أكَّد د. عصام البشير أنَّ الأمَّة الإسلامية أمّة مرحومة، وفي المقابل فليس من لوازم الرّحمة الاتفاق على كل شيء، فالرّحمة أن يعتصم أفراد الأمَّة بالجوامع المشتركة من المحكمات، وأن يسع بعضهم بعضاً في الفروع والخلافيات الثانوية.
وهنا يشير الداعية البشير إلى قاعدة جليلة دوّنها شيخ الإسلام ابن تيمية تدعو إلى رفع الحرج وحصول التيسير للأمّة عنوانها (يتبّعون الحق ويرحمون الخلق).
وكانت لنا وقفة في الجزء الأوّل من حديث الدكتور عصام البشير في محاضرة له بعنوان (رحمة الأمَّة بين الائتلاف والاختلاف) عقدت يوم الخميس الماضي 22/5 بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب في العاصمة القطرية الدوحة حول رحمة الله بالأمَّة بأن جعلها مختلفة في طبائعها وألسنتها وألوانها وميولها، وأنَّ من ثمرات الرَّحمة في أمَّة الإسلام أنَّ هناك اعتصاماً وثباتاً في الأصول وحثّه الناس أن يعذروا بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.
ومنها كذلك أنَّ الله جمع الأمَّة على الإله الواحد وعلى النبيّ الخاتم وعلى القرآن المنزل، حيث ضرب الداعية البشير أمثلة من اختلاف طبائع قادة المسلمين والخلفاء الرّاشدين؛ مثل رأفة ولين أبوبكر وقوَّة عمرَ وحياء عثمان وحكمة عليٍّ وغيرها من الأمثلة في هذا الجيل المبارك ومن بعدهم في تاريخ الإسلام، مؤكدًا أنَّ الاتفاق في الأصول والاختلاف في الفروع لا يعني عدم وجود الرحمة بين أفرادها.
معالم وآداب
وفي هذا الجزء الأخير، خصّه الدكتور عصام البشير بذكر الآداب عند وقوع الاختلاف، حيث ذكر في محاضرته جملة من المعالم يجب السير على دربها، وآداب يجب الأخذ بها عند الاختلاف بين المسلمين:
أولاً – ردّ الاختلاف والتنازع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
"عدم التعصب للرّجال أو الأشخاص أو المذاهب أو الأحزاب، لأنَّه ما دامت العصمة قد انتفت، فعلى المسلم أن يأخذ من النّاس أفضل ما عندهم"
ثانياً – الإيمان أنَّه ليس هناك عصمة لأحد عند أهل الحق إلاَّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وللأمّة في مجموعها، فكلٌّ يؤخذ منه ويردّ إلاّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، مؤكّداً أنَّ عقيدة الولاء والبراء على أساس الانتماء الدعوي أو الحزبي لا تجوز، موضحاً أنَّ هناك فرقاً بين التقدير والتقديس، والحكمة أن لا تقديس ولا تبخيس.
ثالثاً – عدم التعصب للرّجال أو الأشخاص أو المذاهب أو الأحزاب، لأنَّه ما دامت العصمة قد انتفت، فعلى المسلم أن يأخذ من النّاس أفضل ما عندهم ما دام ذلك موافقاً لكتاب الله سبحانه وسنّة الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام.
رابعاً – العدل والإنصاف مع من نحبّ ونكره، مستدلاً بقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. وذكر أنَّ العلماء أنصف بعضهم بعضاً، مشدّداً على أنَّ التطفيف في المعنويات أشدّ منه في الماديات التي جاء التحذير الإلهي منها: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}.
خامساً - إحسان الظنّ بالمسلمين مع العلماء والدعاة والعامَّة كذلك، من المخالف قبل المتابع، مستدلاً بما ورد من حديث: ((خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله)). كما أوضح البشير أنَّ حمل الكلام على أحسن المحامل من مقتضيات أدب الاختلاف.
"لا تلازم بين الخطأ والإثم، فالعالم في اجتهاده ولو كان مخطئاً يؤجر ولا أثم عليه"
سادساً- يجب مراعاة أنَّ الإنسان إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر. وأكَّد البشير أنّه لا تلازم بين الخطأ والإثم، فالعالم في اجتهاده ولو كان مخطئاً يؤجر ولا أثم عليه.
سابعاً– عدم الإنكار في مواضع الخلاف والفروع، مستدلاً بالسيرة النبوية وقصة صلاة الصحابة في بني قريظة، ففيها إقرار بمشروعية الاختلاف ومشروعية الاجتهاد، ذاكراً ما ورد عن سفيان الثوري: (إنَّما العلم عندنا الرّخصة من ثقة، فأما التشديد فيُحسنه كلُّ أحد).
وختم البشير حديثه عن "رحمة الأمّة بين الائتلاف والاختلاف" بضرورة توحيد الأمَّة الإسلامية التي لديها من الأسباب الكثير لتكون جسداً وكتلة واحدة، ولديها من القوّة والتاريخ والجغرافيا والمال والحضارة لتصبح رائدة في العالم، ودعا إلى حسن إدارة الاختلاف والتنوّع بين أطياف وأبناء الأمَّة لأنَّ ذلك يشكّل عامل ثراء وخصوبة يعود بالنفع العام والخاص على أفراد الأمَّة جميعهم.