نشر مركز الزيتونة تقريراً جديداً حول المقاومة الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية، وقد أشار التقرير إلى أن أولى علامات المقاومة الشعبية ضد المشروع الصهيوني ترجع إلى سنة 1886 قبل الاحتلال البريطاني، حينما هاجم الفلاحون المطرودون من الخضيرة ومليس اليهود في قراهم المغتصبة التي أجلوا عنها رغماً عنهم. وقد تبنت الحركة الوطنية الفلسطينية المقاومة السياسية السلمية منهجاً خلال الفترة 1917-1929 وأول انتفاضة حدثت كانت انتفاضة موسم النبي موسى حيث اندلعت شرارتها في 4/4/1920.
ومن أشهر الانتفاضات في التاريخ الفلسطيني قبل النكبة حسب ما ورد في التقرير:
• انتفاضة يافا أيار/مايو 1921
• ثورة البراق آب/أغسطس 1929 وهي اول ثورة تشمل كل فلسطين.
• ثورة الكف الأخضر 1929-1930
• انتفاضة تشرين الأول /أكتوبر 1933
• إعلان الثورة واستشهاد الشيخ عزالدين القسام تشرين الثاني/نوفمبر 1935
• الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 وكان مجموع عمليات الثوار خلالها قد بلغ 10595 عملية.
ويشير التقرير إلى أن المقاومة الشعبية ظلت شكلاً بارزاً حيث عقدت المؤتمرات الشعبية، وقدمت العرائض، وتم تنظيم الإضرابات والمسيرات والمؤتمرات، والتوجه إلى الأمم المتحدة، إلا أنها كانت تنزوي أو تتضاءل لصالح المقاومة المسلحة.
صور المقاومة الشعبية:
من أبرز نتائج الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 أنها دحضت المزاعم الصهيونية التي ادعت أن الشعب الفلسطيني هو شعب صامت، كما أثبتت الجماهير الفلسطينية مدى فاعليتها ووجودها، بالإضافة إلى إعادة القضية الفلسطينية للأجندة العالمية.
وذكر التقرير بعض صور المقاومة الشعبية في التاريخ الفلسطيني، ومنها إحياء يوم 30 آذار/ مارس من كل عام كيوم فلسطيني للتمسك بالأرض، والاستعداد للدفاع عنها، حيث تعود الحادثة لعام 1976، والتي هب فيها الفلسطينيون في منطقة 48 واتخذت شكل إضراب، ومظاهرات، وواجهها الاحتلال بالقتل والإرهاب، حيث استشهد ستة فلسطينيين وجرح العشرات.
و من صور المقاومة الشعبية، الانتفاضة الأولى التي كانت في ديسمبر/ كانون الأول 1987 والتي شملت كافة قطاعات الشعب الفلسطيني، واتجاهاته وفئاته العمرية، واستمرت حتى تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994. وكانت الانتفاضة قد تميزت في بدايتها بالإضرابات، والمواجهات الشعبية الواسعة، والمظاهرات، وغيرها، ثم بدأت تبرز المظاهر المسلحة. ومن أبرز نتائجها أنها دحضت المزاعم الصهيونية التي ادعت أن الشعب الفلسطيني هو شعب صامت، وأثبتت الجماهير الفلسطينية مدى فاعليتها، حيث تنوعت وسائلهم من الكتابة على الجدران، إلى القنابل الحارقة، والرصاص، والكمائن والعمليات الاستشهادية.
وقد أسهمت الانتفاضة الفلسطينية الاولى في إعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية، وأعادت خيار المقاومة المسلحة إلى صدارة الخيارات المطروحة، بالإضافة إلى إعادتها زمام مبادرة العمل المقاوم للداخل الفلسطيني في الضفة وغزة.
