في معركة غزة .. الجهاد ضد الباطل الباطن أولى وأهم!!

الرئيسية » بصائر الفكر » في معركة غزة .. الجهاد ضد الباطل الباطن أولى وأهم!!
APTOPIX Mideast Israel Palestinians

من بين أهم الدروس المستفادة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ونجاح المقاومة الفلسطينية في فرض كلمتها على الأرض، بمختلف الوسائل، السياسية والقتالية والإعلامية؛ هو انكشاف مواقف الكثيرين بين ظهرانينا، في أمتنا العربية، من مسؤولين وسياسيين وإعلاميين، في ظل ظرف شديد الحساسية لا يحتمل وجود طابور خامس، مع وصول معركة التغيير والإصلاح والتحرر، من استعمار الداخل والخارج، إلى محطة ربما تكون حاسمة.

وغنيٌّ عن القول أن المعركة الراهنة التي تطورت من قطاع غزة، لتشمل كل فلسطين المحتلة، مع ظهور بوادر انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، وفي الداخل المحتل عام 1948؛ إنما هي إحدى صور ومحطات الصراع الأبدي بين الحق والباطل، والذي بدأ مع خلق الإنسان، وسيستمر إلى يوم القيامة.
وتمثل إسرائيل وحلفاء العلن، في هذه المحطة من الصراع، الباطل الظاهر، والذي من البيِّن الجليِّ أنه الجانب الشرير الأسود من الحياة؛ حيث هو الطرف الذي يستولي على حقوق الآخر، ويستعمر أرضه، ويقتله، ويدمر بيته.

وعلى الرغم من كل الخراب والدمار الذي يوقعه أصحاب الباطل الظاهر في هذه المعركة؛ إلا أنه يبقى ذو أثر قريب؛ يمكن التغلب عليه من خلال إيقاع الأذى بالعدو، سواء في عتاده أو أفراده، وهو الأهم؛ حيث الحياة مقدسة عند اليهود؛ لأنهم يعلمون تمام العلم أنهم قوم قد غضب الله تعالى عليهم، وأعد لهم العذاب الأليم، في الدنيا والآخرة.

يقول الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [سُورة "البقرة"- الآية 96].

إذًا؛ فقصة الباطل الظاهر واضحة، ولا تحتاج إلى تبيان، وعلى وضوحها؛ فهي من السهولة بمكان التعامل معها، والتصدي لها، فيكون الأخطر من ذلك هو الباطل الباطن، الذي يتلبَّس نفس عباءتنا، ويتحدث ذات لغتنا، ويزعم أنه من ذات ديننا، ويقول إن قلبه على مصلحة الأمة، بينما هو يسعى في خرابها.

وتعود خطورة الباطل الباطن، أو ما اصطلح على تسميته في العلوم الاستراتيجية بالطابور الخامس، إلى أكثر من جانب فيما يتعلق بحقيقة الأدوار الهدامة التي يقوم بها بين ظهرانيي الأمة، وخصوصًا في أوقات الأزمات، وعندما تحتدم المواجهة بين الحق والباطل.

فهو من جانب، يعمل على تثبيط الهمم، والتشكيك في روح المقاومة، وفي رمزية الحق الذي تنادي به، وتحمل لواءه، والأخطر من ذلك، أنه يعمل على تلبيس الحقائق، والترويج لموقف العدو، أو الباطل الظاهر، وإظهار أنه على قدم المساواة مع أصحاب الحق، وربما حاول جعل كلمة العدو فوق كلمة صاحب الحق!

والمتأمل في الأدوار التي يقوم بها بعض الرسميين والإعلاميين العرب في الأزمة الحالية في قطاع غزة؛ يدرك خطورة ذلك، لاسيما إذا ما استند إلى خطاب قومي عروبي زائف، يظهر أن "قلبه" على أهل غزة، وأنه يريد حقن دمائهم التي تريقها قيادات المقاومة بـ"مغامراتها المتهورة"؛ متناسيًا أن هؤلاء يدافعون عن شرف الأمة، وأن الموت في سبيل استعادة الحقوق، ناموس إلهي، وقانون من قوانين التدافع البشري التي وضعها الله عز وجل في خلقه!

