بدايةً لا يمكن الفصل بين مقاومة الاحتلال الغاصب والثورة على الاستبداد، كلاهما يلتقيان في النضال من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، والحفاظ على الأرض والعِرض والحقوق المسلوبة، ومناهضة الفساد وعربدة المتجاوزين.
ربما من المفارقات القليلة والجميلة أن يلتقي الثائرون على الاستبداد ومقاومو الاحتلال بالمنطقة العربية في صعيد واحد اليوم، كل يؤدي دوره من أجل إنقاذ أمة عربية يراد لها أن تظلّ هي ومقدراتها نهب الطامعين من المحتلين والطغاة المستبدين، وأولئك الذين يطمحون إلى تحقيق أحلامهم من خلال مشاريع توسعية وطائفية.
وبينما أصاب القنوط واليأس شعوبنا ومجتمعاتنا بسبب ما يرتبط بثورات الربيع العربيّ، من إشكالات، بعضها متصل بما تصنعه أيدي أصحابها والمحسوبين عليها، وبعضها الآخر بفعل المؤامرات الشديدة ضدها من أجل إجهاضها، ودعم ثورات مضادة لها، وعرقلة أي حراك ثوري يمكن أن يطلّ برأسه في مناطق عربية أخرى.. جاءت أحداث غزة، والمقاومة التي تبديها حركة حماس وفصائل المقاومة في مواجهة العدو، لتمنح الثائرين ضد الاستبداد أملاً جديداً وروحاً جديدة، وتقدّم لهم الكثير من الدروس المفيدة التي تحتاج إلى تأملٍ وتبصرٍ، واستلهام من أجل انطلاقة جديدة بعد أن أصاب جسم الثورات العربية الكثير من الوهن والعلل.
أما الأمل فيتمثل في فشل الاحتلال الصهيوني الاستخباراتي والعسكري والسياسي في تحقيق نصر على المقاومة، حينما فوجئ بتطور أسلحة المقاومة النوعي، ووصول مدى نارها وتهديدها إلى عقر داره، وعدم قدرته على إيقافها أو الوصول إلى بنك أهداف المقاومة، وبالتالي حسن أداء المقاومة في إدارة المواجهة مع المحتل رغم الفارق في أسباب القوة المادية والعتاد والدعم.
"من المفارقات القليلة والجميلة أن يلتقي الثائرون على الاستبداد ومقاومو الاحتلال بالمنطقة العربية في صعيد واحد اليوم، كل يؤدي دوره من أجل إنقاذ أمة عربية يراد لها أن تظلّ هي ومقدراتها نهب الطامعين من المحتلين والطغاة المستبدين، وأولئك الذين يطمحون إلى تحقيق أحلامهم من خلال مشاريع توسعية وطائفية"
أما الدروس التي يمكن أن يستفيد منها الثوار والناشطون في ثورات الربيع العربي وبالأخص سوريا من أحداث غزة الجديدة في مواجهة "إسرائيل" وغرور قوتها.. فهي كثيرة، لعل أهمها:
ـ الصبر والثبات ومواصلة المشوار، وعدم الاستسلام أو اليأس والقنوط أو التخاذل أو السقوط.. فمقاومة المحتل مضى عليها أكثر من 65 سنة ومازالت تتواصل، فيما لم يمض على مقاومة المستبدين في ظل ربيع الثورات سوى أقل من أربع سنوات، ومثلما أن كثيراً من الطغاة مدعومون من الغرب ومن الكيان الصهيوني لأسباب كثيرة، ومن دول إقليمية ودولية، فإن داعمي الكيان الصهيوني مثلهم وربما أكثر، وبينما تحيط بعض الأنظمة الجائرة بالمناطق المحررة وتحاصرها، وتضيق الخناق عليها، فإن قطاع غزة محاصر منذ سنوات براً وبحراً، وتمنع عنه أسباب الحياة ويحارب أهلوه في معيشتهم ومعاشهم، ورغم تطورات الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بها، وتراجع الدعم في السنوات الأخيرة، تواصل المقاومة صمودها، وتلقن العدو دروساً في الثبات والمواجهة. لذا على الثائرين ضد الأنظمة الاستبدادية أن يتجاوزوا العقبات التي تواجههم، ويبتكروا حلولاً للتعامل معها والانتصار عليها، وألا يكتفوا بتعليق فشلهم عليها.
ـ ما تحققه حماس وفصائل المقاومة سببه وضوح في الرؤية السياسية والثورية والهدف وقدرة على التخطيط السليم ونتيجة لتراكم عمل وخبرة للمقاومة على مدار سنوات، وليس وليد لحظة، ورغم حداثة التجربة الثورية العربية ضد الظلمة والمستبدين إلا أنها تعاني من غياب هذا كله أو بعضه.
ـ ما تحققه حماس وفصائل المقاومة، خاصة حماس التي تدير القطاع فعلياً وتسيطر عليه يعود لوحدة الموقف والكلمة بين أطراف منظومتها القيادية خاصة العسكرية والسياسية، وهو المفقود لدى مكونات المعارضة والثورة، خصوصا في سوريا، إذ لا يزال حراكها يعاني من التشتت والتشرذم، والخلاف والشقاق، وتفرق الموقف وتعارض القوى إلى درجة الإفناء بين مكوناتها المختلفة، رغم أن هذه الثورة قدمت الكثير من معاني الصبر والتضحية.. الأمر يحتاج إلى علاج سريع، وإلا فستذهب ريح الثورات بسبب ذلك.
ـ ما تحققه حماس وفصائل المقاومة مرتبط بتشبث المجاهدين بأرضهم والتحام قيادتهم بهم، كانوا ومازالوا، واعتمادهم على قدراتهم، وتطويرها ذاتياً مع الانفتاح على الآخر والإفادة من خبراته وإمكاناته، ولكن دون أن يتأثر الحراك بتوقف هذا الدعم..لا يخفى أن حماس كانت تتلقى دعماً سياسياً ومالياً وعسكرياً ولوجستياً من سوريا وإيران، ومثل ذلك حصل من مصر في عهد الرئيس مرسي، ولكنها عندما توقف الدعم وغاب لأسباب معروفة لم تنكسر أو تتوقف، بينما يغيب ذلك في الوضع السوري، فلا القيادات ملتحمة مع ثوّارها، والغالبية ليست موجودة على أرضها، ويتم ربط تقدمها ونجاحها بالدعم الخارجي والدولي، دون استنفار لقدراتها وقدرات الشعوب العربية والإسلامية، وربما تسبب كل أو بعض ذلك في إتاحة المجال لداعش وأخواتها.
ـ وأخيراً ما تحققه حماس وأخواتها في المقاومة اليوم من إنجازات تلوح معالمها في الأفق يرجع للتوازن بين إصرارها على حقها في المقاومة واستثمار ذلك سياسياً وتفاوضياً، فهي تواصل النضال مع عدم إقفال التفاوض، لكن من موقع القوة (راجع خطاب إسماعيل هنية الأخير)، بينما تريد المعارضة السورية أن تتحرك سياسياً دون وجود قوة فاعلة ومؤثرة لها على الأرض، تمثلها وتتحدث فعلياً باسمها، ودون أن يستفيد الحراك الثوري على الأرض من الواجهة السياسية المتاحة له للحديث إلى العالم، وإنجاز بعض الأهداف السياسية، والإنسانية للتخفيف من معاناة الشعب السوري.
دروس مهمة من أحداث غزة الراهنة ما أحوج الثورات العربية إليها!