لأن الإنسان بحكم خلقه أرض وسماء، طين وروح.
فكل تجارب البشرية في إيجاد مملكة الإنسان على الأرض مقطوعة الصلة بالسماء، فشلت.
وكل تجارب نزع الإنسان من مملكة الأرض انتظاراً لمملكة السماء، فشلت.
نحن أمام نظرتين للحياة غير قابلتين للتطبيق: الأولى مثلتها اليهودية التي لم تتحدث توراتها عن السماء، لا جنة، ولا نار، ولا خلود
ومن ورائها جاءت الشيوعية تبشر الناس بجنة الأرض بشرط القطيعة مع السماء.
فحرمت الناس من جنة السماء ولم تحقق لهم جنة الأرض.
في حوار فلسفي عميق صور "توفيق الحكيم" هذا الصراع الذي عاشه الغربي المنقطع عن السماء في حوار بين "محسن" الشخصية الرئيسية في رواية "عصفور من الشرق" مع صديقه الروسي "إيفان"؛ ننقله بمعناه: حيث يقول "إيفان" لمحسن: محظوظون أنتم أيها الشرقيون بأنبيائكم، جعلوا أساس التوزيع بين الناس الأرض والسماء معاً، فمن حُرم الحظ في جنة الأرض، فحقه محفوظ في جنة السماء.
أما في الغرب فنبينا الجديد "ماركس" ومعه إنجيله الأرضي "رأس المال" أراد أن يقسم الأرض وحدها بين الناس، وقطع صلتهم بالسماء، فماذا حدث؟
أمسك الناس بعضهم برقاب بعض ووقعت المجزرة بين الطبقات تهافتاً على نصيبهم من الأرض.
فخسروا الأرض ولم يربحوا السماء، وهذا سر البلاء والشقاء.
والثانية: مثلتها المسيحية لتبشر الناس بمملكة السماء على حساب مملكة الأرض.
دين يدع ما لقيصر لقيصر، دين يقدس الفقر ويدعوا إليه، دين يمنع رد الاعتداء ودفع الظلم...
دين لم يتقبل فكرة أن يظل الإنسان الكامل إنساناً، فادعوا الألوهية لسيدنا "عيسى"، وهذا الزعم المتعلق بالإنسان الإله –على حد تعبير علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب – اعتراف صامت بأن المسحية الخالصة غير ممكنة في حياة الإنسان الواقعية.
وفي هذا السياق أيضاً نفهم قول الفيلسوف الألماني "نيتشة" : "آخر مسيحي تم صلبه على الصليب!!".
بين هذه الأديان والمذاهب، ضاع الإنسان بين مملكة الأرض ومملكة السماء.
ثم جاء الإسلام: دين الفطرة، دين الإنسان – كل الإنسان -، يجمع بين مملكتي الأرض والسماء.
سَيْر في مناكب الأرض ومسارعة إلى جنة السماء، زينة للثوب وطهارة للبدن قبل العروج إلى السماء بالصلاة.
دين يظل إنسانه الكامل (محمد صلى الله عليه وسلم) إنساناً، وتظل سيرته وسنته هي التطبيق العملي لرسالته.
دين يجعل أرقى مدارج الكمال الإنساني لأتباعه أن يصير الإنسان: خليفة الله في الأرض.
أي يحقق ثنائية : [ الله – الأرض].
هذا الدين العظيم، إن فصلت أرضه عن سمائه - كما يريد الجهلاء – أفرغته من محتواه، وأفقدته معناه.
دين لا يمكن فصل: عقيدته عن شريعته، ورحمته عن عدله، وعفوه عن قصاصه، وثقافته عن حضارته، ومصحفه عن سيفه، ودعوته عن جهاده، وحريته عن قيوده...، سمائه عن أرضه.
ابحث أيها الإنسان كما شئت، فكر كما شئت، جرب ما شئت، سر في دروب التيه حيث شئت.. لن تجد أبداً أسمى ولا أعظم ولا أنفع لقيادة البشرية غير دين الإسلام، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}.