كما يتغاضى هؤلاء عن حقيقة بديهية بسيطة- لكل من يعرف الإسلام جيدًا- وهي أن من قُتِلَ دون ماله وأرضه وعرضه ودينه؛ إنما هو شهيد، والشهيد حيٌّ لا يموت، عند الله تبارك وتعالى، وهي حقيقة قرآنية، أقرها ربُّ العزة سبحانه في أكثر من موضع، ومن بينها قوله تعالى في سُورة "آلِ عمران": {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}.

ومِن ثَمَّ؛ فإننا أمام جانب شديد الأهمية من أركان المعركة الحالية، والمستمرة، وهو مواجهة هذا الباطل الباطن، وهو أمر شديد التعقيد، بخلاف ما قد يتصوره البعض.

فالعدو أو الخصم المباشر الواضح؛ يسهل التعامل معه من دون إثارة مشكلات فيما يتعلق بالبيئة الإقليمية والدولية التي يتحرك فيها أصحاب الحق.. هذا خصم معتدٍ يحتل الأرض ويقتل الأطفال ويهدم المستشفيات والمبرَّات الخيرية على رؤوس أصحابها.. هنا تكون المواجهة أسهل برغم كلفتها الإنسانية الصعبة.

وهو ما يبدو واضحًا في العدوان الحالي في غزة؛ حيث إن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا؛ يسعى إلى وقف إطلاق نار يحقق بعض شروط المقاومة، بما في ذلك فتح المعابر، خلافًا لرغبة إسرائيل ومصر الرسمية!

أما الباطل الباطن؛ فهو أشبه بثانويات السرطان التي يتطلب التعامل معها الكثير من الجهد والعنت لانتزاعها من جسد المرض!
فأي مساس سياسي أو إعلامي به؛ يصبح "مزايدة" من جانب المقاومة، و"محاولة لضرب الدور الإقليمي للشقيقة الكبرى"، و"التفاف على النظام الإقليمي العربي"، و"ركوب دماغ" و"عدم إدراك للمصلحة، بينما الأطفال يموتون على الأرض"، وهو ما يخلق جبهة سياسية وإعلامية جديدة أمام القوى التي تقود العمل المقاوِم؛ لشرح حقيقة الموقف أمام الرأي العام الخارجي، الذي قد يكون مضللاً بفعل الجهد الإعلامي والدبلوماسي لهذا الباطل الباطن!

ويطرح ذلك العديد من الواجبات على القائمين على العمل الإعلامي والدعوي خوض موقعة كبرى على قلوب وعقول الجماهير، معركة الكلمة والمنطق، التي هي ربما أصعب من معركة السلاح؛ حيث إن مهمة تغيير القناعات؛ إنما هي مهمة الأنبياء والرسل عبر العصور حتى بعثة محمد "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم".

وفي هذا؛ فإنه من الأهمية بمكان أن يعمل كل من المؤمنين بعدالة القضية، والمخلصين لها، على توضيح الحقائق أمام جموع الجماهير، وهي مهمة ذات أهمية كبرى، ليست في التصدي للباطل الظاهر والباطن فحسب؛ وإنما أيضًا في استقطاب الجماهير التي لم تزل مُغيَّبة بفعل الإعلام الرسمي ومن نحا نحوه في عالمنا العربي، من إعلاميين ودعاة باطل..!

معلومات الموضوع

الوسوم

  • حرب غزة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    "باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

    شاهد أيضاً

    كيف قاد النبي ﷺ جيشه إلى النصر؟

    لم يكن النبي ﷺ قائداً عسكرياً تقليدياً تلقى تعليمه في أكاديميات الحرب، لكنه كان خير …