أما انتفاضة الأقصى، والتي انطلقت في 28-9/2000 فقد وجهت ضربة قاسية لمشروع التسوية السلمية، وتميزت بمشاركة الجميع من أطياف الشعب الفلسطيني وتوجهاته، كما أنها أحدثت هزة عميقة في الكيان الصهيوني وأصابته في ركائزه الحيوية وهما الأمن والازدهار الاقتصادي الأمر الذي أدى إلى هجرة عكسية داخل الكيان الصهيوني.
وفي الفترة 2005-2014 بدأ خيار المقاومة الشعبية يستعيد شيئاً من زخمه، في ظل تعطل المقاومة المسلحة في الضفة، وهدوئها نسبياً في عزة.
وقد دعمت حكومة السلطة في الضفة هذا الخيار كحل لانسداد الأفق التفاوضي وانعدام فرص التسوية السلمية، وممارسة الضغط عليه والتغطية على فشل المشروع التفاوضي، عبر الإيحاء بفتح خيارات جديدة، وأخيرا محاولة تحريك المياه الدولة الراكدة لإعادة العمل التفاوضي والضغط على دولة الاحتلال لتليين موقفها.
وتعتبر بلعين وما شهدته من فعاليات رافضة لجدار الفصل العنصري، وكذلك إقامة قرية باب الشمس في القدس رفضاً على مصادرة دولة الاحتلال لها، وكذلك قرية باب الكرامة في القدس، وحي المناطير في منطقة بورين جنوب نابلس، وقرية كنعان في العيزرية في القدس وغيرها, أبرز الأمثلة على المقاومة الشعبية الحديثة.
ومن الصور التي تتعلق بهذا المجال، صمود أهالي قرية العراقيب شمال بئر السبع، والذي كانوا يعاودون بناء بيوتهم بعد هدمها من قبل قوات الاحتلال، حيث وصل عدد مرات الهدم إلى 68 مرة. كان آخرها في 9/4/2014، بالإضافة إلى الحملة الشعبية الواسعة لرفض مخطط برافر والذي يقضي بترحيل نحو 70 ألف عربي من بيوتهم وقراهم في النقب.
بالإضافة إلى ما سبق، كانت مسيرات العودة في الداخل والشتات، قد شكلت مفاجأة كبيرة لدولة الاحتلال، حيث حاصرتها المسيرات من ثلاث جبهات حدودية، بالإضافة إلى العديد من المظاهرات في الداخل الفلسطيني.
وأخيراً تعتبر المقاطعة الشعبية إحدى وسائل المقاومة الشعبية المؤثرة، حيث انطلقت في شهر يناير/ كانون الثاني 2009، إبان الحرب التي شنتها دولة الاحتلال على غزة، حيث كان الهدف إلحاق الخسائر بدولة الاحتلال عبر حرمانها من جزء من الأموال. بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الفلسطيني وحماية المنتج الوطني.
وأشار التقرير إلى أن الفلسطينيين قد تمكنوا من تحقيق بعض المكاسب كتعديل خط سير الجدار ومساره، استغلالاً للهامش الضئيل من القانون في دولة الاحتلال، وكان ذلك في بعض مناطق قلقيلية، وبلعين، وبيت جالا.
كما أدت الحملة الشعبية الواسعة لرفض مخطط برافر، إلى تراجع الحكومة الصهيونية عن هذا القانون.
بالإضافة إلى الخسائر المادية التي تكبدها الاحتلال من الحملات الشعبية، حيث اعترف الاحتلال بخسارة المستعمرات الصهيونية 20% من دخلها خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/ فبراير من العام العالي. وتوقع خبراء اقتصاديون أن تتجاوز خسارة دولة الاحتلال بسبب المقاطعة أكثر من ثمانية مليارات دولار سنوياً.
مواقف الفصائل الفلسطينية من المقاومة الشعبية
بحسب التقرير، فإن السلطة الفلسطينية في رام الله باتت تعتبر المقاومة الشعبية خياراً هاماً بعد تخليها عن الخيار المسلح، إلا أن التقرير يشير إلى أن السلطة ينبغي عدم اقتصارها على التأييد فقط، بل لابد أن تكون هناك سياسة واضحة تجاه هذا الأمر، بالإضافة إلى أن الاقتصار عليه يعكس خللاً موضوعياً في فهم هذه القضية، حيث تتعرض فلسطين لاحتلال عسكري لا يفهم سوى لغة القوة.
