في إطار المساهمة في جهود مؤسسات المجتمع المدني وغيرها في العالم العربي والإسلامي لمناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وردّاً على الإساءات المتكرّرة للصهاينة على القدس والأقصى والمقدسات الدينية الأخرى، ومحاولات التهويد من العدو والتطبيع من قبل آخرين، نظّم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ندوة بعنون "القدس والأقصى بين المؤامرة والمواجهة" يوم أمس الأحد 12 رجب 1435هـ الموافق 11 أيار(مايو) 2014م بالحي الثقافي في كتارا بالعاصمة القطرية الدوحة.
وتهدف الندوة إلى إعادة قضية القدس والمسجد الأقصى لبؤرة الإهتمام لدى الشعوب وقياداتها، وإلى التعريف بالمؤامرات والمكائد التي تنفذ لتهويد القدس وطمس معالمها، بل ومحاولات التطبيع من قبل بعض أبناء الأمة مع مغتصب الأرض.
وقد كان من أبرز المتحدّثين في الندوة العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، والدكتور علي محيي قره داغي الأمين العام للاتحاد، والشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى، والدكتور المفكر محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، وأسامة حمدان القيادي في حركة حماس.
"بصائر" حضرت فعاليات الندوة التي شارك فيها جمهور غفير من محبّي القضية الفلسطينية، ونقلت أبرز ما جاء فيها من كلمات:
القره داغي: ثلاثة شروط للتحرير
قال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي محيي الدين القره داغي: إنَّ هناك حقيقتين في موضوع القدس، الأولى:أنَّ تحرير القدس ونحوها على مرّ التاريخ لن يتم بالشعارات وإنما تكون بالتضحيات الشاملة للجهاد بجميع أنواعه بالمال والأنفس، والوحدة والعلم والإعلام، وبتسخير جميع طاقات الأمة السياسية والإقتصادية والعسكرية والإعلامية والقانونية ونحوها في خدمة القضية وهذا ما بيَّنه القران الكريم (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الصف، 10-13).
أمَّا الحقيقية الثانية؛ فتكمن في أنَّ الذي يُحرّر القدس ليس قائداً واحداً محنّكاً مهما كانت قوته وحنكته، وإنما تحرّرها الأمة عندما يتسلح رجالها، وتتغير أنفسها، وتستيقظ من رقادها، وتنبعث من مرقدها، وتصبح أمة عابدة لله تعالى وحده لا لغيره، وقوية في جميع مجالات الحياة، قال تعالى في سورة الإسراء بعد ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) (سورة الإسراء -47).
وأوضح القره داغي في كلمته أنَّ هناك ثلاثة شروط للتحرير هي: الشرط الأول: (عباداً لنا) وهذا يعني: الجمع الكبير، بل يعني الجيل الكامل ولذلك عبر بجمع الكثرة (عباداً) وليس بجمع القلة. كما أنه يفهم منه بوضوح اشتراط العبودية الكاملة لله تعالى، وهذا يعني خلوص القلب لله تعالى وحده، وعدم بقاء حظوظ النفس، ويعني التوكل والاعتماد عليه، وليس على الغرب أو الشرق، فالتحرير يتحقق بهذه الأنفس الزكية المرتبطة بالله تعالى، كما أنه يفهم منه التحرير من كل عبودية وخوف إلا من الله تعالى، وهذا يعني أنَّ الأمَّة المستعبدة التي تحتاج هي إلى التحرير لن تكون قادرة على التحرير.
والشرط الثاني: هو توفير القوَّة بجميع أنواعها؛ القوة العسكرية، والاقتصادية، والعلمية، وقوة الوحدة، وقوة التقنيات، ونحوها.
