إدارة الاختلاف داخل الصف .. وقفات ونصائح

الرئيسية » بصائر تربوية » إدارة الاختلاف داخل الصف .. وقفات ونصائح
_tah2024

لقد خلق الله عز وجل كل إنسان بطريقة تفكير مختلفة عن الآخر، وهذه الطريقة أو النمطية أو العقلية في التفكير تختلف لأسباب جمة، ابتداء من البيئة التي نشأ فيها مروراً بالثقافة والعادات والتقاليد والاعتقاد، وكمّ المعلومات لديه انتهاء بدرجته العلمية وظروفه النفسية والاقتصادية وغير ذلك، فكل هذا مما لا شك فيه أنه مؤثر بطريق مباشر أو ربما غير مباشر على طريقة التفكير، ناهيك عن وجود الفوارق الطبيعية التي وجدت أصلا مع أصحابها منذ خلقهم.

وطالما أن هناك اختلاف في طريقة التعامل مع المعلومة فبالتالي سيعود هذا الخلاف تلقائيا على النتائج التي يخرج بها الناس، والله خلقنا كذلك {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة؛ ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود:118،119].

وطالما أن الإنسان مدني بطبعه، يحب الحياة الاجتماعية والتواصل مع البشر وبالتالي محاورتهم فسيبقى الخلاف موجودا بينهم، لأنك لا تستطيع أن تحملهم كلهم على رأي واحد، طالما أن هذا الرأي غير مؤيد بوحي أو نص مقدس، إذ إنه اجتهاد مطلق وإعمال للعقل للوصول إليه؛ وبالتالي يستحيل جمع الناس على رأي واحد، والبشر ليسوا كذلك كالقطيع يساقون من قبل شخص واحد، صاحب الرؤية الأحادية.

وبناء على ما سبق، يظهر عندنا الاختلاف في الرأي بين الناس، فلكل شخص وجهة نظر سيقدمها للآخر محاولا تدعيمها بالدليل والحجة والبرهان كي يثبت صحة ما ذهب إليه، وغالبا ما تكون هذه الحجج والبراهين أيضاً عقلية؛ فربما تكون مسلمات أو بدهيات أو نتائج استقرائية أو غير ذلك مما يكون داعما لرأي أحدنا في إقامة حجته على الآخر.

وقد يتساوى الدليلان من حيث قوتهما وضعفهما؛ فنصل إلى اللانهاية الحوارية، فلا هذا مقتنع برأي الآخر ولا هو قادر على أن يقنعه برأيه، والطرف المقابل كذلك لم يستطع إقامة الحجة القاطعة الدامغة؛ وبنفس الوقت لم يقتنع تمام الاقتناع بالرأي المقابل.

وطالما أن الأمر اجتهادي لا نص قطعي فيه، ففيه سعة لقبول الاختلاف، حتى وإن كانت المسألة فقهية أو ربما في فروع الاعتقاد مما يقبل الخلاف فيها.

ومن المهم والضروري لنا كذلك أن نراعي أدب الاختلاف أثناء الحوار والنقاش وأن لا ينتقل هذا الحوار أو النقاش إلى الفضاء اللامحدود أو ما يسمى بالجدال؛ ولذلك نرى تلك المرأة التي جاءت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم، أي أنها جاءت فقط لأنها تريد أن تصل لنتيجة معينة ولم تكن تقبل أي شيء آخر؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن توجيه الموقف ولا حظ معي قول الله عز وجل {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} إذن هي جاءت تجادل والنبي حوَل الجدال إلى حوار، وهذا درس عظيم مستفاد من هديه عليه الصلاة والسلام، ولذلك أخبرنا عليه السلام بقوله: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا" (رواه أبو داود).

وللأسف في عصرنا الحالي نرى من بعض أبناء الصف المسلم ديكتاتوريات في النقاش والحوار وأصحاب الرأي الأوحد، وفي المقابل نرى المخالف الذي يريد أن يخالف لأجل الخلاف ولو دون حجة أو برهان، والأسوأ منه تعدي بعضهم على بعض في الكلام والسباب والشتم، وكل هذا مما رفضه الإسلام ونهى عنه، فبتنا نعرف أناساً لا يمكن محاورتهم أو نقاشهم، ليس لقوة حجتهم أو دليلهم وإنما لسوء أدبهم وعدم تقبلهم للرأي الآخر ووجهة النظر الأخرى.

والمسألة فيها مندوحة وبحبوحة طالما أن صاحب الفكرة لم يتعدَّ على أحد، لا بقذف أو شتيمة أو سخرية أو استهزاء، فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وكذلك ما لم تكن مخالفاً لشرع الله جهاراً أمام الناس ففي هذا تعدٍّ على مشاعر الآخرين وعدم احترامها كمن يفطر في نهار رمضان أمام الناس في بلد أغلبيته مسلمة، لا يوجد فيه تنوع ديني كبير.

إن القرآن الكريم أول داعية إلى تقبل وجهة النظر الأخرى لكن بالدليل العقلي والمنطقي وقوله تعالى أكبر دليل على ذلك؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في خطابه الموجه للنبي عليه الصلاة والسلام: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} أبعد هذا الحوار من حجة؟؟

لذلك قبل أن تخوض في أي معترك فكري أو شرعي أو غيره مما يكون فيه الحوار والاختلاف بين الناس أنصحك بما يلي:

  1. الاطلاع الكامل على وجهات النظر المختلفة ودوافعها، والاطلاع التام على حجج أصحابها وبراهينهم قبل الحكم على هذه الآراء.
  2. تجنب الإساءة والتجريح للأشخاص سواء الذين تحاورهم أو من تنتقد فكرتهم.
  3. بادر بالكلمة الطيبة في النقاش ولا تكن مستفِزاّ ولا مستفَزَاً.
  4. اعتمد قاعدة "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب".
  5. لا يوجد في الأمور الاجتهادية التي ينقصها الدليل القطعي صواب مطلق، وإنما هي آراء واجتهادات تصيب وتخطئ وتقارب الصواب وتجانبه.
  6. لا تجعل الشيطان يقنعك بأنك على حق وأن المقابل لك إنما يتكلم بهوى نفس فهو يستحق التعنيف كي يعود إلى الصواب وإلى الحق.
  7. تجنب الصراع بالأيدي أو الأدوات الأخرى خلال النقاش مطلقاً.
  8. اعلم أن أحد أهم الأسباب المستفزة في النقاش هي رفع الصوت، فحاول خفضه قدر المستطاع.
  9. حاول أن تجد دائما النقاط المشتركة والقاعدة المتشابهة في منطلق كلامك مع من يخالفك، فهذا أجدر لتوحيد ودمج الآراء برأي أكثر إيجابية.
  10. اعلم أنك تمثل دائماً فكرة، وكثير من الناس من يعتبر الفكرة من خلال صاحبها والناطق بها، فلذلك لا تكن سببا لتشويه صورة جميلة بتعنتك وسوء أسلوبك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …