لماذا استهداف محمد “صلَّى الله عليه وسلَّم”.. نبيُّ الرحمة؟!

الرئيسية » بصائر تربوية » لماذا استهداف محمد “صلَّى الله عليه وسلَّم”.. نبيُّ الرحمة؟!
17_06_2014_1161912907_470255

كان من المستغرب الحملة الأخيرة التي شنتها قوات الأمن في مصر على ملصق "هل صليت على النبي اليوم؟".. فالملصق يحمل عبارة طيبة، وكذلك هي عبارة دينية "عادية جدًّا"، بمعنى أنها لا تحمل أي محتوىً سياسي أو ما شابه. أدت هذه الحملة لاندلاع مساحة كبيرة من الجدل، حول طبيعة الحملة، لجهة من الذي يقوم بها، بجوانبها الأخلاقية التي بات المجتمع المصري، والكثير من المجتمعات العربية والإسلامية بحاجة إلى استعادتها، وكذلك حول أسباب الحملة الشعواء التي تشنها السلطات ضد الملصق. ولكن، ومهما كانت الخلفيات التي تقف وراء هذه المسألة؛ إلا أنه كان لها جانبٌ محمودٌ على الأقل في أنها فتحت الباب على مصراعيه للحديث عنه.. عن محمد.. "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، نبيُّ الرحمة، والذي لو أدرك الناس ما في بعثته من رحمة؛ لتصارعوا فيما بينهم على نيل صحبته يوم القيامة، ولَبَكَوا شوقًا لرؤيته، وندمًا على تقصيرهم حقه!. كانت بعثة الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، رحمةً للعالمين في أكثر من جهة، ولكن قبل تناول بعض الزوايا المرتبطة بذلك؛ فإنه يجب أن نشير إلى بعض جوانب الرحمة في حياة محمد "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم". بداية، فلقد شهد القرآن الكريم، للرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، بالرحمة، وجاء ذلك في وصف لم يتكرر لأي بشرٍ أو مخلوق آخر، عندما أفرد الله تبارك وتعالى نبيه المصطفى "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، بوصفه باسمَيْن من أسمائه، يحملان صفتَيْن من صفاته عز وجل، وهما الرأفة والرحمة، فيقول الله تعالى في سُورة "التَّوْبَة": "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128). ولكن، وبما أن القرآن يفسِّرُ بعضه؛ فإن هذه الصفات، الرحمة والرأفة، وغيرها من تمام كمال شخص النبي "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، هي كأي هبة في هذه الدنيا، هي منحةٌ من الله عز وجل، يصطفي بها مَن يشاء من عباده، فيقول الله تعالى في مُحكَم التنزيل: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ" [سُورة "آل عمران"- مِن الآية 159[. فالرحمة إذن، صفةٌ أصيلة في النبي "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، وتبدو في العديد من المواقف من سيرته العطرة، وفي أحاديثه الشريفة الصحيحة، فهو الذي قال: "ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"، [أخرجه أحمد والترمذي وآخرون، وصححه الألباني]، وهو الذي قال أيضًا: "من لا يَرْحَم لا يُرْحَم" [صحيح/ أخرجه البخاري ومسلم وآخرون[. حتى الرحمة بالحيوان، كانت في عين توجيهاته للصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، والأمة والإنسانية من بعد، فهو القائل "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم": "في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجر" ٍ[متفق عليه]، وهو القائل كذلك: "مَن قتل عُصفورًا عبثًا عجَّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانًا قتلني عبثًا ولم يقتلني لمنفعةٍ" [صحيح/ أخرجه الطبراني والنسائي وأحمد وآخرون[. والأحاديث في مظاهر الرحمة في حياة النبي "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، كثيرة، وتطول، ولكن الجانب الأهم- من وجهة نظرنا- في الحديث عن معنى أنه "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، نبي الرحمة، يكن في أمر شديد الأهمية، وهو كيف أن بعثة محمد "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"، ونزول الدين الخاتم على صدر المصطفى "عليه الصلاة والسلام"، قد عطل بها الله عز وجل لسنن كانت تجوز على الأمم من قبلنا، وكان فيها التشديد عليهم. أول هذه السُّنَن، في التَّوْبة، فالتوبة في بني إسرائيل كانت بقتل النفس، فعندما غضب الله عز وجل على بني إسرائيل بعبادتهم العجل، أمرهم بقتل أنفسهم.. يقول عز وجل في سُورة "البقرة": وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)". "منذ بعث محمد "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"؛ فإن التَّوْبة صارت بكلمات تغمد الله تعالى بها عباده، وأنزلها عليهم، يقبلها منهم، ويتوب بها عليهم" أما وقد بُعِثَ محمد "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم"؛ فإن التَّوْبة صارت بكلمات تغمد الله تعالى بها عباده، وأنزلها عليهم، يقبلها منهم، ويتوب بها عليهم. كذلك، وعندما يقول الله عز وجل في سُورة "الأنبياء": "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)"؛ فإنه من بين أهم أركان المفاهيم التي تشير إليها هذه الآية، هو أن الله سبحانه وتعالى، قد رفع ببعثة الرسول الكريم "صلَّى الله عليه وسلَّم"، سُنَّة إلهية كانت نافذة في القرون الأولى، وهي إهلاك القرى الظالمة التي عصت أنبياءها ورسل ربها إليها.. كانت هذه السُّنَّة الإلهية سارية؛ حتى بُعث محمدٌ "صلَّى الله عليه وسلَّم"، لأن الدين الخاتم لم يكن آن أوان نزوله إلى البشر، فكان إهلاك القرى الظالمة، لانه لم يكن هناك الدين الخاتم لكي يُبقي الله تعالى عليهم؛ لعل وعسى- وعلم الله سابق- أن يؤمن به أحدٌ فيها.. فلما بُعِثَ محمدًا "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، رفع الله تعالى هذه السُّنَّة، لأن الدين الخاتم وشريعته نزلا في البشر، بعد أن بُعث الرسول الخاتم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، للعالمين، بشيرًا ونذيرًا.. هنا صارت الدعوة للإسلام، في كل البشر، في كل مكان وزمان، فمهد الله تعالى لانتشار دينه، فرفع سُنَّة إهلاك القرى الظالمة والكافرة.. وفي إدراك ووعي كاملَيْن من الرسول الخاتم "صلَّى الله عليه وسلَّم"، قال لمَلَك الجبال، عندما ظهر له ملك الجبال، يوم العقبة، وهو عائد بعدما لاقاه من أذىً من ابن عبد ياليل بن عبد كلال، وقال له المَلَك: "يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبَيْن"؛ قال له رسول الله "صلَّى اللهً عليه وسلَّم": "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا" [صحيح/ أخرجه مسلم[. ودليلنا في ذلك، أنه بعد أن يرفع الله تعالى الإيمان والقرآن من الناس، في آخر الزمان، سوف تعود هذه السُّنَّة الربانية، بعد أن يختفي الإسلام من العالم، ولا يعود للعالم وللإنسانية وللدنيا كلها، أية قيمة من دون دين الله، فيُهلِكُ اللهُ تعالى القرىَ الظالمة، ويعذبها، مصداقًا لقوله تعالى: "وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)" [سُورة الإسراء[. ومن ثَمَّ نفهم، أن الحياة والعمران البشري مقصدان شديدا الأهمية للشريعة؛ لأنهما ميدان نشر الدعوة الرئيسي، ومجال امتداد شريعة الله تبارك وتعالى ودينه الأساسي، وكذلك نفهم أن الإنسان خُلِقَ لله، ولعبادته على دين الله تعالى، ولخاصة الله عز وجل، وليس لأي شيءٍ آخر من متاع الدنيا!!..

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الانقلاب
  • مصر
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …