على أبواب رمضان .. لمحات تربوية

الرئيسية » بصائر تربوية » على أبواب رمضان .. لمحات تربوية
ramadan

ينظرونَ إلى السماءِ، يرصدونَ حركة نُجومها وشُهبها، يَرقُبون اللآلئ فيها؛ لعلَّ البشير ينادي بالفرح والسرور، وبينما هم في ترقبٍ وانتظار، إذ بالعروسِ تُطل بزينتها وحليها مقبلةً على السماء، لقد جاءكم بِشْرُ رمضان، لقد أهلكم قمرُ الزمان.

فينطلق الناسُ يطوفون بالأسواق، ويملؤون البطون، ويقف رمضان ينادي: يا مسلمون اعقلوا! أنا الصيام فأمسكوا، أنا القيام فاركعوا، أنا الروح تسموا، للأرض لا تخلدوا، ولكن لا حياة لمن تنادي، يا أسفي على كثيرٍ من المسلمين! تركوا المعنى السامي للمعنى الداني، فاهتموا بشهواتهم وبطونهم في شهر جاء ليكبح جماح النفس، ويخفف من سطو الشهوة على الروح، ويقلل من أثر المادة في الحياة، فتراهم يترنحون في قيامهم وتلاوتهم، ويكثرون من نومهم؛ لثقل بطونهم، فلا يشعرون بلذة عبادة ولا سمو روح، فكأنما هي حربٌ على الصيام والقيام، فلا معنى لهما ولا تقوى من ورائهما.

"جاء رمضان عنواناً للتربية على عدة معانٍ عظيمةٍ، ترتقي بالإنسان، وتعلوا به عن دنيا المادة"

جاء رمضان عنواناً للتربية على عدة معانٍ عظيمةٍ، ترتقي بالإنسان، وتعلوا به عن دنيا المادة، ووصفه الرافعي في كتابه "وحي القلم"- بالمدرسة قائلا: "ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك: مدرسة الثلاثين يوماً" فرمضان مدرسة تربوية سنوية تأتي في كل عام مرة، كأنها ضرورة ملحة، وإلا سيطرت أهواء النفس على الإنسان مع مر الزمان، ومن هذه المعاني التربوية ما يلي:

أولاً: رمضان فرصة لتعزيز تقوى النفس والمراقبة لله تعالى: فقد قال تعالى: "لعلكم تتقون"، فهي عبادة خفية لا يعلم صحتها من فسادها إلا الله، فيراقب المسلم فيها ذاته، فيمتنع عن الشهوات، ويحاسب نفسه على النظرات، ويقيل لسانه عن العثرات، فيؤثّرُ ذلك على سلوكه كله، فتنتقل التقوى والمراقبة من حال الصيام إلى باقي أحواله. قال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "ليس الصوم صوم جماعة عن الطعام، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكف الكف عن أخذ الخطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام".

"من امتنع عن الحلال التزاماً لأمر الله، فإنه سيمتنع عن الحرام من باب أولى"

ثانياً: ومن المعاني التربوية للصيام: تقوية الإرادة البشرية في مواجهة الشهوة الحيوانية المتمثلة ببطنه وفرجه، فقد قال:-صلى الله عليه وسلم- موجهاً من لم يجد مؤونة الزواج-: "فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فيترك المسلم الطعام والشراب والجماع؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، ولهذا أثرٌ عظيم في تهذيب النفس، وضبطها بقواعد الحلال والحرام، فمن امتنع عن الحلال التزاماً لأمر الله، فإنه سيمتنع عن الحرام من باب أولى.

ثالثاً: إن من معاني الصيام التربوية: الشعور بالألم الذي يكابده الفقير على مر العام، ولكن شعور الألم في رمضان باختيارالمسلم وإرادته، وأما شعور الألم عند الفقير فمقهورٌ عليه، ورغم إرادته، فتتفجر ينابيع الرحمة في قلوب المسلمين، فلا ترى شهراً أوسع على الفقير منه؛ حتى يظن الفقيرُ أن الفقر قد ولى من غير رجعة ولا أوبة.

رابعاً: ومن المعاني الجليلة لرمضان: التذكير بأن هذه الأمة واحدة مهما اختلفت أعراقهم وأصولهم، ومهما فصلت بينهم حدود، وفي أي مكان كانوا شرقاً أو غرباً، قال تعالى: "إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" فشعور المسلم عند صومه وإفطاره؛ بمشاركة أمة بأسرها له يعزز معاني الارتباط والانتماء والولاء لهذه الأمة المسلمة.

خامسا: رمضان فرصة للتغيير فيغير المسلم فيها عاداته التي سار عليها طوال العام، ويعتاد العبادة بأرقى صورها وأشكالها، فالطريق إلى الله في رمضان مؤنسة لا موحشة، ويساعد على ذلك أن جموع الناس كلها منطلقة إلى الطاعة والعبادة بشتى أشكالها.

سادساً: التربية على الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة، منها الحلم والأناة والصبر، وطهارة اللسان من آفاته، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله -عز وجل" -كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة -أي: وقاية وحماية- فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم".

"رمضان فرصة لتطهير القلب من آفاته، بإدامة النظر في كتاب الله وتلاوته وتدبره وتطبيق أوامره والابتعاد عن نواهيه، بالإضافة لذكر الله تعالى"

سابعا: التربية على الانضباط، والمحافظة على الأوقات، فالمسلم يمتنع عن الطعام من طلوع الفجر إلى مغيب الشمس، والكيس الفطن من رتب وقته في رمضان وخطط لذلك؛ لازدحام الأعمال فيه، مع الحذر من مضيعات الأوقات من تلفاز وغير ذلك.

ثامناً: رمضان فرصة لتطهير القلب من آفاته، بإدامة النظر في كتاب الله وتلاوته وتدبره وتطبيق أوامره والابتعاد عن نواهيه، بالإضافة لذكر الله تعالى، فالتلاوة والذكر من أعظم الأسباب في علاج الكبر والغرور والعجب والنفاق والرياء... بشرط حضور القلب والذهن أثناءهما.

تاسعاً: رمضان شهر تقوية الروابط الإجتماعية وصلة الأرحام والبر بالجيران، لأن هذه من أعظم القرب إلى الله تعالى؛ فتكثر الزيارات والتهنئة بقدوم الشهر الفضيل، فرمضان فرصة لإنهاء ما كان من ضغينة أو شحناء بينهم.

لقد وصف النبي- صلى الله عليه وسلم – مواسم الخير بقوله: "إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتَعرَّضوا لها، فلعلّ أحدكم تصيبه نفحة، فلا يشقى بعدها"، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان المبارك؛ فعلى المسلم اغتنام هذا الشهر ما استطاع في شتى أنواع الطاعات، فهو كمن وقع على كنزعظيم فليأخذ منه ما استطاع.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
تربوي وإداري بخبرة تزيد عن خمسة عشر عاماً، حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله من جامعة اليرموك في الأردن، مدرس علوم اسلامية وشرعية، بالإضافة للعمل في عدد من المراكز والهيئات التربوية والدعوية المتنوعة، مدرس علوم قرآن وخبرة في تدريس التلاوة والتجويد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …