ميعاد يتجدد بيني وبينه كل شهر، ولا أدري إن كان لديه الحرص نفسه على ذلك اللقاء العابر أم لا، وإن كنت في قرارة نفسي لا أستبعد ذلك لخصوصية اللقاء وما يحويه من كلمات لها الكثير من الدلالات.
هي فرصة عظيمة أنتهزها لأدخل في خلوة عجيبة لا يحظى بها إلا القليل القليل من بني البشر رغم أن الكثير منهم يراه مثلي ويملأ عينيه وناظريه منه، وكثير يحلو له نظم قصائد الشعر فيه، كما فعل والدي -رحمه الله – من قبل، بل إنني أجزم بأن لدى البعض من وسائل الرصد الحديثة والأدوات المتطورة ما يقربه ويجليه حتى لكأنه جار قريب!!
أفرح كثيراً عندما أحظى برؤيته وأنتشي عندما أصطاده وهو يحاول الاختباء خلف الغمام السابح المُسبِّح في ملكوت الله الواسع فأناديه أن توقف قليلاً لأبثك كلمات صغيرة في مبناها عظيمة في معناها، ولا عجب فقد أسمعك إياها خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله والصحب الكرام، وسمعتَها من أصحابه وكل من اقتفوا أثره واهتدوا بهديه فكانوا أقماراً يستضاء بها عبر الزمان، توقف قليلاً لنخاطبك بها ونجعلها ميثاقاً بيننا وبينك أيها العرجون القديم. ميثاق عليه توقيع خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فقد ثبت أنه (كان إذا رَأى الهلالَ قالَ اللَّهمَّ أهلِلهُ علَينا باليُمنِ والإيمانِ والسَّلامَةِ والإسلامِ ربِّي وربُّكَ اللَّهُ).
الراوي: طلحة بن عبيدالله المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الترمذي - الرقم: 3451، خلاصة حكم المحدث: صحيح
"ربي وربك الله" ما أعظمها وأروعها من عبارة لا تستثني أحداً في الدنيا مهما كبر حجمه وتعاظم جرمه أو علا وارتفع في الأرض أو في السماء، عبارة تخرج غضَّة صادقة من فم تعطر بشهادة التوحيد وقلب تطهر من أدران الشرك والتعديد.
عبارة تختصر كل مفردات اللغة المشتركة بيننا وبين هذا الجرم الضخم حتى إن أطفالنا وصغارنا يمكنهم أن يخاطبوه ويكلموه بكل ثقة، فيما يعجز عن ذلك خبراء "ناسا" ومهندسيها وباحثيها!!
أنت يا ذا النور والسنا.. يا من تطل علينا من علٍ متباهياً بما تنثره علينا من ضياء وبهاء، لست سوى عبد ذليل فقير لربٍّ عظيم جليل خلقك، وبأمره سخَّرك، ومع الشمس سيجمعك، وإلى أجل مسمى تجري، وفي فلك محدد تسبح وتمضي، أليس هو الذي شقك وبكتابه العزيز أقسم بك.
فيا أيها القمر ونحن أَخَوَان، كلانا خلقنا لنعبد الملك الديّان، وما إطلالتك علينا غرة رمضان إلا تذكرة بفضل الزمان، وانطلاقة المتسابقين المشمرين لولوج باب الريان، فلله درّك يا قمر.. يذكرنا ضعفك وخفوت ضوء هلالك بضعفنا وضمور جذوة الإيمان فينا قبيل رمضان عساها تتوقد وتضيء القلب بدراً يشع نوراً وإيماناً في الروح والجَنان. لله درك ورؤيتك تستجلب التكبير والدعاء فقد (كانَ رسولُ اللهِ إذا رأى الهلالَ قال: اللهُ أكبرُ، اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمنِ والإيمانِ، والسَّلامةِ والإسلامِ، والتَّوفيقِ لما تحبُّ، وَترضَى، ربُّنا وربُّكَ اللهُ)
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني- المصدر: الكلم الطيب- الرقم: 162، خلاصة حكم المحدث: صحيح بشواهده
لله درّك يا قمر فرؤيتك تذكرنا بماشطة بنت فرعون وهي تردد بكل ثبات في وجه فرعون وكل الفراعنة على مدى الزمان: "ربي وربك الله"، وتذكرنا بالغلام المؤمن وهو يصفع بها الطاغية المتجبر وقد شق الأخاديد وملأها ناراً ودخاناً للمؤمنين، وتذكرنا بيوشع عليه السلام وهو يخاطب الشمس قائلاً لها: أنتِ مأمورةٌ وأنا مأمورٌ، وتذكرنا بكل من علا منسوب الإيمان في نفسه فلم يعد يرى أحداً أكبر من الله العزيز الجبار، فإذا كنا نقولها لمن كبر من الأجرام السماوية، فكيف لا نعلنها قوية راسخة في وجه كل من تكبر وتجبر وعلا واستكبر؟!