الاستبشار بالنصر والتمكين .. علامة على قوة الإيمان

الرئيسية » بصائر الفكر » الاستبشار بالنصر والتمكين .. علامة على قوة الإيمان
283635325039

تعتبر هذه الفترة واحدة من الفترات الهامة في تاريخ الأمة الإسلامية وهي تحاول إثبات هويتها وتسعى لنيل حريتها، بعد عقود من الاستبداد والظلم الذي ضيّع الأوطان والإنسان، وأزال هيبتها وفرط بحقوقها ومقدساتها.

بعد انطلاق الربيع العربي وما رافقه من حالة إثبات حياة الشعوب، والثورة على كل ثقافة الاستبداد والطغيان، تفاءل الكثير من الناس بالمستقبل، وأصبح حلم النهضة والعزة، وتحرير فلسطين واستعادة القدس، أقرب إلى الحقيقة، والشعوب العربية تلتف حول خيار أولئك الذين صمدوا أمام الاحتلال الصهيوني، رغم تخاذل العرب عن نصرتهم.

لكن مما لا شك فيه، أن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز الذي أطاح بآمال الكثير من الطامحين لتحقيق هذا الحلم، ليسوا من المصريين فحسب، بل من كل غيور وطامح لاستعادة أمجاد الأمة من خلال بوابة الإخوان المسلمين ومن شاركهم في تحقيق هذا الأمر.

وكنتيجة لما حدث في انقلاب مصر وما رافقه من مجازر بحق المصريين وعودة العسكر والفلول إلى الواجهة وكأن ثورة لم تقم، ناهيك عن الحرب الشعواء التي تشنها بعض الأنظمة العربية ضد الإخوان المسلمين حتى باتت الجماعة منظمة "إرهابية" وأصبح الانتماء لها جريمة، بات البعض ينقلب على تفاؤله بالتشاؤم، وأصبح البعض يشكك في مدى تحقق الأحلام والانتصارات التي انتظرتها الأمة مدة طويلة.

"حالة اليأس والإحباط التي باتت تنتشر لدى بعض أفراد الحركة الإسلامية، تحتاج إلى معالجة تربوية شاملة، تجمع بين البشارة والعمل لتحقيق التغيير، فالوقوف على الأحداث وتوجيه اللوم والعتاب لا يكفي لتحقيق طموحات الشعوب ولا لنيل الانتصار والتمكين"

إن حالة اليأس والإحباط التي باتت تنتشر لدى بعض أفراد الحركة الإسلامية، تحتاج إلى معالجة تربوية شاملة، تجمع بين البشارة والعمل لتحقيق التغيير، فالوقوف على الأحداث وتوجيه اللوم والعتاب لا يكفي لتحقيق طموحات الشعوب ولا لنيل الانتصار والتمكين.

لقد وعد الله المؤمنين بالنصر والتمكين، وهم في مرحلة عصيبة في المدينة، حينما رمتهم العرب من قوس واحدة، لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله. فكانت البشارة الإلهية لأولئك الخائفين الواضعين أيديهم على السلاح خوفاً من عداوة العرب، ليقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

وعلى المنهج ذاته سار النبي صلى الله عليه وسلم، يبشر أصحابه، ويثبتهم على مبادئهم رغم كل الظروف العصيبة التي واجهتهم، من قتل وتعذيب واضطهاد، فهو عليه الصلاة والسلام لم يدع لحالة اليأس أن تدخل إلى قلوب أصحابه رضي الله عنهم، وهم في أشد مراحل الاستضعاف، ويلخص هذا ما دار بينه عليه الصلاة والسلام وخباب بن الأرت رضي الله عنه، فيقول خباب رضي الله عنه: ((شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)). (أخرجه البخاري)

لكن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكتف بالتبشير فحسب، بل كان التخطيط دائماً لجلب النصرة والعزة للمسلمين، فذهب إلى الطائف، وأرسل بعضاً من أصحابه إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة، ليؤسس في الأمة منهجاً يجمع بين الأمل والعمل، والبشارة والمجاهدة.

إن على قيادة الحركة الإسلامية والتربويين فيها، أن يقفوا حاجزاً منيعاً أمام كل محاولات تسلل اليأس والإحباط إلى صفوف أبناء الحركة الإسلامية، خصوصاً في ظل الابتلاءات والمحن التي تواجهها الحركة الإسلامية في العديد من الأقطار العربية. ولهذا فإنها عليها أن تجمع بين البشارة بتحقيق العزة والحرية لهذه الأمة، وبين العمل الدؤوب، الذي يعتمد على التخطيط الواعي، والإيمان العميق، والعمل المتواصل، عبر توفير بيئة تربوية قوية، تسعى لتحقيق المقاصد والغايات التي تريدها الدعوة من الأفراد.

إن الأيام حبلى بالأحداث، وإن على جيل الحركة الإسلامية أن يدركوا أنهم سيكون لهم دور رئيس في الأحداث القادمة، وصناعة مجد الأمة القادم، وإن ثباتهم وتضيحاتهم التي يقدموها في شتى البلدان العربية، هي الطريق الصحيح لتحقيق أحلامهم وطموحات من سبقهم.

وأختم كلامي بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ، بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ)). (رواه أحمد والحاكم وغيرهما وصححه الذهبي).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …