“نتنياهو” وحسابات المسجد الأقصى

الرئيسية » حصاد الفكر » “نتنياهو” وحسابات المسجد الأقصى
raed_salah

وأخيرًا فكر وقدر نتنياهو "وبق الحصوة"، كما يُقال في مثلنا الشعبي، ودعا إلى إخراج الحركة الإسلامية عن "القانون"، ثم أكمل هذه الدعوة الرديئة بأن أوحى إلى مكتب المخابرات (الإسرائيلية) والعاملين فيه الذين يخضعون له مباشرة أن يشيعوا خبرًا، مفاده أن أحد الأسرى من أهل الضفة الغربية قد اعترف خلال التحقيق أن الحركة الإسلامية بعامة، ومشروع مصاطب العلم بخاصة يتلقيان دعمًا ماليًّا من حماس، وأن هناك قناة سرية تربط العلاقة بين الشيخ رائد صلاح وخالد مشعل، ثم لبد بعد ذلك نتنياهو وأخذ يترقب تطور الأحداث، عساه أن يجني الأرباح التي حددها لنفسه في حساباته الداخلية من وراء صناعة هذه الأجواء، ويمكن إجمال هذه الأرباح الطامع بها نتنياهو بما يلي، على ما أظن:

1. نتنياهو يحلم بتوجيه ضربة للحركة الإسلامية منذ عام 2010م على الأقل، وقد دعا إلى إخراج الحركة الإسلامية عن "القانون" في ذاك العام، وهذا يعني أن الحركة الإسلامية لو لم يكن عليها أية شائبة قانونية ولا أية شبهة شائبة قانونية؛ فإن نتنياهو يطمع في ضربها من أجل ضربها، ومن أجل إضعاف بنيتها، وإضعاف أدائها، وثنيها عن مسارها، فهي التي باتت تعمل ليل نهار للانتصار لكل ثوابتها بلا تردد، على صعيد الانتصار لملف القدس والمسجد الأقصى، وعلى صعيد الانتصار لملف العودة، إلى جانب الانتصار لملف أسرى الحرية، وإلى جانب حمل هموم مجتمعنا في الداخل الفلسطيني وهمّ مقدساته، وإلى جانب مضيها قدمًا في تعزيز التواصل مع العمق الإسلامي والعربي، وإلى جانب مساندة مسيرة شعبنا الفلسطيني نحو قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس المستقلة. ويبدو أن نتنياهو يطمع في توجيه هذه الضربة من باب تصفية الحسابات مع الحركة الإسلامية؛ لثوابتها ودورها وأدائها.

2. يعلم نتنياهو أن الحركة الإسلامية خارج (الكنيست) ليست لضعف فيها، وعلى فرض أنها حاولت أن تخوض انتخابات (الكنيست) لحصلت على مجموعة مقاعد لا بأس بها، ولكنها اختارت لنفسها وفق رؤية مبدئية وثابتة أن تجتنب (الكنيست) جملة وتفصيلًا، فهل سعي نتنياهو اليوم إلى توجيه ضربة للحركة الإسلامية هو من باب معاقبتها على هذا الموقف؟، أم أن نتنياهو يحاول التضييق على الحركة الإسلامية لدفعها بالإكراه إلى خوض انتخابات (الكنيست)، والتغريد داخل (الكنيست) لا خارجه؟

3. الحركة الإسلامية صريحة في دورها نحو المسجد الأقصى؛ فهي لا تزال تؤكد علانية أن الشعب اليهودي أينما كان لا يملك حقًّا ولو في ذرة تراب من المسجد الأقصى، ولذلك إن وجود الاحتلال (الإسرائيلي) فيه وجود باطل وهو إلى زوال، واقتحامات الاحتلال له اقتحامات باطلة وهي إلى زوال، وطمع الاحتلال في بناء هيكل موهوم على أنقاض المسجد الأقصى هو طمع باطل وإلى زوال.

ولما كان الاحتلال يرى أن رأس مشروعه هو بناء هذا الهيكل الموهوم، والحركة الإسلامية تتصدى لذلك علانية، وتؤكد أن هذا البناء لن يكون؛ فإن نتنياهو يعد الحركة الإسلامية في حالة صدام مباشر مع رأس المشروع الصهيوني، الذي أعلنه قادة المشروع الصهيوني في أواخر القرن الثامن عشر عندما قالوا: "لا قيمة لـ(إسرائيل) دون القدس، ولا قيمة للقدس دون الهيكل"، إذن لابد من إخراجها عن القانون.

