خطف وقتل المستوطنين الثلاثة.. أين الغرابة؟؟

الرئيسية » بصائر من واقعنا » خطف وقتل المستوطنين الثلاثة.. أين الغرابة؟؟
Israeli soldiers mourn during the funeral of their comrade Ilan Sviatkovsky in Rishon Letzion

ليس غريباً ما شهدته الساحة الفلسطينية في الأيام الماضية، حيث أبدع الفلسطينيون في رسم صورة رائعة للمقاومة الباسلة في الضفة الغربية، التي تئن تحت ضربات الاحتلال، وسيطرته عليها، والتنسيق الأمني الذي حرمها من الكثير من صور بطولاتها وتضحياتها.
لكن ومع ذلك، ورغم كل ما تعايشه الضفة الغربية من ظروف عصيبة، إلا أن مجاهديها نجحوا في إرباك حسابات اليهود، وخطف ثلاثة من جنوده وقتلهم، رغم كل ما يملكه الاحتلال من سيطرة فعلية على الأرض، وما يدعمه من جيش من العملاء، ومن التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية وغير ذلك.

أين الغرابة ..!!
حينما أعلن الكيان الصهيوني عن فقد ثلاثة من مستوطنيه، تعجب البعض، وادعوا أنها لعبة تقوم بها دولة الاحتلال لتصفية وجود حماس وكل من يرفض التنسيق الأمني والمساومة على الوطن في الضفة الغربية، بل وصار البعض ينفي وبشدة وقوع عملية الاختطاف، وكأن الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية أصبحت ميتة، لا تستطيع أن تقدم صوراً جديدة من المقاومة الباسلة ضد الاحتلال.
عموماً، لو رجعنا إلى التاريخ ولو قليلاً، فإننا سنجد أبطال الضفة قد قاموا بمثل هذا مرات عديدة، فعمليات خطف الجنود الصهاينة وقتلهم قد تمت في الضفة الغربية لأكثر من مرة، إلا أن عدم قراءة التاريخ جعل البعض يستغرب وقوعها داخل الضفة.
صحيح أن هناك صعوبات تجعل الأمر يبدو مستحيلاً، إلا أن قوة الإرادة والعزيمة لا تتوقف عند العراقيل والمعوقات، بل تفعل المستحيل لتحقيق ما تريده وتصبوا لأجله تماماً كما حدث خلال الأيام الماضية.
وليس ما حدث في الضفة غريباً أبداً، حينما نجد تصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال فيها في الفترة الأخيرة، حتى أن جهاز الشاباك الصهيوني قد أعلن في نهاية العام الماضي عن تصاعد العمليات الفلسطينية ضده، حتى بلغت في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي خمس عمليات يومياً، وربما هذا لسهولة أن يجد المقاوم الفلسطيني المستوطنين أو جنود الاحتلال، حيث بالإمكان رؤيتهم واقفين على الشوارع والحواجز دون حراسة أو حماية، خصوصاً تلك القريبة من مناطق الفلسطينيين.

"نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية مطلع العام الحالي تقريراً لأحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية يحذر من سعي المقاومة في الضفة لخطف جنود الاحتلال واحتجازهم في مناطق سرية لتحرير المزيد من الأسرى"

وفيما يبدو خوف جيش اليهود وأعوانهم من اشتعال الضفة، وخصوصاً فيما يتعلق بخطف الجنود الصهاينة، نسبت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تقرير سري، سرّب في مطلع العام الحالي، في بداية شهر كانون الثاني/ يناير أن الهدف الوحيد للمقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة هو خطف جنود الاحتلال أو حتى مدنيين واحتجازهم في مناطق سرية في الضفة الغربية من أجل تحرير المزيد من الأسرى الفلسطينيين، وقد لفت التقرير إلى أن الشارع الفلسطيني يشجع على ذلك من أجل حل قضية الأسرى، وبسبب قناعتهم بأن ليس هناك حلاً سياسياً في الأفق في هذه القضية.

