يُبَادِرُكَ بالابتسامةِ، نَظرَاتُه في شوقٍ لتلبيةِ حاجاتِك، مستمعٌ جيدٌ لكلماتِك، يهتم بملاحظاتِك، همُّه أن يكسبَ ودَك، وأن تكثر إليه خطواتك، هذا التاجرُ الذكي، حريصٌ عليكَ، وهمُّه أن يكثر من زبائنه ورواده، وهو طريق من يريد الكسبَ الوفيرَ والخير الكثير.
وتاجرُ الآخرةِ أولى من تاجرِ الدنيا بهذهِ الأفعال؛ لأن بِضَاعَته أثمن وأعظم، فعليه أن يراقب حركاته وسكناته، وأن يراجع كلماته وعبارته، ويلحظ مواقفه وانفعالته، فالأضواء مسلطة عليه، وجلّ الناس يرونه ممثل الإسلام والدال عليه.
ولكن مجموعة من الدعاة استعدَوا محيطهم، وخلقوا جواً من الشحناء والبغضاء لهم، فقلَّ أنصارُهم، وكثر أعداؤهم، وتخلى آخرون عن دعوتهم، يقول – الداعية- سلمان العودة: "وقد تجد من المصلحين اليوم مَن يشرف بنفسه على صنع الخصومة" ويقول أيضاً: "أسوأ صناعة في الحياة: هي صناعة الأعداء"، وصناعة الأعداء قد تكون من الفرد أو الجماعة، لكن المحصلة هي تعميم الخطأ المرتكب على جميع أفراد الدعوة، فما هي المظاهر والأسباب التي تصنع العداء مع الآخر.
مظاهر وأسباب صناعة الأعداء:
أولاً: الغلظة والشدة في التعامل مع الناس عامةً: ومن مظاهر ذلك:
أ- التجهم والعبوس في وجه الناس؛ فتراه مكفهراً مقطّب الجبين، فينفر منه من رآه، فكيف بمن سمعه؟!
ب- تقديم النصيحة للمخطئين والعصاة أمام العامة، فينفض الناس عنه لكشفه سترهم.
ت- استخدام العنف اللفظي أو الجسدي في الإصلاح، أو في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
ث- ازدراء أهل المعاصي، ومعاملتهم بقسوة، وتجنب الجلوس معهم، أو الحديث إليهم.
ثانياً: سوء الخلق مع الناس: ومن أمثلة ذلك:
أ- التكبر على الناس، أو الكذب والاحتيال عليهم.
ب- مقابلة السيئة بالسيئة، والغلو في الخصومة.
ت- عدم العفو عن الناس وتضخيم أخطائهم وعثراتهم.
ثالثاً: كيل التهم للناس، وللمخالفين في الرأي: ومن مظاهر ذلك:
أ- اعتبار المخالفين في الرأي فساق أو منافقين، فهو لا يحترم التنوع الثقافي والاجتماعي والفكري، والاختلاف في الرأي في المجتمع الذي يعيش فيه.
ب- نعت المجتمع بأوصاف لا تليق به، كأن يقول: مجتمع ساقط وغير ذلك من الأوصاف؛ فيظن سامعها، أنه المقصود من ورائها.
ت- افتراض النية السيئة، في كل من يقدم نصحاً للدعاة، أو ينتقد موقفاً لهم.
ث- معاداة كل من يترك صفوف الجماعة، واتهامه بالعمالة أو الخيانة أو السقوط.
رابعاً: الجدال الصاخب: فيعلو صوته، ويحتد ويغضب، فلا ينزل على حقٍ، ولا يحترم رأياً، ولا يستمع لمخالفٍ، ولا يعرف أدباً للحوار والنقاش، وهمّه إثبات مذهبه، وصحة قوله، وشكيمة رأيه، مع التركيز على نقاط الاختلاف، دون نقاط اللقاء مع المتحاور، فبعد كل جلسة جدال؛ يكسب عدواً جديداً له.
خامساً: الانطواء على النفس، وإشعار الآخر بعدم القبول: ومن مظاهر ذلك:
أ- الجلسات الخاصة والتحدث بسرية في الأماكن العامة، وهذا المظهر يشعر الآخر أنه منبوذ مطرود، وأن هناك حواجز وأسوار عالية بينه وبين هؤلاءالدعاة.
ب- المبالغة في تزكية النفس، وعلى أساس ذلك فهو لا يقبل إلا من كان مثله وبمستوى عبادته وخلقه.
سادساً: الغضب السريع والحماسة الزائدة في التعامل مع المواقف الحرجة: فقد يتحول نقاش أو خطأ مع مخالف لعراك بالأيدي وسيل من الشتائم والتهم.
سابعاً: التعامل بعقلية المعركة الحربية مع المخالفين: ومن مظاهر ذلك:
أ- إظهار النصر على المخالفين في عمليةٍ انتخابية، والمبالغة بالاحتفال فيه: واستخدام مفردات المعارك وغيرها.
ب- تصنيف الناس لفسطاطين: أعداء وأصدقاء، فمن كان معي فهوم معصوم، ومن كان ضدي فهو شيطان رجيم، يقول الدكتور سلمان العودة: "ليس من الرشد أن تصنف الناس لأعداء وأصدقاء، وكأنك مركز الكون، فهناك الكثيرون لم يعلموا بوجودك أصلاً ".
ت- التعامل مع موظفي الدولة والحكومة المناوئة للدعوة على اعتبار أنهم أعداء، والتحذير منهم والتشكيك في مصداقيتهم.
ثامناً: إخلاف العهد وإنكار جميل المتحالفين معه: فقد يستعين الداعية بشخصية عامة، أو جماعة، أو حزب؛ لخدمة دعوته، ثم ينكر ذلك، وينسب الفضل لنفسه وجهده، فلا يفي بشروط تحالفه، ولا يحقق عهد مخالفه.
ختاماً... قد لا تتجسد المظاهر السابقة في شخصية واحدة، ولكنّ مظهراً أو سبباً واحداً ، كفيلٌ بصناعة عدو، فكل خطأ يصنع عدواً وهكذا، حتى يصنع مجتمعاً معادٍ، كارهاً للدعوة ومؤسساتها وأفرادها، أو على الأقل لا يتجاوب أو يتفاعل معها بالمستوى المطلوب، مما يحول دون تحقيق أهدافها وطموحاتها.