4. يوم أن بدأت الحركة الإسلامية دورها المناصر للمسجد الأقصى كان ذلك في منتصف التسعينيات، ويومها حاولت المؤسسة (الإسرائيلية) "إغراء" الحركة الإسلامية حتى تتوقف عن هذا الدور، وعلى سبيل المثال: أرسل (باراك) الذي كان رئيس الحكومة (الإسرائيلية) ذات يوم مندوبًا عنه إليَّ، لما كنت رئيسًا لبلدية أم الفحم، وعرض هذا المندوب علي هبة مالية بقيمة (خمسين مليون شيكل)، إذا ما تخلت الحركة الإسلامية عن دورها المناصر للمسجد الأقصى، فرُفض ذاك العرض المالي فورًا، ثم حاولت المؤسسة (الإسرائيلية) استعمال وسيلة الاعتقال مع الحركة الإسلامية حتى تتوقف عن هذا الدور، وعلى سبيل المثال: كانت اعتقالات عام 2003م وكان ملف "رهائن الأقصى" المعروف، ولكن الاعتقال لم يفتَّ في عضُد الحركة الإسلامية ولم يثنها عن دورها المناصر للمسجد الأقصى. والآن ونحن في عام 2014م إن نتنياهو يحاول إخراج الحركة الإسلامية عن "القانون"، طامعًا من وراء ذلك في تصفية الحركة الإسلامية وإلغاء هذا الدور تلقائيًّا.

5. الحركة الإسلامية ترفض سياسة "المنزلة بين المنزلتين" في دورها المناصر للمسجد الأقصى، فهي تخاطب الاحتلال في وجهه علانية، وتؤكد له أنه لا يملك أية سيادة على القدس والمسجد الأقصى المحتلين، وهي لا تعترف له بأية سيادة عليهما.

وكم حاول الاحتلال بأساليب شتى أن يستدرج الحركة الإسلامية بحجة أنه سيوافق لها على مواصلة مشاريع إعمارها في المسجد الأقصى، وبحجة أنه سيسهل لها إدخال إفطارات الصائمين في رمضان إلى المسجد الأقصى، وبحجة أنه سيتوقف عن إبعاد بعض أبناء الحركة الإسلامية عن المسجد الأقصى، إذا ما اعترفت الحركة الإسلامية له بالسيادة على المسجد الأقصى، أو رضيت أن تأخذ موافقة سلفًا على كل عمل لها في المسجد الأقصى من الاحتلال، ولكن الحركة الإسلامية داست على كل هذه العروض.

وكم حاول الاحتلال أن يرسل وسطاء من طرفه يتكلمون بالعبرية أو العربية، ليعرضوا العروض المغرية على الحركة الإسلامية (وأسماء هؤلاء الوسطاء وعروضهم معروفة) مقابل أن تعترف الحركة الإسلامية بسيادة للاحتلال على المسجد الأقصى، أو أن تتعامل معه كمرجعية في المسجد الأقصى، فداست على كل هذه العروض.

ويبدو أن نتنياهو توصل إلى رؤية مفادها أنه لابد من إزالة هذه العقبة الكؤود التي اسمها الحركة الإسلامية، وتقفُ بالمرصاد للاحتلال في المسجد الأقصى، ولذلك لابد من إخراجها عن "القانون".

6. لا أحد ينكر أن من أهم المشاريع التي قامت خلال السنوات الأخيرة لنصرة القدس والمسجد الأقصى مشروع مصاطب العلم، وفحوى هذا المشروع وأثره معروفان للجميع، ولقد بات كالدرع البشرية التي لا تزال تتصدى ببسالة لكل اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى، وباتت تمنع حتى الآن مخططات الاحتلال الرامية إلى فرض تقسيم زماني أو مكاني على المسجد الأقصى. ويبدو أن نتنياهو بات على يقين أنه لابد من تفكيك مشروع مصاطب العلم، وتنفير طلاب مصاطب العلم بخاصة والمرابطين في المسجد الأقصى بعامة عن مصاطب العلم، ويبدو أن نتنياهو بات على يقين أنه لن يتحقق ذلك إلا بإخراج الحركة الإسلامية عن "القانون"، ومحاولة إشاعة الخوف ولغة التهديد؛ عساها تؤدي إلى نفور أهلنا عن الحركة الإسلامية، ولكن هيهات هيهات.

7. أقولها لله ثم للتاريخ: عندما كنا معتقلين في ملف رهائن الأقصى في عام 2003م، وكنا يومها في سجن الجلمة، جاءنا أحدهم وقال لنا: "إن المخابرات تعرض عليكم ثلاثة مطالب مقابل أن تعيد النظر في اعتقالكم، أولًا: أن تعلن الحركة الإسلامية نيتها خوض انتخابات (الكنيست)، ثانيًا: أن تتوقف الحركة الإسلامية عن دورها في نصرة المسجد الأقصى، ثالثًا: أن تكتبوا عن "التعايش اليهودي العربي" بروح إيجابية، فقلنا له: "نرجوك قل لهم: (سمعنا عرضهم ووضعناه تحت أقدامنا)".

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • فلسطين أون لاين
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …