روّاد السبيلَين قد يعانيه أرباب الإعلام المناصر والمدافع عن فلسطين، فهم في بدء الأمر ونهايته ذريةٌ بعضها من بعض في الإبداع والإنتاج والتضحية.

 سينفضّ الجمعُ في منتدى "تواصل" بعد يومين من الندوات والورشات والدورات التدريبية، وقد يصدر بياناً ختامياً وتوصياتٍ ومقترحاتٍ، ولكن، يبقى السؤال المهم؛ هل سينجح المنتدى في كسر لبنة أو لبناتٍ من جدار الصمت الإعلامي الذي خيّم على القضية الفلسطينية؟! وقبل ذلك كلّه وبعده، ستبقى رسالة منتدى "تواصل" قائمة تنبض في عقول وقلوب المخلصين والمحبّين لفلسطين لمزيد من النقد والإبداع والتطوير والبناء.

*باحث وكاتب جزائري

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية …