نشرت جريدة النيويورك تايمز الأمريكية دراسة تشير إلى أن الإخوان المسلمين سيعودون إلى الحكم في العالم العربي مجددا. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الجماعة في مصر واجهت منذ الإطاحة بها في انقلاب يوليو/ تموز الماضي تهديداً لوجودها، وأصبحت هدفاً من قبل الأنظمة لأشكال من القمع الشديد، الأمر الذي جعل البعض يتوقع فشل أو نهاية ما يعرف بـ "الإسلام السياسي".
وجاءت الدراسة التي نشرت قبل بضعة أيام، إلى أن النعي المبكر للجماعة عادة ما ينقلب إلى عكس ذلك، وأشارت إلى ما كتبه عالم السياسة "مانفريد هالبيم" في عام 1963 حيث أشار إلى أن العلمانية القومية قضت على "الإسلام السياسي"، مشيرة إلى أن المنقلبون على الرئيس مرسي يسيرون على نفس النهج حينما يقولون أن الإطاحة بالرئيس مرسي تمثل نهاية لـ"الإسلام السياسي".
ويشير كاتب الدراسة إلى أن فشل الدولة العلمانية وعدم قدرة أنظمتها السياسية على استعياب مشاركة الإسلاميين في العملية الديمقراطية يفوق وبشكل أعمق مسألة فشل الرئيس محمد مرسي في الحكم.
تأييد واسع
وتشير الصحيفة إلى أن هناك تأييداً واسعاً من قبل الشعوب العربية للخلط بين الدين والسياسة، فعلى سبيل المثال: تشير البيانات المتوفرة حول مصر –بحسب تعبير الصحيفة- إلى إن الغالبية يؤيدون الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي أو حتى مصدر أوحد للقانون، كما يؤيدون استمداد العقوبات الجنائية من الدين، ولا يؤيدون المساواة بين الجنسين، ويرون دورًا لرجال الدين في صياغة التشريعات، إذا كان هناك طلب شعبي لذلك، فإن على شخص ما (جماعة ما، أو حزب ما) توفيره!
وفيما يتعلق بتونس والتي تعتبر النقطة المضيئة الوحيدة في الربيع العربي، فقد أشارت الصحيفة إلى أن الإسلاميين فيها ما زالوا عصيين على الحل، حيث انسحب حزب النهضة الإسلامي من السلطة طواعية أمام احتجاجات المعارضة، مشيرة في نفس الوقت إلى أن الاختبار الحقيقي لتونس سيكون حال استمرار حزب النهضة بالفوز في الانتخابات، مقرراً تنفيذ أجندة إسلامية بحسب رغبة الناخبين، بالإضافة إلى أن قادة الحزب لم يتخلوا عن أهدافهم، فهم إسلاميون رغم كل شيء، وإن قرروا عدم المغامرة خلال هذه المرحلة الديمقراطية الهشة.
وتنقل الصحيفة عن أحد قيادات حزب النهضة بأنه لا يوجد أحد منهم لا يؤمن بتطبيق الشريعة، وكلهم يعتقدون أنه يجب أن يُحظر الكحول يومًا ما، وأن كل ما يختلفون عليه هو أفضل السبل لتحقيق ذلك.
الإسلاميون والديمقراطية
أما فيما يتعلق بموضوع الإسلاميين والديمقراطية، فأشارت الصحيفة إلى أن الإسلاميين لا يمكن أن يعبروا عن إسلاميتهم في دولة شديدة العلمانية، ولهذا حاول الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية في كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية، أن يوائم النظرية السياسية الإسلامية مع المعايير الديمقراطية الحديثة، ومع ذلك فإن أفكاره لم ترق إلى أفكار الديمقراطية الليبرالية، ولا يجب أن يكون ذلك مستغربًا جدًا: فالديمقراطية الإسلامية، كمصطلح، هو مصطلح غامض، يعتمد على أساسين فلسفيين مختلفين تمامًا.