أما حركة فتح، فرغم أنها كانت تعتمد على الكفاح المسلح منذ نشأتها، إلا أنها استخدمت الوسائل السلمية الشعبية، كالدعوة إلى الإضرابات والمظاهرات، والآن أصبح الخيار الشعبي السلمي هو الخيار الوحيد الذي يصرح به قادتهم، حيث يعتبرونه أجدى وسائل المقاومة في حالة الضعف دون التخلي عن المقاومة المسلحة.
أما حركة حماس، والتي اعتمدت على الجهاد كخيار وحيد لتحرير فلسطين، فإنها فعّلت الخيار الشعبي- بحسب التقرير- في الآونة الاخيرة، خصوصاً بعد اتفاق المصالحة الذي عقد في القاهرة في أيار/مايو 2011. حيث اتفقت مع حركة فتح على تفعيل كل جهود الشعب الفلسطيني للتصدي للاحتلال ومظاهره، من خلال حشد طاقات الشعب الفلسطيني في مقاومة شعبية ووطنية لمواجهة الاستيطان وتهويد الأرض.
بحسب التقرير فإن موقف حماس من المقاومة الشعبية رغم عدم تخليها عن المقاومة المسلحة يعود إلى تخفيف الضغط على أبنائها وكودارها في الضفة الغربية، والمشاركة في الفعاليات الجماهيرية ضد الاحتلال، بالإضافة إلى بناء حالة توافقية مع فتح لتحريك الساحة الكفاحية الراكدة، وتغيير الصورة النمطية الدولية عن الحركة
وقد صرح قادة حركة حماس بأن هذا لا يعني التخلي عن خيار الكفاح المسلح، حيث اعتبرها الأستاذ خالد مشعل بأنها من الأمور المشتركة، رغم إيمان الحركة بالمقاومة المسلحة. في حين أكد الأستاذ موسى أبو مرزوق أن التوافق مع فتح على المقاومة الشعبية لا يعني إطلاقاً استبعاد الخيار المسلح.
وبحسب التقرير فإن موقف حماس من المقاومة الشعبية يعود إلى تخفيف الضغط على أبنائها وكودارها في الضفة الغربية، والمشاركة في الفعاليات الجماهيرية ضد الاحتلال، بالإضافة إلى بناء حالة توافقية مع فتح لتحريك الساحة الكفاحية الراكدة، وتغيير الصورة النمطية الدولية عن الحركة، مما يسمح لها بمزيد من التواصل وبسط الجسور مع الدوائر السياسية والبرلمانية.
أما فيما يتعلق بدولة الاحتلال، فإن المقاومة الشعبية على مر التاريخ عرّت دولة الاحتلال أمام الرأي العام، وأعادت القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي. وفي الوقت نفسه استخدم الكيان الصهيوني كافة وسائل القمع والإجراءات للقضاء عليها، حيث استخدم الرصاص المحرم دوليا، وكسر العظام وأنواع التعذيب المختلفة في الانتفاضة الأولى، في حين تعمد قتل المتظاهرين الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية، واستخدم الذخيرة الحية والأسلحة المحرمة في تفريقهم، الأمر الذي واجهه الفلسطينيون بوسائل المقاومة المسلحة والتي ألحقت بالكيان الصهيوني الكثير من الخسائر.
ومؤخراً بات الكيان الصهيوني يستخدم الوسائل القانونية، عبر اتهام المتظاهرين بالتحريض وتنظيم مظاهرات "غير شرعية"، بالإضافة إلى تعامله بحزم شديد تجاه القرى الشعبية التي أنشأها الفلسطينيون احتجاجاً على مصادرة الأراضي.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- مركز الزيتونة