أمَّا الشرط الثالث: فهو السير على منهج القرآن الكريم ولذلك جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. فالآيات الكريمة تدل على ان القوم كله، أو الامة كلها هم الذين حرَّروا، وليس القائد مهما كانت قوته، وتلك حقيقة ناصعة فى تاريخ القدس الشريف، فقد كان موسى -عليه السَّلام- نبياً ورسولاً وكليم الله تعالى ومن أولي العزم ومعه هارون الذى كان رسولاً وحكيماً ومع ذلك لم يستطيعا تحرير القدس، لأن قومه لم يكونوا مهيئين، بل عاشوا الذل والاستعباد فى ظل فرعون، لذلك قالوا لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) {24: المائدة} على الرغم من أنهم رأوا الآيات العظام، ورأوا كيف أهلك الله فرعون أمام أعينهم بمعجزة، وهو لم يكن أقوى من القوم الجبارين.
حمدان: الحقّ لا يستردّ إلاّ بالقوة
في كلمته، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أسامة حمدان: "إنَّ أبناء القدس اليوم رغم كل الضغوط صامدون، هم وكل أبناء شعبنا رغم كل محاولات الإحباط إلاَّ أنهم يتطلّعون للنصر القريب، والذين تلقوا قصف الاحتلال في غزّة يؤمنون بالنصر أكثر ممَّن راقب النصر على شاشات التلفاز".
وأضاف: "أنَّ المقدسيين والفلسطينيين ينيرون قناديل الأقصى بدمائهم في ظل الاحتلال الإسرائيلي وطغيانه"، منبّهاً إلى خطورة من يساوي بين دماء الفلسطينيين الزكية ودماء المحتلين الظالمين، قائلاً: "فدم صاحب الحق ليس كدماء المعتدي المجرم".
وحذّر حمدان في كلمته من التطبيع مع العدو الصهيوني، ومن تحويل العجز عن التحرير إلى دعوة لزيارة القدس في ظل الحراك الصهيوني ضد القدس والأقصى، مؤكّداً على ضرورة استعادة المشروع الوطني الأصيل المتمثل في مشروع التحرير والعودة.
وأوضح حمدان بالقول: "لعلَّ ما جرى في الأيام الماضية من انتفاضتين في القدس تصدّى لها بضعُ مئات من المرابطين في المسجد الأقصى وردّوا العدوان والمستوطنين بكل جرأة عندما حاولوا اقتحام المسجد الأقصى وكان من بين المرابطين عدد من الجرحى والمصابين، والثانية انتفاضة أسرانا في سجون الاحتلال"، موضحاً أنّهما "رسالتان تقولان لقيادة فلسطينية موحّدة بعد المصالحة الوطنية: إنَّ هذا هو الطريق لمن يريد أن يستعيد الحق عليه أن يقاتل من أجل الحق".
وطالب حمدان الأمَّة العربية والإسلامية بأن ترفض التنازل أو التفريط عن القدس وأرض فلسطين مهما كانت الضغوط والتشديدات الأمريكية أو الدولية، مضيفاً "آن الأوان لتحريض العرب والمسلمين على القتال من أجل تحرير فلسطين لأن الحق لا يسترد ولا ينتزع إلاَّ بالقوة".
وتابع: "الذي يريد أن يستعيد الحق، عليه أن يقاتل من أجله"، مؤكّدًا أنَّ القدس المحتلة تتعرض اليوم لخطر كبير، بسبب ممارسات واجراءات الاحتلال التهويدية العنصرية، لافتاً النظر إلى أنَّ العمل جارٍ من أجل تحرير الأسرى والمسرى.
وثمَّن حمدان موقف شرفاء الأمَّة الرافض لزيارة المدينة المقدسة تحت الاحتلال، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة استعادة مشروع التحرير والعودة، وقال: "لا يستوي دم الفلسطيني صاحب الأرض، مع دم القاتل المغتصب لهذه الأرض".
وشدَّد على ضرورة توحيد صفوف الأمَّة من أجل قضاياها الكبرى، ورفض الانخراط في أيّ فتن كانت طائفية أو عرقية أو غير ذلك؛ لأنَّ القضايا الكبرى لا يمكن أن تتحقق في انقسام الأمَّة.