" إذا اضطرت الأحزاب الإسلامية المنتخبة للتخلي عن طابعها الإسلامي، فإن ذلك يكون مناقضًا لجوهر الديمقراطية، والذي يقول بأن الحكومات يجب أن تكون معبرة، أو على الأقل مستوعبة للتفضيلات العامة لمواطنيها"
وذكرت الصحيفة، أنه إذا اضطرت الأحزاب الإسلامية المنتخبة للتخلي عن طابعها الإسلامي، فإن ذلك يكون مناقضًا لجوهر الديمقراطية، والذي يقول بأن "الحكومات يجب أن تكون معبرة، أو على الأقل مستوعبة للتفضيلات العامة لمواطنيها". ولهذا فإن الطلب من الإسلاميين أن يتخلوا عن هوياتهم وما يؤمنون به، لن يكون أمرًا يمكن تحمله، وستكون له تبعات خطيرة تنتج عنها إخراجهم من العملية السياسية.
ومن ناحية أخرى، ترى الصحيفة أن أيديولوجية الإسلاميين وأفكارهم تحتاج إلى أن تؤخذ على محمل الجد باعتبارها شيئًا يشعر به الإسلاميون بعمق وبصدق، فالحركات الإسلامية في الحقيقة لديها وجهة نظر عالمية مميزة ورؤية لما يجب أن تكون عليه مجتمعاتهم، ربما يكون ما يقوله معادوا الإسلاميين حقيقيًا، وهو أمر يعترف به الإسلاميون في اللقاءات الخاصة، إنهم يتحدثون عن "سياسة المراحل" أو "التدرج"، وهو يعني أن تتنازل عن بعض أهدافك الإسلامية على المدى القصير، لتقوية ذراعك على المدى الطويل.
ولكن، على العكس من الليبراليين العرب، تبدو الأغلبية الساحقة من المنتمين للحركة الإسلامية ملتزمة بالعملية الديمقراطية، لم يحدث ذلك السيناريو الذي يتبناه كثير من الليبراليين من أن "الإسلاميين يصلون إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، كي ينقلبوا عليها وينهوا الديمقراطية"، الإسلاميون الآن مختلفون تمامًا عن ذي قبل، لقد قطعنا شوطًا طويلاً عن الستينات والسبعينيات عندما كانوا يرون الديمقراطية مستورد غربي لا يجوز تبنيه في المجتمعات العربية.
هذا السيناريو يوفر مبررًا لهؤلاء الذين يرون الإسلاميين - بغض النظر عن التزامات الإسلاميين بالديمقراطية - تهديدًا وجوديًا لهم، إذا كانت هناك معركة صفرية، فإن الخيار الآخر هو تهميش الأحزاب الإسلامية أو القضاء عليها تمامًا، وهذا ما يفعله النظام العسكري في مصر.
تعتبر الصحيفة محاولة تهميش الأحزاب الإسلامية وسحقها أو القضاء عليها كما يفعل النظام العسكري في مصر لا يمثل سياسة دموية مزعزعة للاستقرار فحسب، بل هو ضرب من التفكير الساذج.
وتعتبر الصحيفة أن مثل هذا الجهد الذي يراه العديد من أنصار العسكر في مصر شرًا لابد منه، لا يمثل سياسة دموية ومزعزعة للاستقرار فحسب، ولكنه أيضًا ضرب من التفكير الساذج.
"الدرس المستفاد من الربيع العربي، ليس أن الأحزاب الإسلامية معادية للديمقراطية، ولكن هي أن الديمقراطية مستحيلة بدون الإسلاميين"
وتختم الصحيفة بأن المستبدين العرب قد أقنعوا انفسهم بأن إخفاقات الماضي في سحق المعارضة الإسلامية هي نتيجة استخدام القوة بشكل غير كافٍ! ولذلك فإن أحدث محاولة - تلك المدعومة بمليارات الخليج - وصلت بمستويات القمع في مصر إلى درجة غير مسبوقة في تحد غير مسبوق أيضًا للحركة الإسلامية الأكبر في المنطقة، لكن هذه المحاولة أيضًا ستفشل.
منوهة إلى أن الدرس المستفاد من الربيع العربي، ليس أن الأحزاب الإسلامية معادية للديمقراطية، ولكن هي أن الديمقراطية مستحيلة بدون الإسلاميين، حتى عندما تحدث فرجات في النظام لبعض الديمقراطية - سواء ذلك حدث في 5 سنوات أو 10 أو 15 سنة - فإن الإسلاميين سيكونون في الانتظار، على استعداد للعودة لصدارة المشهد السياسي، وربما حتى العودة مرة أخرى إلى السلطة.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- نيويورك تايمز