وورد في ذات التقرير الصادر عن أجهزة السلطة الفلسطينية بأنه يتوقع أن تنقل الخلايا العسكرية التابعة للمقاومة إلى مناطق C القائمة تحت سيطرة الاحتلال وإلى المناطق القريبة من القدس، وعزا التقرير ذلك لعدم قدرة أجهزة الأمن الفلسطينية على العمل في تلك المناطق، كما أن التواجد الأمني الصهيوني قليل.
والغريب أن ما نص عليه التقرير وتخوف منه اليهود والأجهزة الأمنية الفلسطينية قد وقع بالفعل، فالعملية تمت في منطقة عصيون قرب الخليل، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الكيان الصهيوني، وليس للسلطة أي سيطرة عليها، بالإضافة إلى أن أبطال المقاومة عرفوا كيف يلعبون باليهود ومن معهم، حيث كان عملهم صامتاً مخططاً، الأمر الذي خلط أوراق الاحتلال، وأدى بهم إلى تلك الحملة الصهيونية الشرسة ضد الفلسطينيين وخصوصاً ضد من ينتمي لحركة حماس في الضفة.

التخبط دليل الفشل

"من السذاجة أن نقول أن الاحتلال يبحث عن مبررات لأفعاله، فهو يقتل ويسجن ويهدم ويصادر في كل يوم، بل أثبت التاريخ أن العربدة الصهيونية تزداد بشكل أكبر كلما كان الفلسطيني مسالماً وراضياً بوجود الاحتلال!"

إن ما قامت وتقوم به قوات الاحتلال الصهيوني من محاولات هستيرية ضد الفلسطينيين، يؤكد وبشكل واضح أن العملية كانت مفاجئة لهم، وأنها أثخنت فيهم الجراح، خصوصاً وأن الاحتلال يظن أنه يسيطر على الضفة الغربية سيطرة كلية.
لكن البعض مع الأسف ما زالوا يشككون في صحة العملية، وقدرة الفلسطينيين على إلحاق الضربات الموجعة بالاحتلال، ويبررون كلامهم أن دولة يهود تجعل من هذه المسرحية – على حد تعبيرهم- مسوغاً لضرب حماس واستئصال شأفتها، وكأن الاحتلال يحتاج إلى مبررات للقيام بأفعاله.
إن من السذاجة أن نقول أن الاحتلال يبحث عن مبررات لأفعاله، فهو يقتل ويسجن ويهدم ويصادر في كل يوم، بل أثبت التاريخ أن العربدة الصهيونية تزداد بشكل أكبر كلما كان الفلسطيني مسالماً وراضياً بوجود الاحتلال!
ختاماً، ليست هذه أول مرة يتعرض فيها أبطال الضفة للاعتقال والتضييق، فالضفة المحتلة لديها تجارب تاريخية كثيرة في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، فليست هذه أول مرة تتعرض فيها غزة المحاصرة للقصف والتهديد بحملة عسكرية واسعة، لكن في المقابل، ليست هذه المرة الأولى التي يفاجأ بها الاحتلال من الملاحم البطولية التي يسطرها أبناء الضفة بتضحياتهم ودمائهم.
بقي أن نختم قولنا، بأن فرحة الفلسطينيين بما جرى من عملية خطف للمستوطنين، تؤكد للقاصي والداني أن الشعب الفلسطيني سيظل وفياً لخيار المقاومة، فهو الخيار الوحيد الذي يحفظ لهم كرامتهم، ويرد لهم اعتبارهم، بل ويثبت لهم وجودهم في ظل سعي المفاوض الفلسطيني إلى محو كل ما يتعلق بفلسطين من أرض وبشر ونظام ومقدسات.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

أسوأ رمضان يمر على الأمة أم أسوأ أمة تمر على رمضان؟!

كلمة قالها أحد مسؤولي العمل الحكومي في قطاع غزة، في تقريره اليومي عن المأساة الإنسانية …