الافتقار إلى الله .. أساس الفوز برضوانه

الرئيسية » بصائر تربوية » الافتقار إلى الله .. أساس الفوز برضوانه
الدعاء45

وها قد حل شهر الصيام، شهر تغفر فيه الذنوب والزلات، وترفع فيه الأعمال والقربات، شهر يحرص الناس على التقرب إلى الله أكثر من أي وقت مضى، حتى ينالوا ما أعد الله لمن يقوم برمضان حق القيام.

لكن لا ينكر أحد أن هناك تفاوتاً بين المؤمنين في رمضان، فمنهم المقتصد، ومنهم الظالم لنفسه، ومنهم من تميّز بعبادته فكان سابقاً بالخيرات.
وهنا نحتاج إلى البحث عن تلك الأمور التي يرتقي بها الإنسان وينال بها التميّز والرفهة، ومنها الافتقار إلى الله سبحانه.

يقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر:15].
فالله تعالى قرر افقتار العباد وحاجتهم إليه، فهي حقيقة لا يمكن إنكارها، وهذا ما لابد للعبد أن يدركه في حياته. يقول الإمام ابن القيم: (الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه).

"بقدر افتقار العبد إلى الله، وحاجته إليه، ولجوئه له عز وجل، يكون أثر النفع في العبادة والدعاء، وتظهر آثارها عليه، فتتزين عبادته بالخشوع والطمأنينة، والسكينة والوقار"

وبقدر افتقار العبد إلى الله، وحاجته إليه، ولجوئه له عز وجل، يكون أثر النفع في العبادة والدعاء، وتظهر آثارها عليه، فتتزين عبادته بالخشوع والطمأنينة، والسكينة والوقار. وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي)) (رواه مسلم).

ولابد للإنسان حتى يحقق الافتقار وحسن اللجوء إلى باريه، أن يدرك عظمة الله تعالى في نفسه، ويحققها بين جنباته، ويتم ذلك بزيادة التعرف على الله تعالى، على صفاته وأسمائه، بما يورث في القلب محبته والخوف منه، وليس نشر الجدل والخصومة بين الناس، فكلما زاد معرفة الإنسان بربه، كلما كان أكثر خشية له سبحانه، وقد قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:28].

وقال الفضيل بن عياض: رهبة العبد من الله، على قدر علمه بالله.
وأيضاً إدراك ضعف المخلوق وعجزه، والأصل في الإنسان أن ينظر لذاته، كيف خلق وتكوّن، وكيف يضعف إذا ألم به مرض أو أذى، وحاجته إلى ربه سبحانه. وقد ذكر الله تعالى الإنسان بأصله في كثير من الآيات القرآنية منها ما جاء في سورة الطارق: {فلينظر الإنسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب (7)}.

مظاهر الافتقار إلى الله

هناك أمور تدلل على افتقار العبد إلى الله، وحاجته له، منها التذلل إلى الله تعالى وحبه وتقديم حبه على كل شيء، وهو أصل العبادة، كما قال الطبري: "العبادة: الخضوع لله بالطاعة، والتذلل له بالاستكانة".

وحال المؤمن يكون بالتسليم بكل ما يريده الله تعالى ويحكمه، والرضا بما قسم له وقدر، قال تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 51-52].

ومن يتذلل له فإنه لا يمكن أن يتكبر على البشر، مهما كانت منزلته وجاهه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر، وسيد ولد آدم، يتواضع لغيره، ولا يتكبر عليهم.

ومن علامات الافتقار إلى الله، التعلق بالله تعالى، وحب ما يحبه الله، وكره ما يكرهه الله تعالى، فهو دائم الصلة بالله تعالى، قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} [النور:36-37]. لذا فهو يحرص على أداء ما يأمره الله، وشديد الحرص على تجنب ما نهى الله عنه، بالإضافة إلى غضبه إذا انتهكت محارم الله، ويمتثل على تنفيذ أوامر الله دون النظر إلى الحكمة من كل أمر.

ومن هذه العلامات كثرة ذكر الله تعالى، فهو دائم الذكر والتوجه إليه سبحانه، لا يفتر لسانه عن تمجيد الله وتسبيحه، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد:28].

ومنها كثرة استغفار الله تعالى، والندم على ما فرط في حقه، وطلب المغفرة منه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) (رواه البخاري)، وإذا كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بأحوالنا نحن!!

وقد كان من ذكر النبي صلى الله عليه والسلم: ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صعنت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) (رواه البخاري).

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن من علامات الافتقار إلى الله تعالى التوبة بعد المعصية، وطلب العفو منه، قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) (رواه مسلم).

"من مظاهر الافتقار إلى الله، الخوف من عدم قبول العمل، فهم وإن كانوا يعملون الصالحات، إلا إنهم يرجون من الله أن يقبل عملهم"

وحال أولئك مسطور في كتاب الله عز وجل: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135].

ومن مظاهر الافتقار إلى الله، الخوف من عدم قبول العمل، فهم وإن كانوا يعملون الصالحات، إلا إنهم يرجون من الله أن يقبل عملهم ويثيبهم عليه، وقد سألت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} [المؤمنون:60]، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات)) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه). ولهذا لا تجدهم يمنون على الله أو على الناس بما قدموا، بل يظهرون الافتقار لرحمته وقبوله لهم.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • العبادة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …